وادي دوعن... ظرف العسل

مدن وقرى وتاريخ على ضفتي الوادي
خيوط
August 24, 2021

وادي دوعن... ظرف العسل

مدن وقرى وتاريخ على ضفتي الوادي
خيوط
August 24, 2021

 يعتبر وادي دوعن واحدًا من أكبر الأودية الجنوبية التي تصب شمالًا إلى وادي حضرموت الرئيسي، وينقسم إلى قسمين؛ وادي دوعن الأيسر، والذي ينطق باللهجة الحضرمية "ليسر"، ووادي دوعن الأيمن الذي ينطق "ليمن"، وكلاهما يلتقيان ليصبا في وادي دوعن. وفي هذا الوادي تنتشر الكثير من المواقع الأثرية المهمة، أهمها: مدينة ريبون الأثرية، والقزة، بالإضافة إلى القرى السياحية الجميلة المتناثرة على ضفتي الوادي. 

أولًا- معبد الإله سين في حريضة، يقع على بعد 5 كيلومترات غربي مدينة حريضة المركز الرئيسي لمديرية دوعن في مدخل وادي عمد إلى الجنوب الشرقي من مدينة سيئون، ويبعد عنها نحو 95 كيلومترًا. اكتشف معبد الإله سين سنة 1937 بواسطة البعثة الأثرية الأمريكية برئاسة DR GERTRUDE CATON- THOMPSON، ومن خلال النقوش التي عثر عليها أثناء الحفريات في بقايا المعبد عرف اسمه القديم؛ وهو معبد "مثيم" الخاص بالإله سين، وعثر على أجزاء من مذابح حجرية كانت تستخدم للطقوس الدينية، وعلى أجزاء من مباخر، ومباخر متكاملة، بالإضافة إلى كميات كبيرة من النقوش المكتملة والمجزأة. وإلى جانب احتواء المدينة على أطلال معبد سين، توجد بقايا آثار لثلاثة معابد أخرى، الأول: للإلهة "ذات حميم"، والثاني: للإله الحضرمي القديم "حول"، والثالث للإله السبئي "إلمقة"، ويبدو أن سبب وجود معبد للإله إلمقة في هذا الموقع هو استيطان بعض أسر أو عائلات سبئية فيه على أثر الحروب التي قام بها المكرب السبئي كرب إيل وتر بن ذمار علي في القرن السابع قبل الميلاد، كما جاء في نقشه المشهور بنقش النصر الموسوم بـRES. 3945 ، وإلى جانب المعابد اكتشفت البعثة الأمريكيةDR.G.CATON Thompson مقابر فريدة من نوعها تحتوي بداخلها على الكثير من الأثاث الجنائزي التي كانت تدفن مع المتوفَّى؛ اعتقادًا بأنه سوف يُبعث يومًا ما.

ثانيًا- مدينة ريبون الأثرية:

تقع أطلال وخرائب مدينة ريبون إلى الجنوب الغربي من مدينة سيئون على بعد نحو 94 كيلومترًا أسفل وادي دوعن، وتعتبر من أقدم المدن التاريخية في وادي حضرموت، وتشكل أطلالها وخرائبها عدة تلال أثرية، وأعدادًا كثيرة من شبكات الري المتفرقة في عدة أماكن تزيد مساحتها على 10 هكتارات. يعود تاريخ هذه المدينة إلى ما قبل القرن السابع قبل الميلاد، واستمر فيها الاستيطان حتى القرون الميلادية الأولى. جرت في خرائب هذه المدينة حفريات وأبحاث ودراسات أثرية من قبل البعثة الأثرية اليمنية-السوفيتية في الفترة من 83–1988م، وتوصلت إلى أن سكان المدينة قد زاولوا الزراعة، وتربية الحيوانات، وبنوا مجمعات سكنية جميلة خاصة للسكن، وأبنية أخرى خاصة لأنشطتهم الدينية كالمعابد، وقد كانت كل الأراضي المحيطة بالمدينة مغطاة بشبكات الري والقنوات والسدود وأحواض المياه، وتدل كلها على ازدهار بلغ أوجه، ومن أهم المعالم الخاصة بالمدينة والتي تمت فيها الحفريات الأثرية، هي كالآتي:

  • معبد الإلهة ذات حميم.
  • معبد الإله سين.
  • شبكات وقنوات الري.
  1.  معبد الإلهة ذات حميم: يتكون هذا المعبد من مجمع تعبدي يضم أربعة مبانٍ بنيت أساساتها من الأحجار، وجدرانها من الهياكل الخشبية التي ملئت فراغاتها باللبن؛ لتصبح الجدران قوية، ويعتبر اللِّبْن (الطين) المادة الرئيسية للبناء في حضرموت منذ ما قبل القرن السابع قبل الميلاد، وجدران هذا المعبد أقيمت بهذه المادة، ويتميز بخفته وقوة تماسكه، ولم يكن اللِّبن فقط المادة الوحيدة، بل كان للأخشاب مكانة مهمّة في بناء الجدران والسقوف، وفي هذا المجمع التعبدي عثر أثناء التنقيب على بقايا هياكل خشبية، وساعدت النيران التي التهمت المعبد على حفظ تصاميم هياكل الأخشاب، واستعملت أعمدة خشبية ذات مقاطع دائرية ومستطيلة ومربعة، وكان المعماريون يضعون على أسس البناء الحجرية أعمدة قصيرة متوازية تفصل بينها فواصل غير كبيرة، وعليها توضع عوارض خشبية طويلة، ومع هذه العوارض توضع أعمدة خشبية مقاطعها دائرية، وأقطارها حوالي 12 سم، وتربطها في أسفل وفي أعلى عوارض خشبية، والتي بدورها مثبتة بأعمدة طويلة، وبهذا يشكل الهيكل الخشبي التي تستند عليه جدران اللِّبن النيء. وقد عثرت البعثة الأثرية أثناء التنقيب في هذا المعبد على الكثير من النقوش وجدت متناثرة داخل مباني المعبد في واجهة الجدران التي غطيت بقطع حجرية مصقولة منحوتة بشكل جيد ومتقن وملصقة واحدة جنب الأخرى بطريقة متناسقة، وعليها حفرت النقوش المكرسة للإلهة التي يتحدث فيها أصحابها عن تقديم القرابين للمعبد، ويضعون أنفسهم وأولادهم وما يملكون تحت حمايتها. ومن خلال معطيات النقوش، فقد وقف معبد الإلهة ذات حميم متحديًا للزمن لفترة تزيد عن ستة قرون قبل أن يتعرض للهدم والتخريب، وعلى امتداد هذه الحقبة الزمنية أعيد بناؤه وترميمه، وتغيير قطاع الحجارة التي تزين جدرانه مرارًا وتكرارًا، والنقوش التي تعود إلى الفترة المتأخرة قدمت معطيات أكثر تفصيلًا في محتواها كالنقش الذي قدمه شخص يدعى (ث م أ ك ه م و)، وهو نقش وجد في جدران المعبد الداخلية، وفي مثل هذه النقوش المتأخرة تتحدث عن تقديم قرابين لتحقيق ما وعد به الشخص للإلهة، أو لأجل تقديم اعتذار عما ارتكبه الشخص من أخطاء أو ذنوب. وقد تعرّض هذا المعبد للخراب بنيران الحروب، وكثيرٌ من النقوش حملت معها آثار الحريق.
  2. معبد الإله سين (ذو ميفعن) يقع المعبد غربي المدينة على بعد 2 كم عن مركزها، وهو معبد رئيسي، ويتكون مجمع المعبد من معبدين على سفح أحد جوانب الوادي، أكبرهم بُني على مصطبة حجرية تبلغ مساحتها (28×48) مترًا مربعًا، وارتفاعها 9 أمتار؛ أما الآخر، فقد بني إلى الشمال من الأول، وفي أسفل الجبل توجد أطلال بنايات حجرية وطينية من المحتمل أنها كانت ملحقة بالمعبد.
  3. قرية القزة: تقع في الجزء الأسفل من وادي الغبرة، أحد روافد وادي دوعن إلى الجنوب الغربي من مدينة سيئون على بعد 102 كيلو متر. تكاد أن تكون هذه القرية غير معروفة حتى عام 1984، عندما عثرت البعثة الأثرية السوفيتية بالقرب منها، قريبًا من نبع ماء يسمى شرحبيل، على مغارة وُجدت فيها آثار من العصر الحجري التي تعطينا صورة عن الماضي السحيق لحضرموت؛ إذ تعطينا هذه المغارة برهانًا ماديًّا على استيطان الإنسان لحضرموت في المرحلة المبكرة من العصر الحجري القديم (الباليوليت)؛ فقد احتفظت هذه المغارة بطبقاتها الحضارية المتعددة، والأدوات الحجرية بالشكل نفسه والحالة ذاتها بمثل ما خلفها الإنسان الأول، وكذلك اكشتفت بقايا مواقده؛ وهذا يدل على أن المغارة استعلمت لفترة زمنية طويل كمسكن. والمهم جدًّا أنه بالقرب من هذه المغارة تم اكتشاف طبقات مترسبة محتوية على بقايا نباتات قديمة، وكذلك عظام مختلفة، من بينها عظام حيوانات ضخمة جميعها تظهر للعيان مطبوعة ومتحجرة على الصخرة المترسبة، ودراسة هذه المغارة يعد -بصورة خاصة- اكتشافًا ثمينًا؛ فهي بحسب المعلومات المتوفرة تعتبر الأولى والوحيدة من المعالم الأثرية من نوعها في شبه الجزيرة العربية.
  4. مدينة الهجرين: تقع مدينة الهجرين إلى الجنوب الغربي من مدينة سيئون على بعد نحو 100 كيلو متر في وادي دوعن. يرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام، وتعتبر من أجمل مدن وادي دوعن. أقيمت على مرتفع صخري يشرف على مدخلي الوادي الأيمن والأيسر، مبانيها قوامها الطين، وتشتهر هذه المدينة بكثرة مساجدها؛ إذ تحتوي على عشرة مساجد، هي: الجامع، مسجد الخربة، مسجد مكارم، مسجد الشيخ طه بن عفيف، مسجد بانواظير، مسجد بايحيى، مسجد باحسين، مسجد المسمر، مسجد القرن، مسجد فاطمة الزهراء، مسجد عمر، تحيطها المناظر الخلابة لغابات النخيل.
  5. المشهد: تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة سيئون على بعد 90 كيلو مترًا، وهي قرية صغيرة على الطريق المؤدي إلى دوعن، وتبعد حوالي 5 كيلومترات عن خط الأسفلت. أول من حل واستقر بها العلّامة الأديب علي بن حسن العطاس، وارتبطت باسمه (1160ه) بعد ما كانت تستخدم كمأوى لقطاع الطرق.
  6.  صِيف: قرية صغيرة تقع إلى جنوب غرب سيئون على بعد 123 كيلو مترًا. تقع في خاصرة وادي دوعن، وبعد تجاوزها بثلاثة كيلو مترات، يتفرع الوادي إلى شقين، الأيمن والأيسر؛ ولذا تسمى مفتاح دوعن، وقد كانت المركز الإداري لمديرية دوعن، وأهم معالمها مسجدها الجامع، وقلعة آل العمودي.
  7. قيدون: قرية قديمة في وادي دوعن إلى الجنوب الغربي عن سيئون على بعد نحو 123 كيلو متر، وكانت مركز دولة آل العمودي، ويوجد بها صهريج ماء كبير يعود إلى القرن العاشر الهجري بناه السلطان عامر بن عبد الوهاب.
  8. قرية قرن ماجد: قرية صغيرة في الوادي بجانب المرتفعات الشرقية لمدخل وادي دوعن الأيمن، وترجع تسميتها إلى وجود القلعة الأثرية الجميلة على حافة الجبل المطل عليها. 
  9. بضة(1): هي قرية صغيرة في الوادي وتبعد عن سيئون في الجهة الجنوبية الغربية على بعد نحو 140 كيلو مترا كانت المركز السياسي لآل العمودي في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي وتقام فيها زيارة حولية مرتبطة بذكرى الشيخ الجليل معروف باجمال خلال الفترة 18-22 من شهر ذي الحجة من كل عام هجري.
  10. هدون: قرية صغيرة في الوادي، وتبعد عن سيئون في الجهة الجنوبية الغربية نحو 147 كيلو مترًا، وأهم معالمها ضريح هادون عليه السلام ابن النبي هود عليه السلام. تقام له زيارة حولية يومي 15-16 من شهر شعبان من كل عام.

وقال مفتي حضرموت في كتابه (إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت): "وأما دوعن، فإنه اسم أعجمي، كما يأتي في حوفه، ومنه تعرف انتجاع الأعجام بكثرة لبلاد حضرموت من عهد استيلاء الفرس على اليمن حسبما سبق إلى حصن الغرب، ولم يزل بها وباليمن من أعقابهم الكثير، إلا أنهم اندمجوا فيهم مع مرور الأيام، ودوعن يطلق على واديين بأعلى حضرموت، يقال لأحدهما الأيمن: وهو مسيل مغروس بالنخيل المثمنة، وعلى حفافيه مُدنه وقراه، فأما شقه الغربي، فأول بلاده من أعلاه قرحة باحميش، وهي على رأس الوادي الأيمن بين واديين يقال لأحدهما وادي النبي، وهو الغربي، ويقال للآخر وادي حموضة، في شرقه وادي يقال له منوة".

(1) وردت خطأً في كتاب نتائج المسح السياحي في الفترة (1996-1999م)، الجزء الرابع: محافظة حضرموت، محافظة المهرة، جزيرة سقطرة، ص100: بضعة، والصواب بضة.

المصادر:

  • نتائج المسح السياحي في الفترة (1996-1999م) الجزء الرابع: محافظة حضرموت، جزيرة سقطرة، محافظة المهرة.
  • إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، ط1، دار المنهاج، بيروت لبنان، 1425ه/ 2005م.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English