مئات الطلاب خارج أسوار المدارس في ريمة

كيف أثّر الصراع على تعليم الأطفال ومستقبلهم؟
فايز الضبيبي
May 10, 2023

مئات الطلاب خارج أسوار المدارس في ريمة

كيف أثّر الصراع على تعليم الأطفال ومستقبلهم؟
فايز الضبيبي
May 10, 2023

يبدو الطفل عبدالرحمن حسن جسار (12 سنة)، محظوظًا بعض الشيء كونه أتيح له استكمال تعليمه، مقارنة بغيره من أطفال محافظة ريمة، الذين أجبرتهم ظروف أهاليهم على التوقف عن الدراسة، والذهاب للعمل لمساعدتهم، حيث يقدّر عدد هؤلاء الأطفال في البلاد عمومًا، أكثر من مليونَي طفل، بزيادة الضعف عمّا كان عليه الحال قبل الحرب، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).

كاد حُلم جسار، الطالب الذي يحرز المركز الأول في جميع فصول المرحلة الأساسية، أن يتوقف عقب تخرجه منها، إثر إعلان مكتب التربية والتعليم في مديريته، إلغاء مرحلتي التعليم الإعدادية والثانوية في مدرسة (خالد بن الوليد) بمنطقة الحطم بريمة -المدرسة التي يدرس فيها جسار- بسبب قلة عدد الطلاب المسجلين ومحدودية المعلمين، لكن والده، المزارع البسيط، رفض الاستسلام للواقع، وقرّر إرساله ابنه إلى العاصمة صنعاء لاستكمال الدراسة في مدرسة خاصة، رغُم الكُلفة المادية الباهظة ليلحق السنة الدراسية الحالية، بعدما كان أقرب لترك التعليم والعمل في الزراعة مع والده أو في السوق.

يقول والد عبدالرحمن، لـ"خيوط": "عبدالرحمن هو الابن الوحيد لي، وحلمي الوحيد في هذه الدنيا أن أراه يومًا ما يحتفل بتخرجه من الجامعة، ليكون أول فرد في الأسرة يصل إلى الجامعة، وينجو من كد وشقاء أعمال الزراعة". 

تضاءلت نسبة الطلاب المسجلين في مدرسة خالد بن الوليد بالحطم، منذ بداية الحرب، ليصل مجموع الطلاب المسجلين في المدرسة هذه السنة إلى 60 طالبًا وطالبة فقط، أغلبهم في الصفوف الأولى، في حين كان متوسط المسجلين قبل الحرب، لا يقل عن 500 طالب وطالبة في كل سنة.

يعيش عبدالرحمن لدى أقرباء له في صنعاء، لكنه يواجه صعوبة في التأقلم بعيدًا عن والديه؛ يقول جسار لـ"خيوط": "أنتظر صوت أبي وأمي حال استيقاظي كل صباح، يدعواني لتناول الإفطار معهما، فأتذكر أني بعيدٌ عنهما، حينها لا أجد إلّا الدموع أذرفها تحت الفراش، ثم أمسحها جيدًا لكي لا يراني أحد، عقبها أتجهز للذهاب إلى المدرسة، وفي طريقي لا يمر رجل أو امرأة أمامي إلّا وتخيلتهما والدايّ، أودّ لو أحتضنهما وأقبّل رأسيهما".

ويواصل جسار حديثه: "لكن هدفي بأن أحقّق حلم والدي في الوصول إلى الجامعة، وحلمي أيضًا في أن أصبح طبيبًا، أعالج أهالي منطقتي المحرومة من أدنى الخدمات الصحية، يجعلني أتحمّل كل تلك المعاناة والصعاب".

الأطفال في خطر

كان عبدالرحمن من ضمن 15 طالبًا وطالبة، تخرجوا السنة الماضية من الصف السادس، في مدرستهم بمنطقة الحطم، بينهم خمس طالبات، وعند بداية العام الدراسي الحالي، لم يتقدّم للتسجيل في المرحلة الإعدادية سوى خمسة طلاب، عبدالرحمن أحدهم.

تضاءلت نسبة الطلاب المسجلين في مدرسة خالد بن الوليد بالحطم، منذ بداية الحرب، ليصل مجموع الطلاب المسجلين في المدرسة هذه السنة إلى 60 طالبًا وطالبة فقط، أغلبهم في الصفوف الأولى، في حين كان متوسط المسجلين قبل الحرب، لا يقل عن 500 طالب وطالبة في كل سنة، وفق أحد العاملين في المدرسة، مفضّلًا عدم ذكر اسمه.

يصف المصدر -متحسّرًا- الحالَ الذي آلت إليه المدرسة مؤخرًا لـ"خيوط"، قائلًا: "فقدت المدرسة نصف كادرها التعليمي، منهم 5 معلمين متخصصين من أبناء تعز، كانوا يدرّسون المواد العلمية للمرحلتين الإعدادية والثانوية، اضطروا للمغادرة والعودة لمحافظتهم بعد أن توقفت مرتباتهم".

الجميع يدفع الثمن

الجدير بالذكر أنّ هذا الحال لم يقتصر على مدرسة خالد بن الوليد في منطقة الحطم فقط، بل طال أيضًا مدرسة (الإخلاص) بمنطقة (بني هتار) المجاورة، حيث تم إلغاء مرحلة التعليم الثانوي فيها في بداية السنة الدراسية الحالية أيضًا، من قبل إدارة التربية بالمديرية، فيما كانت مدرسة "السلام" الأساسية والثانوية بمنطقة "ملل"- المجاورة، قد أغلقت أبوابها أمام الطلاب، وتوقفت عن العمل تمامًا، خلال السنتين الماضيتين؛ لذات الأسباب، لتفتح أبوابها من جديد هذه السنة، ولكن للمرحلة الابتدائية فقط.

وبسبب هذا الوضع والظروف الاقتصادية، اضطرّت العديد من الأسر في ريمة إلى إيقاف أبنائها عن الدراسة، وإرسالهم للعمل في المزارع وأسواق المدن، لمساعدتهم في تدبير احتياجات الأسرة الضرورية.

كما أنّ توقف صرف مرتبات موظفي الدولة، أدّى إلى ترك العديد من المعلمين لمدارسهم في ريمة، خاصة ممّن كانوا من خارج المحافظة، حيث غادروا إلى محافظاتهم، باحثين عن مصادر دخل أخرى، بعد أن عجزوا عن البقاء في تلك المدارس من دون رواتب، ما ترك فراغًا وعجزًا كبيرًا في مدارس ريمة. 

تبيّن إحصائيات لمكتب التربية والتعليم في المحافظة، أنّ "إجمالي عدد المدارس الخاصة بالإناث في عموم مناطق المحافظة لا تتجاوز 14 مدرسة، من واقع 482 مدرسة مختلطة للجنسين"، وتتركّز معظمها في عاصمة المحافظة ومراكز المديريات.

في حين أنّ مَن بقي من معلمي المنطقة، يؤدّون واجبهم في مدارسهم، وملتزمون بالتدريس فيها، في مقابل التضحية بمستقبل أولادهم في التعليم، بحسب محمد الحداد، أحد المعلمين في المنطقة، في حديثه لـ"خيوط".

ويضيف الحداد: "اضطررنا بعد توقف رواتبنا أنا والكثير من زملائي المعلمين في المنطقة، أن نضحي بمستقبل أولادنا في التعليم، وإرسالهم للعمل في المدن، لتغطية احتياجات أسرنا، في حين بقينا صامدين في مدارسنا، نؤدّي واجبنا على أكمل وجه، وللأسف لم يقدّر أحد ما نبذله، لا حكومات ولا منظمات، حتى حوافز المعلمين استكثروها علينا وتوقفوا عن صرفها، من دون أن نعرف الأسباب".

أسوأ الحلول الممكنة

حاول مكتب التربية التخفيف من تداعيات قراراته من خلال حلول محدودة، حيث أعاد فتح مرحلة التعليم الإعدادي في مدرسة الثورة بـ"القبل" المجاورة، التي كانت قد توقفت منذ سنوات بسبب الصراع، ليلتحق بها طلابها المنتقلين من الصفوف الابتدائية، وطلاب مدرسة خالد، وطلاب مدارس ابتدائية أخرى في المنطقة، في حين سيلجأ طلاب الثانوية إلى التسجيل في مدرسة الحمزة بن عبدالمطلب بمنطقة "عولة"، وهي منطقة مجاورة.

ومع ذلك، تضيف هذه الحلول على قلّتها مشاكل أخرى للطلاب، ومن ذلك أنّ طلاب الإعدادية بمدرسة خالد سيحتاجون إلى ساعة للوصول إلى مدرسة الثورة، فيما سيحتاج طلاب الثانوية في مدرسة الإخلاص من ساعة إلى ساعتين، للوصول إلى مدرسة حمزة، قاطعين جبالًا شاهقة وطرقًا وعرة، ذهابًا وإيابًا بشكلٍ يوميّ، مشيًا على الأقدام.

في حين تتردّد الأسَر في إرسال بناتهن إلى مدارس خارج المنطقة، والسماح لهن بقطع تلك المسافات بمفردهن، والاختلاط في الصفوف الدراسية بعد وصولهن المرحلة الإعدادية، إذ لا تتوفر مدارس خاصة بالإناث في المنطقة.

وتتوزع مدارس المنطقة في أماكن خالية وبعيدة عن التجمعات السكانية، حيث تفصل بين عددٍ منها وبين القرى مسافات طويلة، وجبال شاهقة وطرق وعرة جدًّا، ما يمثّل ذلك صعوبة كبيرة أمام وصول الطلاب والطالبات إليها، خاصة المدارس التي تقع خارج مناطق التجمعات السكانية.

ووفق إحصائية رسمية، حصلت عليها "خيوط"، من مدرسة الثورة، فقد "بلغ عدد الطلاب المتقدمين للمرحلة الإعدادية لهذه السنة، 40 طالبًا وطالبة، في الصفوف الثلاثة، منهن 12 طالبة"، ويمثّل ذلك العدد مخرجات ثلاث مدارس ابتدائية في المنطقة، وعشرات القرى.

وتفيد إحصائية رسمية سابقة لإدارة تعليم الفتاة في مكتب التربية بريمة، بأنه "تم في 2018، تسجيل حوالي 17858 من الفتيات اللواتي تركن فصول الدراسة في المحافظة".

وتبيّن إحصائيات لمكتب التربية والتعليم في المحافظة، أنّ "إجمالي عدد المدارس الخاصة بالإناث في عموم مناطق المحافظة لا تتجاوز 14 مدرسة، من واقع 482 مدرسة مختلطة للجنسين"، وتتركّز معظمها في عاصمة المحافظة ومراكز المديريات. 

وتطالب اليونيسف مرارًا، جميعَ أطراف النزاع، بـ"وقف الهجمات على المدارس وأماكن التعليم، وعدم إلحاق الأذى بالأطفال وموظفي التعليم، والحفاظ على المدارس كمناطق آمنة، وكذلك ضمان استلام المعلمين والعاملين في مجال التعليم لرواتبهم حتى يتمكنوا من أداء مهامهم الأساسية، ويتمكن الأطفال من الاستمرار في حصولهم على التعليم"، ولكن دون جدوى.

•••
فايز الضبيبي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English