"الضنك" يستوطن تعز

شبح الموت يطارد سكان المدينة المحاصرة
وهب الدين العواضي
November 14, 2022

"الضنك" يستوطن تعز

شبح الموت يطارد سكان المدينة المحاصرة
وهب الدين العواضي
November 14, 2022

لا تفارق الأوبئة مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، والتي ما أن تذهب حتى تعود لتواصل بطشها بسكان المدينة المحاصرة "تعز" منذ أكثر من خمس سنوات، آخرها "حمى الضنك" التي استوطنتها منذ سنوات، في حين ارتفعت مستويات انتشارها حاليًّا بصورة أنهكت سكان المدينة.

"الضنك" المستوطن، يأتي ويذهب، ويعود مجدّدًا، وفي كل عودة، ينال من أبنائها، خصوصًا هذا العام، إذ تجاوزت حالات الإصابة حاجز 11 ألفًا، والوفيات 13 حالة، بحسب مكتب وزارة الصحة بمحافظة تعز.

ويؤكِّد مدير المكتب، راجح المليكي، في تصريح لـ"خيوط"، بأنّ معدل الإصابة بوباء حمى الضنك مرتفعٌ للغاية هذا العام بالواقع، غير أنّ الحالات المسجلة لديهم تلك، هي للأشخاص الذين زاروا المراكز والمستشفيات الصحية بعموم المحافظة، فيما هناك الكثير ممّن يفارقون الحياة أو يصابون بالوباء وهم في منازلهم.

الوباء "المُميت"

في المستشفى الجمهوري الحكومي الواقع في الجهة الجنوبية الشرقية للمدينة، هناك عديد من المرضى المصابين في قسم الرقود، منهم نواف أحمد عبدالجليل، أحد المصابين بوباء حمى الضنك. كان متمددًا على السرير ويسند ظهره إلى صدر أخيه، يلاحق أنفاسه بشكل متسارع، ويقاوم المرض بصعوبة بالغة.

التعب والألم يسيطران على جسد نواف، ملامحه ذبُلت، وجف جسمه النحيل الذي أرهقته الآلام، يقول شقيقه الذي كان يسنده من منتصف ظهره، بأن نواف يعاني منذ أسبوع من حمى شديدة، "شديدةٌ للغاية" كما وصفها، وآلام في المفاصل وبكافة أعضاء جسده.

ويضيف في حديثه لـ"خيوط"، أنّ أخاه نوافًا أصيب بوباء حمى الضنك إلى جانب صديقه الذي أُسعف إلى مستشفى آخر في المدينة، "مضاعفات المرض قوية وتنهك جسد الإنسان، ولم أرَ أخي متعبًا كحاله الآن قطّ"، يتابع شقيق نواف.

ويشير إلى أنّ صفائح دم أخيه وصلت إلى 74، وهو رقم خطيرٌ للغاية، وقد يُتوفَّى المصاب على إثره، إلى جانب تطور مضاعفات المرض، والتسبب بآلام في المعدة وأجزاء أخرى من الجسم.

وتتفاقم معاناة المرضى والمصابين مع هبوط صفائح الدم وفقدان المريض لسوائل كبيرة في جسمه، إذ يبقى على قيد المغذيات طوال وقت علاجه، كما هو حاصل مع نواف، وبقية المرضى الذين يرقدون في أسرة الغرفة، وجميعهم متصلون بالمغذيات.

يوضح شقيق نواف، أنّ الأدوية مُنعدمة وغير متوفرة بصيدليات المستشفيات؛ لذا يضطرون إلى شرائها من خارج المستشفى باستمرار، بأثمانٍ باهظة، أرهقتهم وفاقمت من معاناتهم كثيرًا.

خلال سنوات الحصار الذي تتعرض له مدينة تعز، أخذ وباء حمى الضنك يتفشّى ويتوسع أكثر بسبب سوء تخزين المياه، إذ أُجبر المواطنون على الاحتفاظ بمياه الأمطار في أوعية وأسطوانات بطرق غير صحية وسليمة، وشكّل ذلك قنوات أساسية لعيش البعوض الناقل للعدوى.

أعراض الوباء ومضاعفاته تطورت هذا العام، وزادت أكثر تعقيدًا وخطورةً على حياة المصابين بالوباء، وبهذا الخصوص، تقول سوريا علي، وهي ممرضة في قسم الرقود بمستشفى الجمهوري، إنّهم أول مرة يستقبلون حالات إصابة لحمى الضنك بهذه الخطورة، واصفةً بأنه "مُميت".

حيث تسبّب الوباء في إصابة شابة بفشل كلوي أبقاها طريحة الفراش، تصارع الكلى والضنك معًا، فيما مصاب آخر، تسبّب له الوباء بنزيف عام أدّى إلى وفاته على الفور، وفق حديث سوريا لـ"خيوط".

جهود المكافحة

يقول مدير مكتب الصحة، راجح المليكي، إنّ وباء حمى الضنك مستوطنٌ في مدينة تعز، وتحصل سنويًّا موجات تفشي للوباء، بمعنى أنّ الحالات متواجدة طوال السنة، لكن في مواسم الأمطار ترتفع حالات الإصابة بشكل أكبر، وتأتي موجات جديدة للوباء، إلّا أنها هذا العام كانت شديدة.

وبحسب المليكي، يستغل المواطنون في هذا الموسم تجميع مياه الأمطار بجميع أسطح المنازل، لا سيما في ظل الحصار وشحة توفير المياه الصالحة للشرب، الأمر الذي يؤدّي إلى وجود بؤر وقنوات لعيش حشرة "البعوض" الناقلة لعدوى الوباء.

مكتب الصحة بالمحافظة يؤكّد كذلك أنّه قام برفع تقارير إلى وزارة الصحة والسكان في الحكومة المعترف بها دوليًّا ومنظمات معنية، بشأن تفشي الوباء في منتصف مارس/ آذار الماضي، لكن لم يكُن هناك أيُّ تجاوب من وزارة الصحة والمنظمات، وبالتالي استمرّت حالات الإصابة تتزايد، خصوصًا في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب، مع تزايد هطول الأمطار حينها.

ويوضح المليكي بأنهم بدَؤُوا في تلك الأشهر باتخاذ بعض الإجراءات؛ منها توزيع الناموسيات، وهي شبكات طبية تقي الشخص لدغات البعوض الناقل للعدوى، تم توزيعها لمخيمات النازحين في بعض مديريات المدينة، باعتبارهم الفئة الأشد تعرضًا لخطر الإصابة، لافتًا إلى أنّ ذلك الإجراء غير كافٍ لحماية الناس من عدوى الإصابة بحمى الضنك.

ونفذ مكتب الصحة في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول 2022، حملتَي رش ضبابية لبعض الأحياء السكنية وحارات مديريات المدينة، المظفر، والقاهرة، وصالة، الحملة الأولى بدعم من الصحة العالمية، والثانية بدعم السلطة المحلية بالمحافظة، في ظل غياب الدور الحكومي المحوري، بحسب حديث المليكي، مؤكِّدًا أنّ تلك الحملات لم تغطِّ 10% من احتياج المحافظة.

يتابع المليكي؛ بأنّ حملات الرش الضبابية التي قام بها مكتب الصحة غير كافية لمواجهة الوباء، وهي فقط تعمل على التخفيف من حدة انتشاره، مشيرًا إلى أنّ السيطرة على الوباء تمامًا يتم من خلال التخلص من البؤر الرئيسية لانتشار الوباء، وهنا محور الكارثة الصحية بمدينة تعز.

تتطلب مواجهة ومكافحة هذا الوباء والتخلص من البؤر الرئيسية لتفشي "حمى الضنك" تكاملًا في أدوار مختلف الجهات المعنية في السلطة المحلية والحكومية والمدنية والتي يجب عليها استيعاب مهام مكافحة هذا الوباء.

لكن مكتب الصحة بالمحافظة يؤكِّد أنّ مختلف هذه الجهات من فروع الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية بالمحافظة، لم تبدر منها أي استجابة لدعوة المكتب الذي عمل على تحديد نوعية البعوض المنتشر وأماكن تواجده وأماكن البؤر الرئيسية وتجمعات المياه في مدينة تعز، وذلك بشن حملات لردم تلك البؤر.

فضلًا عن عدم استجابة وزارة الصحة والسكان ومنظمة الصحة العالمية لتقديم المساعدة اللازمة منهما لمواجهة وباء حمى الضنك، بالرغم من قيام مكتب الصحة بالمحافظة -بحسب المليكي- بتوفير أدوية خاصة بالحميّات لمحافظة تعز.

الحصار وشحة المياه 

خلال سنوات الحصار الذي تتعرض له مدينة تعز، أخذ وباء حمى الضنك يتفشَّى ويتوسّع أكثر، بسبب سوء تخزين المياه، إذ أُجبر المواطنون على الاحتفاظ بمياه الأمطار في أوعية وأسطوانات بطرق غير صحية وسليمة، وشكّل ذلك قنوات أساسية لعيش البعوض الناقل للعدوى.

معظم آبار المياه الكبيرة والرئيسية لمحافظة تعز تقع في مناطق المواجهات العسكرية وأخرى في مناطق سيطرة (الحوثيين)، ما سبب ارتفاع تكلفة الحصول على المياه عبر "الوايتات" في ظل غياب مشروع المياه الحكومي.

سيف الحياني، منسق برنامج الملاريا والحميات بمكتب الصحة، يوضح لـ"خيوط"، أنّ هذا الوضع الناتج عن الحصار جعل المواطنين يجمعون مياه الأمطار ويحتفظون بها، وهذا شكل من أشكال البؤر الرئيسية لوباء حمى الضنك في المدينة، إلى جانب المستنقعات المائية والنفايات ومخلفات البناء.

ويؤكِّد الحياني بأن الوضع البيئي في مدينة تعز سيّئ للغاية، وتعيش المدينة كارثة صحية وبائية، في ظل غياب تدخل السلطات الصحية العليا، ومعدل حالات الإصابة التي سجّلها مكتب الصحة بوباء حمى الضنك "يُعتبر رقمًا كبيرًا ومخيفًا في علم الوبائيات، وقد يتطور الوضع الصحي بشكل أسوأ ونفقد السيطرة عليه"، يقول الحياني.

وفي ظل غياب فاعل للمكافحة وتقاعس عديدٍ من الجهات المعنية التي طلب مكتب الصحة بالمحافظة مساعدتها، يواصل "حمى الضنك" انتشاره في المدينة، حاصدًا أرواح الناس بشكل كبير.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English