الدراما اليمنية: تطورٌ بطيء وإمكانيات محدودة

نمط التقليد وعوائق الإنتاج والتأهيل
عمران مصباح
April 26, 2022

الدراما اليمنية: تطورٌ بطيء وإمكانيات محدودة

نمط التقليد وعوائق الإنتاج والتأهيل
عمران مصباح
April 26, 2022

بعدَ ما يقارب نصف قرن من الإنتاج الدرامي الرمضاني في اليمن، كان هذا الموسم _إضافة إلى الموسم السابق_ هما _تقريبًا_ الأضخم من حيث الإنتاج الكمّي، وفي الوقت نفسه، ثار حولها كثير من الجدل، تراوح بين النقد الحاد والوصف بالتكرار والبعد عن مناقشة قضايا واقعية وجديدة، وبين الإشادة والانطباع الإيجابي، إلا أنّ كلا الموقفين كانا في نظر البعض إيجابيين، من منطلق أن النقد يخدم الدراما اليمنية، ويساهم في تصويبها عمومًا.

في حديث لـ"خيوط"، يشير الممثل اليمني، عبدالله يحيى إبراهيم، إلى أنّ "هناك أعمالًا جديدة ومختلفة، منها مثلًا "خلف الشمس" في العام الماضي، فقد كان إنتاجًا جديدًا، ولم يسبق أن تم العمل في الدراما اليمنية على المغامرة والأكشن". ويرى أنه من المؤسف مطالبة الدراما اليمنية، التي تواجه الكثير من العراقيل، بإنتاج يوازي الأعمال العالمية المكلفة جدًّا، حدّ قوله. 

أما المخرج دارس قائد، فيؤكد لـ"خيوط" أنّ آلية التنفيذ، والشكل الفني، والأخطاء المتكررة، لم تتغير في الدراما اليمنية، وما زال هناك قصور، "لكن المضمون اختلف، وخاصة هذا العام؛ كان هناك الكثير من الأعمال المتنوعة، التي ناقشت قضايا عديدة".

في حين لا تنفي الممثلة اليمنية، سماح العمراني، وجود تكرار وعدم تجديد في الدراما اليمنية، سوى ما وُجد في استثناءات بسيطة، ترى أنها حاولت على الأقل "عمل إسقاط معين على وقتنا الحاضر، بينما أغلب المسلسلات تتحدث عن مواضيع بعيدة، وقديمة، إضافةً إلى التكرار في المواضيع، مثلًا كل المسلسلات تتحدث عن الميراث (التركة)، وكأنه لا توجد أفكار جديدة"، قالت العمراني لـ"خيوط". 

رغم الإجماع على أن الدراما اليمنية ما تزال دون المستوى، لم يمنع البعض من الإشارة إلى وجود تطور ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مثل التحسُّن في الإنتاج، والتصوير المتحرك، في حين ما يزال أداء الممثلين بسيطًا وتقليديًّا.

تطور طفيف وبطيء 

رغم الإجماع على أن الدراما اليمنية ما تزال دون المستوى، لم يمنع البعض من الإشارة إلى وجود تطور ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مثل التحسُّن في الإنتاج، والتصوير المتحرك، في حين ما يزال أداء الممثلين بسيطًا وتقليديًّا، وإن كان هذا الأمر يعود لدور المخرج ولا يقتصر على الممثل وحده، وفقًا لدارس قائد. 

ذلك التطور الطفيف _بحسب قائد_ يُعزى إلى توجه كثير من الشباب نحو المجال الفني، ومحاولة إضافة شيء جديد بعد فترة طويلة من التقليد، وعدم مواكبة التجديد. في المقابل لا ترى العمراني أي تطور في الأعمال الدرامية الجديدة، سوى في الديكور، بما في ذلك الأعمال التي تم إنتاجها خارج اليمن، وذلك -من وجهة نظرها- يعود إلى عدم تطور لدى الممثلين، والمخرجين، وكتاب السيناريو. 

على عكس ذلك، يرى عبدالله يحيى إبراهيم، وجود تحسن مطرد من سنة إلى أخرى، بدافع التنافس المُلاحظ في السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أن مسلسل "سد الغريب"، كان _بشهادة كثيرين_ نقلة في الدراما اليمنية، "لذا من الأفضل دعم الأعمال الجيدة، ومراعاة المجهود المقدم، أو الانتقاد بطريقة متخصصة، بدلًا من الأحكام التي تصدر حتى قبل العرض"، يردف. 

البُعد عن الواقع

عن تناول الأعمال الدرامية الجديدة مواضيع بعيدة عن واقع الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو 8 سنوات، يشير قائد إلى صعوبة الخوض في موضوع حساس مثل الحرب، بالنسبة لشركة إنتاج مستقلة، في ظل السقف المحدود للحريات في البلاد، والمخاطر التي قد تعود من تبعات إرضاء طرف على حساب طرف آخر، الأمر الذي اقتضى الاقتراب من القضايا الاجتماعية، وما يتصل بها من قضايا الصراع بشكل جزئي، مثل غلاء الأسعار، وانعدام الغاز المنزلي، وانقطاع الرواتب. 

ذلك "الهروب" من الواقع، يعد أمرًا غير مُجدٍ كما تقول العمراني لـ"خيوط"، ذلك أنه ينساق إلى قضايا هامشية، ويغفل عن قضايا اجتماعية كان الأجدر بتناولها، مثل القضايا الخاصة بالنساء، التي يجري تجاهلها لاعتبارات تتعلق بالخوف من ردة فعل المجتمع، أو أحيانًا بسبب أنّ "الكاتب المقرب منهم لديه قصة خيالية، ويريد تنفيذها بعيدًا عن أي شيء"، حد قولها. 

الشخصية الدرامية 

جزء كبير من الانتقادات كان موجهًا إلى تعمد المنتجين صناعة شخصيات هزلية بسذاجة كبيرة بهدف الكوميديا، الأمر الذي يعتبره قائد غير مناسب لذائقة الجمهور اليمني، التي يرى أنها تطورت هي الأخرى بفعل التغذية البصرية التي يحصل عليها المشاهد من أعمال عالمية، تجعل ملاحظاته أكثر ذكاء وقدرة على النقد والتحليل، مشيرًا إلى أن "الأعمال الخاصة بشهر رمضان تصنع سباقًا لجذب المشاهد، لاعتقاد المنتجين أنّ السبيل إلى ذلك هو الترفيه والكوميديا، كمحاولة للتخفيف من الواقع الصعب". 

لعل جانبًا كبيرًا من مسببات الركود الفني في اليمن، يعود إلى ضعف الإمكانيات كما يؤكد كثير من النخبة الفنية، إلى جانب، ضيق الوقت الذي يُمنح لكتاب السيناريو، بهدف تقليل النفقات.

من جهته، ينوّه الممثل عبدالله يحيى إبراهيم، إلى أنّ ذلك النوع من الشخصيات، كانت تحقق نجاحًا في السابق، "لكن عندما أصبحت أغلب الشخصيات تريد الظهور بالكاركتر نفسه، أزعج المشاهد، وتم أخذه من قبل بعض المنتجين بعين الاعتبار، وصاروا يتجنبون ذلك"، يستدرك. 

إلى جانب تلك المتغيرات، تكشف العمراني، عن أسباب جوهرية أخرى، تتعلق بإخفاق الشخصيات في أداء الأدوار، نظرًا لعدم وجود بروفات سوى قبل عشر دقائق من بدء التصوير، إضافة إلى أن المنتجين أصبحوا يميلون إلى جلب وجوه جديدة، عوضًا عن المحترفين، لاعتبارات تتعلق بأجور الممثلين، فضلًا عن محاولة التغطية على ضعف النص باللجوء إلى "الكوميديا الرديئة"، دون الاعتبار لذائقة المشاهد. 

عائق الإمكانيات والتأهيل

لعل جانبًا كبيرًا من مسببات الركود الفني في اليمن، يعود إلى ضعف الإمكانيات كما يؤكد كثير من النخبة الفنية، إلى جانب، ضيق الوقت الذي يُمنح لكتاب السيناريو، بهدف تقليل النفقات، "نعاني أكثر من الآخرين، حتى في الأمور البسيطة، كالتنقلات، والتصاريح، أما أجواء العمل، فيبذل الممثلون اليمنيون جهدًا ذاتيًّا كبيرًا، عكس النجوم العرب، الذين يعملون في أجواء مريحة جدًّا، ووقتٍ أطول، ويكسبون عوائد كبيرة"، بحسب إبراهيم. 

يضيف: "التصوير يبدأ متأخرًا؛ لأن الميزانية ضعيفة، والرعاة أيضًا لا يمكنهم دعم عمل يستمر لسنة، لكننا نتطلع لعمل أفضل؛ أن نتعلم من الانتقادات المنطقية، ونبذل جهدًا أكبر".  

في ذات الشأن، يذكر المخرج دارس قائد، إلى أنّ الخطأ الذي وقعت فيه الدراما اليمنية، أن الإنتاج يتم من جانب القنوات التلفزيونية، بينما كان من الأفضل أن يوكل العمل إلى شركات إنتاج، من أجل إحداث "تغيير جذري"، الأمر الذي يفسح المجال للاستثمار والمنافسة لتقديم الأفضل، فضلًا عن حصول الممثلين على عائد أكبر، أسوة بما هو حاصل في كثير من بلدان العام. 

لكن الإشكال الأهم _بحسب قائد_ يتمثل في عدم وجود كوادر مؤهلة ومتخصصة في بعض مهام الإنتاج، مثل الإضاءة، وهندسة الصوت، "حتى التصوير، يوجد تقريبًا شخص واحد فقط درس تصوير في الخارج؛ الآخرون يعملون عن خبرة، وخبرتهم محدودة للأسف"، يردف. 

أما عن النص الدرامي، فيرى قائد، أنّ تطوره مرهون بنوعية الكُتَّاب الذين يُوكِل إليهم المنتجون مهمة كتابة النص، وأغلبهم _بحسب قائد_ قليلو الخبرة، وغير مختصين، كالاستعانة بممثلين وكُتَّاب تقليديين ليسوا ذوي حرفية عالية، شأن الكُتَّاب المتخصصين، "أعتقد أن الأكثر كفاءة في هذا الجانب، هم الروائيون؛ لدينا روائيون كُثر، لكنهم لا يتجهون إلى هذا النوع من الكتابة، نظرًا لأن العائد الذي يحصل عليه الكاتب بسيط جدًّا، بالتالي فإن المشكلة ليست في عدم وجود كُتَّاب، بل في التساهل من جانب المنتجين وعدم تقديرهم"، حد قوله.  

الرسالة والجمهور المستهدف

يُتَّهم الإنتاج الدرامي اليمني بأنه موجّهٌ إلى "الفئة البسيطة"، بل إن البعض يقول إن المادة الدرامية تستهدف "السطحيين" فقط، ولا يُعجَب بها سواهم، وذلك ما تعتبره سماح العمراني "استغباء للمشاهد"، لا تعدو كونها مجرد أعمال مستعجلة، تتم قبل رمضان بقليل. تضيف: "هذا الضغط بالتأكيد لن ينتج عملًا بمستوى عالٍ، مهما كان مستوى النص، والممثل، والمخرج؛ بينما كان من الممكن أن يكون الأمر مختلفًا لو أنه تم أخذ ذائقة الجمهور بعين الاعتبار". 

في حين يرى إبراهيم، أن الأمر نسبيّ؛ إذْ ليست جميع الأعمال التي تم إنتاجها سطحية، بل إن بعضًا منها اتسم بـ"نمط عالمي"، كمسلسل "سد الغريب" مثلًا، الذي نجح في الوصول إلى كل الطبقات الثقافية، رغم الانتقادات التي وُجهت إليه فيما يتعلق بالفلاش باك ونحو ذلك. 

مؤكدًا أنه لا يوجد عمل يخلو من الانتقادات، "أحيانًا تضطر أن تجعل الرسالة واضحة كي يفهمها المشاهد، لأن بعض الرسائل العميقة قد لا تصل، وستجد ردود الأفعال بعيدة تمامًا، وكما هو مهم إنتاج أعمال جيدة، مهمٌ أيضًا أن تكون الانتقادات بنَّاءة"، يستطرد. 

بينما ترى العمراني "أن الرسائل المباشرة تكون في العادة بسبب عدم احترام فهم المشاهد، على افتراض أن الرسائل المبطنة والذكية، والغامضة لن تُفهم؛ لذا تكون الرسائل بتلك المباشرة والوضوح، إلى حد قتل القصة نفسها"، حد تعبيرها. 

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English