إعادة فتح طريق بشرق تعز

مدخل لإنهاء الحصار أم هروب تكتيكي للحوثيين؟
د. حاتم الشمّاع
June 19, 2024

إعادة فتح طريق بشرق تعز

مدخل لإنهاء الحصار أم هروب تكتيكي للحوثيين؟
د. حاتم الشمّاع
June 19, 2024
.

عانت مدينة تعز قسوةَ الحصار الخانق الذي فرضه الحوثيون عليها، أكثر من تسعة أعوام. وقد خلّف هذا الحصار دمارًا واسعًا ومجاعةً وموتًا لا يمكن تجاهله، ليشكّل هذا الحصار واحدًا من أظلم الفترات في تاريخ المدينة. ومع ذلك، فقد أدّت التطورات الأخيرة لإعادة فتح طريق رئيس شرقَ المدينة، من أصل أربعة طرق تصل شرق المدينة بوسطها وأطرافها الغربية والشمالية والجنوبية، إلى خلق بصيص أمل لسكان المدينة المحاصرين.

يبحث هذا المقال في تأثير الحصار، وتداعيات رفعه، والسياق الأوسع للصراع الدائر في اليمن.

ضغط اقتصادي كبير

خلّف حصارُ تعز على ساكنيها ويلاتٍ لا تُوصف؛ فقد عمد الحوثيون إلى تدمير البنية التحتية بشكلٍ ممنهج، مستهدفين الشوارع والخدمات الأساسية. هذا التدميرُ لم يُصِب اقتصادَ المدينة بالشلل فحسب، بل قيّد أيضًا وصولَ المواد الغذائية والأدوية قيدًا شديدًا. ومع استمرار الحصار، واجهَ أهلُ تعز شبح المجاعة، حيث استسلم الكثيرون منهم لسوء التغذية والأمراض المرتبطة به.

كان تأثير الحصار على الرعاية الصحية وخيمًا على نحو خاص؛ فقد أُغلقت الطرق المؤدية إلى تعز ومستشفياتها، وباتت مقطوعةً عن الإمدادات الطبية الأساسية، وهو ما أدّى إلى وفاة العديد من المرضى. وفي محاولة يائسة لإنقاذ الأرواح، لجأ أهالي تعز إلى تهريب الأدوية عبر مسارات محفوفة بالمخاطر، يخاطرون بحياتهم وهم يجتازون تضاريسَ وعرةً. وقد أبرز هذا الوضع صمود أهل تعز وتصميمهم، ولكنه أيضًا سلط الضوء على فداحة الأزمة الإنسانية.

أعلن البنك المركزي في عدن مؤخرًا، عن إجراءات جديدة لاستبدال العملات القديمة، التي كانت تستخدم بشكل رئيسي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بعملة جديدة. وقد شكلت هذه الخطوة الاستراتيجية ضغطًا كبيرًا على الحوثيين، وأجبرتهم على إعادة التفكير في حصارهم. وكانت الآثار الاقتصادية لقرار البنك المركزي عميقة، حيث عطلت العمليات المالية لجماعة الحوثي وأرغمتهم على التفاوض.

استجابةً لهذه الضغوط الاقتصادية، شرعت الجماعة الحوثية في إعادة فتح الطرق الرئيسية المؤدّية إلى تعز. ويمثّل هذا التطور منعطفًا حاسمًا في الصراع، إذ يفتح الباب أمام إمكانية تحسين الأوضاع الإنسانية وتعافي المدينة اقتصاديًّا. إن إعادة فتح الطرق ليست مجرد تغيير لوجستي، بل هو انتصار سياسي ورمزي كبير لأهالي تعز والحكومة اليمنية.

الصراعُ الدائرُ في اليمن ذو جذور عميقةٍ متشعبة، سياسية وطائفية وإقليمية. لطالما سعت حركةُ الحوثيين المدعومة إيرانيًّا، إلى نيل قدرٍ أكبر من الاستقلالية والتمثيل. وقد أشعل استيلاؤهم على صنعاء عام 2014، وتقدمهم اللاحق، فتيلَ التدخل العسكري بقيادة تحالفٍ تقوده السعودية، بهدف إعادة الحكومة المعترف بها دوليًّا إلى السلطة. لكن وكما هي سياسة أمريكا والغرب في تصدير الفكر الخميني إلى الدول العربية، فقد ساعدت إيران عبر تغذية ميليشياتها في الدول العربية والإسلامية. وبهذا الدعم الأمريكي المناظر والتوظيف، استطاعت الحركة الحوثية البقاء والاستمرار. 

فتح الطرق، يمكن أن يسهّل التعافي الاقتصادي في تعز خاصة، واليمن بشكل عام. يمكن أن تستأنف التجارة والنشاط التجاري، اللذان تعرضا لتعطيل شديد، ما يوفر سبل عيش ضرورية لسكان المدينة وما حولها. يمكن تنشيط الأسواق المحلية، ويمكن للشركات أن تبدأ في إعادة البناء، ممّا يساهم في الاستقرار العام وقدرة المجتمع على الصمود.

إيصال المساعدات الإنسانية

باتت الحربُ في اليمن جرحًا غائرًا ينزفُ معاناةً، وأحد أسوأ الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم. إذ حذّرت الأمم المتحدة من أن ملايين اليمنيين يواجهون خطر المجاعة، بينما شرّد الصراعُ الملايينَ أيضًا. يُعدُّ حصارُ تعز نموذجًا مصغرًا للمعاناة الأوسع التي يعيشها اليمن. لذلك، فإن إعادة فتح الطرق لها تداعيات تتجاوز تعز، إذ تشير إلى احتمال تخفيف بعض أقسى ظروف الصراع.

أبرز فائدة مباشرة لإعادة فتح طرق تعز، هي إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية؛ إذ يمكن إعادة توفير إمدادات الغذاء والدواء والمواد الأساسية الأخرى، ما يخفف بعض المعاناة التي تكبّدَها سكانُ المدينة. سيجد عمّال الإغاثة سهولةً أكبر في إيصال المساعدات، ويمكن للاقتصاد المحلي أن يباشر التعافي من الآثار المدمرة للحصار.

لا يقتصر أثر رفع الحصار على الجوانب الإنسانية فحسب، بل له تداعيات سياسية وعسكرية بالغة الأهمية؛ فهو يمثّل تحوّلًا في موازين القوى، إذ يوحي بأنّ الحوثيين باتوا يرزحون تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والغضب الشعبي. هذا التطور سيسعى لأن يفتح الباب أمام تجديد المفاوضات، وربما وقف إطلاق نار على أوسع نطاق، وإن كان ذلك يبقى أمرًا محفوفًا بالشك بالنظر إلى تعقيدات الصراع.

مع إعادة فتح الطرق، يمكن أن يسهل ذلك أيضًا التعافي الاقتصادي في تعز خاصة، واليمن بشكل عام. يمكن أن تُستأنف التجارة والنشاط التجاري، اللذان تعرّضا لتعطيل شديد، ما يوفر سبل عيش ضرورية لسكان المدينة وما حولها. يمكن تنشيط الأسواق المحلية، ويمكن للشركات أن تبدأ في إعادة البناء، مما يساهم في الاستقرار العام وقدرة المجتمع على الصمود.

رغم الإيجابيات المترتبة على إعادة فتح الطرق، فإنّ تحدياتٍ كبيرةً لا تزال قائمة؛ إذ تظل المخاوف الأمنية قائمة، في ظل احتمال تجدُّد القتال. وقد لا تزال الطرق، رغم إعادة فتحها، محفوفةً بالمخاطر، ويظل ضمان مرورٍ آمن للمدنيين والمساعدات قضيةً جوهرية. يتعيّن على المجتمع الدولي والسلطات المحلية العمل معًا؛ للحفاظ على الأمن، ومنع المزيد من التصعيد، خصوصًا أنّ بعض التحليلات تذهب إلى القول إنّ هذه الخطوة قد تكون هروبًا تكتيكيًّا للحوثيين.

هل ستنتهي المشكلة؟ 

تمثل استدامة تدفق المساعدات الإنسانية تحدّيًا آخر؛ ففي حين يسهل إعادة فتح طرق الوصول، فإن الحاجة إلى استمرار الدعم من الجهات المانحة والمنظمات الدولية أمرٌ بالغ الأهمية. إن الأزمة الإنسانية في اليمن لم تنتهِ بعد، ولا تزال الجهود المطلوبة لمواجهة المعاناة الواسعة النطاق وإعادة بناء البنية التحتية للبلاد، ضرورية.

ربما يكون تحقيق الاستقرار السياسي والحفاظ عليه هو التحدي الأكبر. إنّ الصراع في اليمن متجذر بعمق، مع وجود فصائل متعددة تتنافس على السلطة. يُعدّ إعادة فتح الطرق في تعز خطوة إيجابية، ولكن يجب أن تصاحبها جهودٌ أوسع لتحقيق حلٍّ سياسي دائم. وهذا يتطلب حوارًا مستدامًا وتسوية وتعهّدًا بالسلام من جميع الأطراف المعنية.

هل يمكن أن نقول إنه عهد جديد يبدأ في تعز مع إعادة فتح الطرق الرئيسية، وهل هي خطوة مهمة في حل صراع اليمن المديد؟ نعم، أشرق بصيص أمل لسكان المدينة المحاصَرين، الذين تحمّلوا معاناة لا يمكن تخيّلها تحت حصار الحوثيين، ولكن هل هذا يعني انتهاء المشكلة؟ يعلم الجميع أنّ الحوثي ما هو إلا أداة، لن تقبل بسلام دائمًا وبسلطة عبر صناديق الاقتراع، كون مشروعها لا يقوم إلا على الاستحواذ على السلطة ومنافعها، ورفع شعارات الموت. 

لذا، لا تزال هناك تحديات كبيرة، فالطريق إلى سلام دائم واستقرار في اليمن، محفوف بالصعوبات. يجب على المجتمع الدولي، إلى جانب الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية، أن يواصلوا دعم الجهود الرامية إلى التخفيف من الأزمة الإنسانية وتعزيز حلٍّ سياسي للنزاع. وفقط من خلال جهود مستدامة ومنسقة، يمكن لليمن أن يأمل في الخروج من ظلال الحرب وبناء مستقبل يتسم بالسلام والازدهار والصمود.

•••
د. حاتم الشمّاع

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English