التمييز يصل إلى المستشفيات

الأوبئة وإهمال المرافق الطبية يفتكان بالمهمشين
وفاء أحمد
December 6, 2023

التمييز يصل إلى المستشفيات

الأوبئة وإهمال المرافق الطبية يفتكان بالمهمشين
وفاء أحمد
December 6, 2023
.

"احنا إلّا (أخدام)، ما نروح نعمل بين القبائل، والحمد لله ما نمرضش إلا نادرًا"، بنبرة حزينة وساخرة، ردّت بهية مثنى حول تعاملهم مع المرافق الطبية والمستشفيات، ومستوى حصولهم على الرعاية الصحية دون تمييز. 

تقول بهية لـ"خيوط"، إنّ البعض يرفضون التعاون معهم أو التعامل معهم بإنصاف، لأنّهم فقراء، وكذلك مهمشون، سواء في المستشفيات أو المرافق الأخرى، وهذا أمر يزعجهم، لأنّ المهمشين منهم المتعلم، والمتدين، والذي يحاول أن يكون قريبًا من المجتمع المحيط به.

يعاني المهمّشون في اليمن من التمييز والعنصرية، بسبب لون بشرتهم، ويعيشون في تجمعات بأطراف المدن والأحياء، وفي منازل صغيرة من صفيح وأكواخ، أو ببناء شخصي بسيط تكتظ بداخله أكثر من ثلاث أو أربع أسر.

محاولات دمج المهمشين في أوقات سابقة، نجحت في بعض المناطق باليمن، وهناك علاقات اجتماعية كالزواج نشأت بينهم وباقي أفراد المجتمع، بالرغم من محدودية ذلك، في حين يظل التمييز هو السائد في التعامل معهم.

وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع القوى العاملة في الحكومة المعترف بها دوليًّا، أحمد المخلافي، يرجع في تصريح لـ"خيوط"، سبب ذلك إلى عدم تردّد بعض أفراد هذه الفئة، بالمجاهرة بأعمال يعتبرها المجتمع ضدّ قِيَمه وثقافته وحتى دينه، فضلًا عن عدم حرص هذه الفئة على النظافة، كون ذلك سيكولوجية متأصلة فيهم، لكن بالرغم من ذلك، يشير المخلافي إلى أنّ مناعتهم قوية؛ لأنّهم تجاوزوا الحرص الشديد، والخوف من الأمراض.

بحسب آخر تعداد سكاني في اليمن عام 2004، فإنّ عدد المهمشين في البلاد يبلغ 12% من نسبة السكان، في حين تقدر مراكز دراسات وأبحاث نسبتَهم بين 1.6% إلى 2.6% من إجمالي سكان اليمن، ومن المرجح أن تكون الأعداد أكبر من الأرقام والبيانات المتداولة، بسبب قدم بيانات التعداد وصعوبة حصرهم في ظل الظروف القائمة.

تخصيص مرفق طبي، أو قيام منظمة بتقديم الرعاية الصحية لهم وفتح حسابات مجانية في بعض المستشفيات، قد يساعد في تخفيف معاناتهم من الإصابة ببعض الأمراض خاصة المزمنة منها.

وبالرغم من عددهم المتزايد باستمرار، فإنّ التهميش يطالهم في شتى مجالات الحياة مع وصول الأمر إلى الرعاية الصحية والمستشفيات والمرافق الطبية، إذ غالبًا لا يرتادون هذه المرافق سوى للقيام بأعمال التنظيف، وبأجور زهيدة للغاية، في حين لا يجدون العلاج والرعاية الطبية عندما يلجؤون إليها للعلاج من الأمراض والأوبئة التي تفتك بهم.

يؤكّد رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين في اليمن، نعمان الحذيفي لـ"خيوط"، أنه يتم التعامل مع كثير من المرضى المهمشين المرتادين للمستشفيات، بنوع من الدونية، معتبرًا أنّ حرمان هذه الفئة من خدمات الرعاية الصحية، يأتي ضمن سياق الفعل العنصري الذي يُمارس عليهم في اليمن.

بين التمييز والإهمال 

استطلاع "خيوط" آراءَ عددٍ من العاملين في المجال الصحي، وجد أنّ عديدًا منهم لم يصادف أن زارهم في مكان عملهم أحد المهمشين لإجراء الفحوصات أو المتابعة الصحية وغيره، وإن حدث فهي حالات قليلة جدًّا، خصوصًا في القطاع الخاص.

الطبيب محمد عبدالإله، يقول لـ"خيوط"، إنّ "المهمشين" مواطنون يمنيون يتميزون بالبساطة الشديدة، ويجب التعامل معهم بطريقة متساوية دون تمييز، بما في ذلك المرافق الطبية والصحية.

ويوضح أنّ هناك من يتعامل مع الفقير، سواء كان من المهمشين أو غيرهم، بعدم اهتمام، ولكن تصرفه ذاك يمثله هو فقط، مشيرًا إلى أنه شاهد بعض العاملين في المجال الصحي يتعاملون بازدراء وبتثاقل مع المهمشين، وهو ما يؤكّده بعض المهمشين ممن تحدثوا لـ"خيوط"؛ أن هناك إهمالًا وتقصيرًا في التعامل معهم يصل إلى حد التمييز.

يعدّ المهمشون من الفئات الأشدّ فقرًا في اليمن، ويتوجهون غالبًا إلى المستشفيات الحكومية في حال مرضهم الشديد، بسبب رخص الخدمات فيها قياسًا بالمستشفيات الخاصة، وغالبًا ما يتعالجون لدى العاملين في الصيدليات؛ كون ذلك لا يكلفهم كثيرًا، فضلًا عن تعاون بعض هؤلاء العاملين في الصيدليات معهم، وإعطائهم العلاج بسعر رمزي أو مجانًا، كما يقول عبدالله مثنى لـ"خيوط"، والذي تابع بالقول: "العديد منّا أيضًا يحصلون على قيمة الأدوية من بعض السكان القريبين منا بالسكن، الذين نذهب إليهم ويعطوننا بعض المال، لشراء العلاج من الصيدليات، كما أنّهم يتعاونون معنا بمنحنا الطعام، بشكل يومي".

في السياق، يلاحظ محمد الحكيمي، أحد العاملين في فرق التلقيح، أنّ المهمشين فئة مستهدفة في أماكن تجمعاتها، يحرصون بشدة على أخذ اللقاحات اللازمة، ويحضرون بمجرد سماعهم عن وصول فرق التلقيح، ويعتقد في حديثه لـ"خيوط"، أنّ ذلك يرجع إلى خوفهم من استثنائهم، وعدم قيام الفرق الطبية بإعطائهم اللقاحات اللازمة.

الأوبئة أكثر ما يخيفهم

عديدٌ من الدراسات تقول إنّ المهمشين يتمتعون بجهاز مناعي قوي، فهم يعملون في مهن صعبة، كالصرف الصحي، والنظافة، سواء بالشوارع أو بعض المكاتب والجهات المختلفة، وبرغم ذلك فهم قليلًا ما يصابون بالأمراض الخطيرة التي يمكن أن تسبّبها لهم مثل تلك المهن.

ويبدو أنّ افتقار الكثير منهم للنظافة، ساعدهم على تقوية مناعتهم. فقد أكّدت دراسة كندية، أنّ المبالغة في الاهتمام بنظافة الطفل، تؤدّي إلى إضعاف جهازه المناعي، وقد لاحظوا أن الأطفال الذين يعيشون في مناطق فقيرة، هم أقل عرضة للأمراض؛ كون أجسادهم قد تكيّفت على البيئة حولهم المحاطة بالتلوث.

لكن ذلك لا يمنع إصابتهم بأمراض خطيرة وعديدة، إذ تؤكد الطبيبة أحلام إسماعيل -تعمل في مجال المختبرات- أن المهمشين لا يأتون غالبًا لإجراء الفحوصات الطبية، إلا حين يكون هناك انتشار كبير للمرض في أحدهم، كالكوليرا، أو بعض الأمراض الجلدية التي تكون معدية، ثم يتوجهون للمختصين لأخذ العلاجات المناسبة.

وتقترح تخصيص مرفق طبي، أو قيام جهات خيرية بتقديم الرعاية الصحية لهم وفتح حسابات مجانية في بعض المستشفيات، قد يساعد في تخفيف معاناتهم من الإصابة ببعض الأمراض، خاصة المزمنة منها، مشيرة إلى أنّ الأمية بينهم، تجعل الأوبئة سهلة الانتشار بينهم؛ بسبب عدم قيامهم بالإجراءات الصحية اللازمة.

كما تذكر إسماعيل أنّ أطفال المهمشين، وبسبب تسوّلهم في الشوارع، يتعرضون للحوادث، وبعضهم يتابعون مع المتسبّب بالحادث لإتمام علاج أبنائهم، وآخرون يتنازلون بسهولة عن ذلك، أو يوافقون على الحصول على مبالغ زهيدة من المال، ولا يعالجون طفلهم وقد يدخل بمضاعفات خطيرة.

في حين يتطرق وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في هذا الخصوص، إلى تخلي عددٍ منهم عن تعليم الأطفال، كونهم مصدرًا مهمًّا للدخل بالنسبة لهم، إذ تعتمد عليهم أسرهم في التسول.

ويوضح المخلافي أنّ هذه الفئة تعايشت مع وضعها الذي فرضه المجتمع في البداية، وجعلت منه ميكانزم (وسيلة) للدفاع عن تواجدها ووجودها، والتبرير لكل الأعمال التي تقوم بها.

الجدير ذكره، أنّ أغلب المهمشين يرفضون أخذ وسائل تحديد النسل، وتحمل المرأة وتلد في ظل ظروف صحية غير ملائمة، وتزعم عديد من النساء أنّها لم تناسبها أي وسيلة، ولهذا فأغلب الأمهات ينجبن عددًا كبيرًا من الأطفال، بخاصة أنّ الزواج المبكر منتشر وبكثرة بينهم، وفي حدود دنيا بدأ بعض المهمشين ممن تأثروا بالحرب والنزوح، مثل كثير من السكان، بتنظيم النسل.

غياب أدوات الدولة

هناك اتفاقيات دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، في الوقت ذاته فإن من أهداف ثورة 26 سبتمبر 1962، إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات. 

تؤكّد الناشطة الفائزة بـ"جائزة مارتن إينالز" التي تُمنَح للمدافعين عن حقوق الإنسان، هدى الصراري، في تصريح لـ"خيوط"، أنّ التمييز ضدّ فئة معينة من المجتمع تبرز حينما تغيب أدوات الدولة، من مؤسسات وتشريعات ووعي مجتمعي ورسالة إعلامية منصفة، بالإضافة إلى المجتمع المدني، ومناصرة القضايا كالتمييز والحقوق والحريات، بحيث ترتقي بالوعي الجمعي.

وتبيّن أنه خلال السنوات الأخيرة، وفي ظل النزاع المسلح، زادت مظاهر التمييز، وظهر مؤشر انتهاكات بحق الفئات المستضعفة بشكل عام، ومنها المهمشون نتيجة تعطل القوانين، وتدني مستوى الوعي، والتدهور الاقتصادي والفقر، وغياب الدولة.

بحسب الصراري، فقد استغلّت جماعة الحوثي فئة المهمشين وزجّت بهم في الجبهات، ولقبتهم بأحفاد بلال، وهذا المصطلح يعزز النظرة الدونية والطبقية، والتي نهانا عنها ديننا الإسلامي والأحاديث النبوية التي ذكرت أن لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

كما ارتُكبت وقائع انتهاكات لحقوق الإنسان، لفئة المهمشين في مناطق سيطرة (الحوثيين) والحكومة المعترف بها دوليًّا، وفق الصراري؛ كتدمير منازلهم، وتهجير عدد منهم من مناطق سكنها، كما حصل في مدينة عدن، ويتم استغلالهم في ارتكاب جرائم جنائية أو للاتجار بالبشر، الأمر الذي عزّز نظرة المجتمع لهذه الفئات مع غياب الدولة، والوعي الذي ساهم بإقصائهم، وعدم دمجهم بالمجتمع، ومحدودية وصولهم للتعليم والخدمات.

•••
وفاء أحمد
.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English