صندوقٌ لرعاية ذوي الإعاقة: 15% نسبتهم من السكان

التوجه لإجراء مسح وطني لمعرفة احتياجات هذه الفئة
غيداء العديني
February 22, 2022

صندوقٌ لرعاية ذوي الإعاقة: 15% نسبتهم من السكان

التوجه لإجراء مسح وطني لمعرفة احتياجات هذه الفئة
غيداء العديني
February 22, 2022

"نظرتي إلى "ذوي الإعاقة" كانت قاصرة قبل الحادث؛ كنت أعتقد أنه ليس لهم أي حقوق، وعليهم أن يظلوا في بيوتهم، لكن بعد اندماجي في هذا العالم، اكتشفتْ أن الشخص من ذوي الإعاقة يستطيع أن يعمل وينتج كغيره". 

هكذا تلخص فاطمة الأهدل، لـ"خيوط"، تجربتها كـسيّدة نجحت في تخطي الإعاقة، بمساعدة من "صندوق رعاية وتأهيل "المعاقين" ذوي الإعاقة"، بعد فقدانها بصرها إثر حادثٍ تعرضت له فترة مراهقتها.

خلال سنوات، استطاعت فاطمة أن تحقق نجاحًا ملحوظًا؛ بدأته كموظفة في السكرتارية والأرشفة بإدارة الإعلام بصندوق رعاية وتأهيل المعاقين، ثم مختصّة التسويق بالصندوق، قبل أن يتم دمجها عام 2019، مع إدارة العلاقات العامة ضمن إدارة واحدة، وهي حاليًّا عضوٌ مساعدٌ في "جمعية الأمان"، ولديها "بوتيك" خاصًّا بالملابس النسائية.

كما أنها أيضًا رئيسة مبادرة "همزة وصل" للأشخاص ذوي الإعاقة، وفي 2018، تم تصنيفها من ضمن سيدات الأعمال من الأشخاص ذوي الإعاقة، وفي 2019، صُنِفتْ أول سيدة أعمال كفيفة، وفي 2020 تم استضافتها في "تيدكس" كشخصية مُلهِمَة.

رفيقة الذمراني، سيدة أخرى، نجحت في التغلّب على صعوبات فقدانها للبصر، وكان لها أيضًا تجربة مع صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، في فترة من حياتها، حتى أصبحت الآن أخصائية نفسية، وتعلمت مهارات متعددة خلال رحلتها مع الإعاقة.

حين وُلِدت رفيقة، كانت صحيحة البصر، لم يكن بها خطْبٌ؛ إلى أن حدث خطأٌ طبي خلال عمليتين جراحيتين أُجرِيتا لها في وقتٍ واحد بأحد مستشفيات صنعاء، تسبب لاحقًا في إطفاء بصرها. ولأنّها أصبحت كذلك، تأخرت رفيقة في الالتحاق بالمدرسة حتى أصبحت في عمر التاسعة؛ ففي قريتها في يريم (محافظة إب)، لم يكن مُتاحًا تدريس الأطفال الذين في مثل حالتها، رغم أنها لم تكن قد أصبحتْ كفيفةً تمامًا حينها، لكنَّ المدرسين رفضوا قبولها، بِحُجّة أن والدها لم يكن آنذاك في اليمن.

تتراوح نسبة المعاقين في اليمن بين 13 إلى 15% من إجمالي عدد السكان، منهم حاليًّا نحو مائتي ألف حالة مسجلة لدى صندوق رعاية وتأهيل المعاقين بصنعاء

بحكم عمل والدها في السعودية؛ لاحظ -في بلد المهجر- اهتمامًا بتدريس المكفوفين؛ الأمر الذي دفعه (بعد عودته إلى اليمن) إلى البحث عن مكان مخصّص لتعليم الكفيفات، وبالفعل تسنى له ذلك، رغم معارضة إخوتها وعمها في البداية، لولا إصرار والديها وخالها على إلحاقها بالتعليم. عندئذٍ، شعرت رفيقة أن الحياة أصبحتْ سهلةً أمامها.

درست رفيقة المرحلة الابتدائية في ثلاث سنوات، ثم أكملت الإعدادية والثانوية بتفوق، كما تعلمت طريقة برايل (Braille) والطباعة على الآلة الطابعة، إلى جانب الإدماج مع الطالبات في سكن "جمعية أمان" حتى أكملت الثانوية، وبعد ذلك مباشرة، حصلت على دبلوم علوم شرعية.

ونظرًا لتفوقها الدراسي، عملتْ منذ كانت في المرحلة الإعدادية، في تعليم القراءة للفتيات بسكن الجمعية. في وقتٍ لاحق درست تخصص "علم نفس" بكلية الآداب- جامعة صنعاء، على نفقة "صندوق رعاية وتأهيل المعاقين"، ولأن تقديرها الجامعي كان ممتازًا، حصلت على منحٍ من الجامعة لدراسة "دبلومات" في التنمية البشرية وإدارة الأعمال والسكرتارية وغيرها، مكّنتها من العمل في عدة مراكز ومدارس كـ(معلمة ومدربة واستشارية).

خدمات الصندوق ونشاطاته

"بدأ العمل في الصندوق، منذ نهاية عام 2016. كان الوضع مستقرًّا حينها، ولا يوجد ضغط على الصندوق من الأشخاص ذوي الإعاقة، لأنهم لم يكونوا يعرفون عنه حتى يأتوا للتسجيل فيه، لكن مع الحرب، وتردي الوضع الاقتصادي الذي امتد إلى شرائح المجتمع كافة؛ زادت نسبة إلحاق ذوي الإعاقة بالصندوق"، وفقًا للدكتور علي ناصر ملغي، المدير التنفيذي لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين، لـ"خيوط".

يذكر ملغي، أن نسبة ذوي الإعاقة الآن في اليمن يتراوح بين 13 إلى 15% من إجمالي عدد السكان، منهم حاليًّا نحو مائتي ألف حالة مسجلة لدى الصندوق، الأمر الذي ضاعف الضغوط بسبب الإقبال المتزايد.

ويعزو عثمان الصلوي، نائب المدير التنفيذي لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين، الزيادة في الإقبال، إلى وجود زيادة موازية في عدد حالات الإعاقة، جراء "الحرب الظالمة على اليمن، بالإضافة إلى مسببات أخرى، مثل: سوء التغذية، ونسبة الحوادث، وعدم توفر الأدوية، وغيرها".

يفيد الصلوي أن العمل في الصندوق بدأ سنة 2002، بعد صدور قانون رقم (2) لسنة 2002، لإنشاء صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، وتعديلاته سنة 2013. ويمارس مهامه واختصاصاته وفقًا للقانون الذي ينظم عمل الصندوق ولوائحه وآليته التنفيذية.

"للصندوق وظيفته وعمله الخاص، وطبيعة عمله خدمي اجتماعي يومي، إذْ يعمل باستمرار في تقديم الخدمات لجميع فئات ذوي الإعاقة، بشقيها الفردي والمؤسسي، حيث يقدم الأجهزة التعويضية بكافة أنواعها، وكذلك الخدمات الطبية والتعليمية، كما يعد النموذج الوحيد في المنطقة العربية الذي يعمل على تقديم الخدمات لشرائح ذوي الإعاقة بمختلف أنواعها"، يستطرد الصلوي.

نظام آلي لخدمة ذوي الإعاقة

يلفتُ الدكتور ملغي إلى أن الصندوق بدأ في نظام الأتمتة، لتقديم خدماته عن طريق النظام الآلي، بهدف الحد من ضياع المعاملات أو ازدواجيتها أو تكرار تقديم الخدمات لبعض المتقدمين، وضمان حصول المعاق على خدمته بكل سهولة وجودة.

حاليًّا، يمول الصندوق مشاريع مؤسسية ومهنية وتعليمية، عن طريق المراكز والمؤسسات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يقوم بتمويل ما يقارب 60 مؤسسة ومركزًا في مجال رعاية المعاقين في المجالين التعليمي والمهني، مع الإشارة إلى أن الصندوق بدأ منذ عام 2021، بتخصيص مبلغ لدعم التمكين الاقتصادي بالشراكة مع اللجنة الزراعية والسمكية والحرفية، بهدف تمكين الشخص من ذوي الإعاقة -أو أسرته- اقتصاديًّا ومهنيًّا، لتحقيق اكتفائهم وعدم الحاجة إلى دعم آخر.

كما يقوم الصندوق بعمل شراكات مع قطاعات حكومية، مثل التربية والصحة، إضافة إلى كونه يعمل حاليًّا على إعداد مسح وطني بالشراكة مع "الجهاز المركزي للإحصاء" بالعينة العشوائية، بهدف الحصول على نسبة محددة عن عدد ذوي الإعاقة في المجتمع، وأسباب الإعاقة، واحتياجات هذه الفئة ؛ وعلى ضوء المخرجات التي سوف يسفر عنها المسح، يقوم الصندوق برسم سياسته، مع إمكانية رفع تلك البيانات للدولة، التي بدورها يمكنها وضع سياساتها الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة واحتياجاتهم.

تمويل الصندوق

"يحدد القانون اليمني تمويل الصندوق من إيرادات بعض القطاعات الاقتصادية، مثل: السجائر، الأسمنت، الاتصالات، المرور، الجمارك، الطيران...؛ إلا أن نسبة هذه الإيرادات تراجعت إلى النصف في الفترة ما بين 2015-2017، بسبب الحرب ونقل البنك المركزي إلى عدن، في الوقت الذي كانت فيه إيرادات الصندوق خلال عام 2014 نحو ستة مليارات ريال، حين كان سعر الدولار يعادل 250 ريالًا، وهي ذات النسبة الحالية لدى الصندوق المقدرة بستة مليارات ريال، بينما كان المفترض أن تصل إلى 12 أو 14 مليار ريال، بسبب زيادة أسعار الصرف، بالتالي فالتمويل الحالي يعد غير كافٍ، بالنظر إلى أن كون الصندوق يقدم من 35 ألفًا إلى 40 ألفًا خدمة في السنة"؛ يوضح ملغي لـ"خيوط".

وللصندوق فروعٌ في بعض المحافظات اليمنية، مثل: عدن، وحضرموت، والحديدة، وتعز، وإب، إلا أن فروعًا قطعت صلتها بالمركز الرئيس بصنعاء، بسبب مشاكل الإيرادات والأوضاع الدائرة في البلاد.

ويكشف الدكتور ملغي عن وجود استراتيجية لدى الصندوق خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة على المستوى الوطني بمشاركة الدولة، ومزمّنة من 2021 إلى 2025 إلى 2030، ولديه خطة ضمن الرؤية الوطنية على مستوى البناء المؤسسي، والأتمتة، واللوائح، وتعديل قانون رعاية ذوي الإعاقة، وتعديل قانون إنشاء الصندوق وتحسين الموارد، هذا على المستوى الخاص بالصندوق.

ينص قانون رعاية وتأهيل المعاقين على تحديد ما نسبته 5% من إجمالي الوظائف في القطاع العام والخاص والمختلط، لذوي الإعاقة

توظيف ذوي الإعاقة

يلفت علي ملغي إلى أنه في السابق كان عدد الموظفين في الصندوق من ذوي الإعاقة لا يتجاوز ثلاثة أشخاص فقط، لكن مؤخرًا، بدأ تعيين المؤهلين من ذوي الإعاقة حسب الاحتياج، حتى أصبح عددهم الآن حوالي 15 موظفًا، تنفيذًا لقانون رعاية وتأهيل المعاقين الذي ينص على تحديد ما نسبته 5% من إجمالي الوظائف في القطاع العام والخاص والمختلط، لذوي الإعاقة.

لا يخفي الصلوي أسفه، مما يصفه بـ"تهرّب القطاع الخاص من توظيف ذوي الإعاقة من خريجي الجامعات"، وذلك -في رأيه- يحرم "المعاق" من حقه في الحصول على وظيفة إن كان مؤهلًا. "أنا أعاني من الإعاقة حركيًّا، لكني أمارس عملي كأي إنسان آخر؛ لا فرق بيني وبين أي شخص صحيح، وأحيانًا قدرات الشخص من ذوي الإعاقة تفوق قدرات الشخص الصحيح، فالإنسان ليس بعضلاته وإنما بعقله"، يردف.

ذات الانطباع تتبناه رفيقة الذمراني، التي تؤكد وجود غبن في توظيف الشخص من ذوي الإعاقة في اليمن "ليس كل ذوي الإعاقة يحصلون على حقهم في التعليم أو الوظيفة، فحقوقهم مهضومة، والكثير منهم تضيع عليهم الفرص بسبب إعاقتهم وصعوبة المواصلات بالنسبة إليهم".

تختم الذمراني حديثها لـ"خيوط"، بالتأكيد على أنها راضية بالواقع، رغم كل الصعوبات التي مرت بها، فقد علمتها التجربة، أن حياة ذوي الإعاقة لن تتغير دون العلم والعمل، تمامًا كما تغيرت حياتها: "لولا قدر الله، ودراستي لعلم النفس لكنت الآن في مزبلة التاريخ"، حد تعبيرها.


•••
غيداء العديني

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English