"السنفرة"؛ ظاهرةٌ تطال جيلًا بأكمله

نصف أطفال اليمن معرّضون للتقزُّم بسبب سوء التغذية
سهير عبدالجبار
April 8, 2024

"السنفرة"؛ ظاهرةٌ تطال جيلًا بأكمله

نصف أطفال اليمن معرّضون للتقزُّم بسبب سوء التغذية
سهير عبدالجبار
April 8, 2024
.

"لم تقبل المدرسة الأهلية (يزن) للدراسة في الصف الأول، بالرغم من بلوغه سنّ المدرسة، وبالرغم من استعدادنا لدفع كافة أقساط الدراسة مقدّمًا! قالت لي المعلمة إنه يفترض بي أن أُلحِقه بالتمهيدي، نظرًا لصغر سنّه، فيما كنت أحاول أن أقنعها بأنّ يزن في السادسة، لكنه يبدو أصغر سنًّا، لأنه لا ينمو بشكل طبيعي، هذا التعامل يترك انطباعًا في ذهن ابني، بأنه غير مرغوب فيه، وأنه معرض في أي لحظة للتنمر والسخرية"؛ تقول أم يزن لـ"خيوط".

قرابة نصف أطفال اليمن دون سنّ الخامسة، يعانون من ظاهرة التقزُّم، بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، وهي ظاهرة يمكن ملاحظتها على الأطفال في الشوارع والمدارس والأماكن العامة، لأسباب يُرجعها المختصون إلى سوء التغذية وضعف الرعاية الصحية بدرجة رئيسية، إلى جانب أسباب وراثية وهي الأضعف، في تكوين هذه الظاهرة، وقد فاقمت من حدّتها الحربُ المستعرة في اليمن منذ 2015.

في سياق متصل، أظهرت نتائج المسح العنقودي متعدّد المؤشرات، الصادر مؤخرًا عن الجهاز المركزي للإحصاء في اليمن، أنّ 49% من الأطفال دون الخامسة، يعانون من التقزّم أو سوء التغذية المزمن، بينما يعاني 17% من الأطفال، من الهزال أو سوء التغذية الحادّ.

وتعكس هذه المؤشرات -وفق الجهاز- الوضعَ المعيشي لقرابة 75% من الأُسَر اليمنية التي واجهت حالةً من حالات انعدام الأمن الغذائي.

هناك عوامل تؤثر على شهية الأطفال واستجابتهم للتغذية وممارسة الأنشطة المختلفة التي تحفّز نموّهم، ومن ثَمّ ينتهي بهم المطاف إلى سوء تغذية حادّ أو متوسط، وينعكس ذلك على نموهم الجسدي.

التقزم وعواقبه

تعرّف منظمة الصحة العالمية التقزّم بأنه "انخفاض الطول بالنسبة للعمر"، وتقول إنه "نتيجة لنقص التغذية المزمن أو المتكرر، ويرتبط عادة بالفقر، وسوء صحة الأمّ وتغذيتها، والأمراض المتكررة أو ضعف التغذية والرعاية في بداية الحياة".

وبحسب المنظمة، فإنّ "التقزّم يمنع الأطفال من تحقيق إمكاناتهم البدنية والمعرفية، والعواقب المترتبة على ذلك هي عواقب مباشرة وطويلة الأجل، وتشمل زيادة معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات، إضافة إلى ضعف نمو الطفل وقدرته على التعلم، وزيادة خطر الإصابة بالعدوى والأمراض غير السارية".

وعلاوة على ذلك، فإن الأطفال الذين يعانون من التقزّم، والذين عانوا من زيادة سريعة في الوزن بعد عامين، هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بزيادة الوزن أو السمنة في وقت لاحق من الحياة.

وتُعرف ظاهرة التقزم في المتداول الشعبي في اليمن، بـ(السنفرة)، ويُحيل هذا المسمى إلى المسلسل الكرتوني الشائع (السنافر)، وشخصياته عبارة عن كائنات صغيرة الحجم زرقاء متشابهة تعيش في غابة ويطاردها شرير.

التغذية والعنف

يقدّم يحيى سعيد، مختص التغذية بمركز الفوارس الطبي بصنعاء، شرحًا عن تأثير سوء التغذية على صحة الأطفال وسلامتهم الجسدية، أثناء حديثه لـ"خيوط"، قائلًا: "تؤثر سوء التغذية للأمهات الحوامل، وسوء التغذية للأطفال أنفسهم، خاصة ممّن هم دون سن الخامسة، علاوة على العنف الذي قد يتعرض له الأطفال في سنوات حياتهم الأولى- على صحة وسلامة النمو الطبيعي للطفل، كما يؤثر على الإنزيم المحول للأنجيوتنسين، حيث يتحول إلى إجهاد سامّ، ينعكس سلبًا على سلامة دماغ الشخص وجهازه العصبي عمومًا".

وتتفق معه، الاختصاصية النفسية، فردوس الرباصي، التي تقول لـ"خيوط"، إنّ العنف والصدمات النفسية تؤثر على سلام وأمان الطفل، وتجعله يعاني من اضطراب في النمو والسلوك.

وتتابع الرباصي حديثها، قائلة: "قد يستغرب بعضهم؛ ما علاقة السلام والأمان النفسي بالنمو الجسدي للطفل، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه العوامل المؤثرة قد تتفاوت حدّة تأثيرها من طفل لآخر، لكنها في المجمل تؤثر على شهية الأطفال واستجابتهم للتغذية وممارسة الأنشطة المختلفة التي تحفز نموهم، ومن ثَمّ ينتهي بهم المطاف إلى سوء تغذية حادّ أو متوسط، وينعكس ذلك على نموهم الجسدي، وعليه فمعالجة الجوانب النفسية وتجنيبهم الصدمات، لها علاقة مباشرة على نموهم بشكل طبيعي".

نقص هرمون النمو سببٌ شائع للتقزُّم المتناسب، ويحدث عندما تفشل الغدة النخامية في إنتاج إمدادات كافية من الهرمون، نتيجة اضطرابات وراثية أو سوء في التغذية، أو أسباب أخرى غالبًا ما تكون غير معروفة.

زيارة الطبيب

لا تعرف الكثيرُ من الأسر التي يعاني أطفالها من التقزم، كيف تتعامل مع هذه الظاهرة، خاصة إذا كان الوضع الاقتصادي لهذه الأسر لا يتيح لها اختبار طرقٍ عديدة للعلاج، إلى جانب تدني الوعي الصحي الذي يسهم في حالات كثيرة في تفاقم الظاهرة، فيكبر الأطفال عمرًا، لكن أجسامهم تقف عند حدٍّ معين قصير وهزيل، مع وجود استثناءات قليلة لأسر لجأت إلى زيارة الأطباء المختصين، الذين كان لهم دور في تحسين عملية النمو الطبيعي لهؤلاء الأطفال.

في هذا الصدد، تنصح منى جابر- طبيبة أطفال، الوالدين بضرورة مراقبة نمو أطفالهم، فإذا ما لاحظوا تأخرهم عن بقية أقرانهم في النمو، فعليهم مراجعة واستشارة طبيب مختص، مضيفة في حديث لـ"خيوط": "إنّ التقاط الأطفال للعدوى الفيروسية كالزكام أو الإسهالات، مؤشرٌ على نقص المناعة، ومن ثمّ تأخر محتمل بدرجة كبيرة، في عملية النمو الطبيعي للطفل، مقارنة بأقرانه في ذات العمر".

وعن أهمية استشارة أطباء التغذية، لتلافي وقوع الطفل في التقزم، تروي نرمين جميل- مواطنة من أمانة العاصمة، كيف غيّرت زيارة الطبيب حياةَ شقيقها الذي كان يعاني من التقزّم.

تقول نرمين، في حديث لـ"خيوط": "كان أخي قصيرًا للغاية، لدرجة أنّ تقزمه هذا انعكس على نفسيته، وعلى طريقة تفاعله مع أقرانه ومع المحيط من حوله، بل بات هذا القصر يشكّل له عقدة حقيقية، خاصة في حال تلقَّى تنمّرًا من نوعٍ ما، وعليه قررت الأسرة زيارة طبيب مختص لدعمه ومعالجة وضعه، وهناك قام الطبيب بإجراء خطوات عدة، بينها: تخصيص مجموعة تمارين رياضية، وتناول نخاع العظام، بالإضافة إلى الانتظام في تناول أغذية معينة، والالتزام بالوصفة العلاجية، والحمد لله، بعد فترة من الانضباط والمداومة، عاد أخي إلى نموه الطبيعي".

علاج شامل

من النصائح المهمة التي يقدّمها الأطباء للأُسَر، عدم الاكتفاء بزيارة أطباء التغذية فقط؛ لأن هؤلاء يعالجون الجانب المتعلق بهذا الجزء، في حين يحتاج الطفل المصاب بالتقزّم إلى علاج جميع الأسباب؛ لذلك من الضروري أن تتضافر جهود أطباء التغذية مع جهود أطباء آخرين مثل أطباء الباطنية والغدد مثلًا، وغيرهم، إذ ربما كان هناك سببٌ عضويّ لا علاقة له بالتغذية.

طبيب التغذية يحيى سعيد، طبيب يتحدث لـ"خيوط"، عن طبيعة اختصاصه، قائلًا: "أنا كوني طبيب تغذية، أعالج سوء التغذية للطفل الذي يتراوح عمره بين 6 و59 شهرًا، وعادة ما تتركز خططي العلاجية، على صرف مكملات خاصة تسهم في فتح شهية الطفل، وتكمل بعض العناصر الغذائية التي يحتاجها جسمه في تلك الفترة لزيادة معدل نموه، لكن في حالات كثيرة تقتضي الضرورة مراجعة أطباء آخرين، لمعرفة ما إذا كان الطفل لا يعاني من مشاكل عضوية تؤثر على عملية النمو، وهذه إجراءات طبيعية ينبغي أن يلتفت لها كل الآباء والأمهات الذين يعاني أطفالهم من التقزّم، أو أولئك الذين يشعرون أن بأن طفلهم لا ينمو بشكل طبيعي بالنظر إلى نمو أقرانه". 

من جانبه، يقول أنس الشومي، استشاري الغدد الصماء وسكري الأطفال، في حديث لـ"خيوط": "نقص هرمون النمو سببٌ شائع للتقزم المتناسب، ويحدث عندما تفشل الغدة النخامية في إنتاج إمدادات كافية من الهرمون، نتيجة اضطرابات وراثية أو سوء في التغذية، أو أسباب أخرى، غالبًا ما تكون غير معروفة. ولمواجهة هذه المشكلة، قد يعتقد الآباء والأمهات أنّ لدى الطبيب عصا سحرية للحل، أو إبرة قادرة على إحداث المعجزة، غير أنّ الواقع يقول إنّ الأمر يتطلب نَفَسًا طويلًا، وقد لا يحدث التحسن بالشكل المرجو، لكن تدخلات الأطباء قد تعمل على الحدّ من مفاقمة المشكلة أو قد تساهم إلى حدٍّ ما في علاجها". 

ولخّص أسباب توقف النمو المفاجئ، بالقول: "هذا يعتمد على التشخيص، فإذا كان بسبب نقص الغذاء، فيحتاج أولًا تغذية جيدة. أما إذا كان بسبب سوء امتصاص، فيحتاج إلى علاج هذه المشكلة".

•••
سهير عبدالجبار

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English