الوصول المميت لفردوس السعودية

مهاجرون إثيوبيون يغرقون في جحيم شبكات اتجار بالبشر
لؤي العزعزي
June 9, 2024

الوصول المميت لفردوس السعودية

مهاجرون إثيوبيون يغرقون في جحيم شبكات اتجار بالبشر
لؤي العزعزي
June 9, 2024
.

تستغل شبكات الاتجار بالبشر في إثيوبيا، الظروفَ الاقتصادية السيئة، وانتهاكات حقوق الإنسان المصاحبة للنزاعات في البلد الإفريقي متعدد الإثنيات، لتشجيع الكثير من الشباب على الهجرة باتجاه السعودية، متخذين من اليمن جسر عبور إلى هناك.

سكة خطر 

تزيّن هذه الشبكات لهؤلاء الشباب طريقَ الهجرة، إذ يغرقونهم بوعود حياة رغيدة تنتظرهم في الجانب الآخر من البحر، لكنهم حين يصلون إلى نقطة العبور؛ أي اليمن، يجدون ما هو أعظم من الجحيم الذي فرّوا منه يطاردهم هنا، حيث تستغلهم شبكات اتجار بالبشر -في الغالب منسقة مع أخرى في الداخل الإثيوبي- تعمل على ابتزاز أُسَر هؤلاء ماليًّا في سبيل الإفراج عن أبنائهم وأقاربهم.

فعلى مدى عقود، استخدم المهاجرون الإثيوبيون ما تسميه منظمة هيومن رايتس ووتش بدرب الهجرة الخطير –المعروف باسم (الدرب الشرقي) أو (الدرب اليمني)– من القرن الإفريقي، عبر خليج عدن، وعبر اليمن، حيث شهدت السنوات الأخيرة زيادة في نسبة المهاجرين وفي مقدمتهم النساء والفتيات المهاجرات من دول القرن الإفريقي، وخاصة إثيوبيا، عبر اليمن بغية الوصول لبلدان النفط في الخليج العربي، وبالتحديد للسعودية.

في الطريق للفردوس المزعوم، يتعرّض المهاجرون الأفارقة لسلسلة من الانتهاكات، التي تبدأ من بلدهم الأم، مرورًا باليمن، وحتى وصولهم للسعودية -في حال كُتبت لهم النجاة- يتحمل مسؤولية هذه الانتهاكات شبكةٌ من المُهرِّبين والمتاجرين بالبشر، التي تتكفل بنقلهم في قوارب مكتظة وغير صالحة للإبحار ما يجعلهم عُرضة للغرق، وقد حدث هذا مرارًا، مع حوادث اعتداءات جسدية مصاحبة، مرورًا بابتزاز أقاربهم أو معارفهم في وطنهم أو السعودية ماليًّا، وصولًا لبقائهم عالقين بين اليأس والبؤس في اليمن الذي مزّقته الحرب منذ سنوات.

● تضاعفت أعداد المهاجرين السنوية الوافدين إلى اليمن، ثلاثة أضعاف من سنة 2021 إلى سنة 2023، حيث ارتفع العدد من حوالي 27,000 إلى أكثر من 90,000 مهاجر، بحسب مكتب منظمة الهجرة الدولية في اليمن، الذي توقع في بيان له، ارتفاع العدد إلى 300 ألف شخص في العام الحالي معظمهم من الصومال وإثيوبي

بداية المكيدة

بلكنة عربية مكسرة، يقول لـ"خيوط" المهاجر الإثيوبي، محمد صديقي والو (32 سنة): "يتعامل المتاجرون بالبشر مع المهاجرين كأنهم قطعان من الماشية، يتم حشرهم جماعات في قوارب ليس فيها أدنى وسائل السلامة، علاوة على العطش والجوع، والسب والشتم الذي يلقونه في رحلة عبور مضنية حتى الوصول للبر اليمني".

ويضيف والو: "سمعت أحدهم يتحدث في مكالمة هاتفية، قائلًا: "لدينا 50 كبشًا، 20 كبشًا"؛ في إشارة إلى أعداد المهاجرين القادمين من بلدانهم، مصطلحات تعكس كيفية تعامل هذه الشبكات مع المهاجرين".

الجدير بالذكر أنّ أعداد المهاجرين السنوية الوافدين إلى اليمن، تضاعفت ثلاثة أضعاف من سنة 2021 إلى سنة 2023، حيث ارتفع العدد من حوالي 27,000 إلى أكثر من 90,000 مهاجر، بحسب مكتب منظمة الهجرة الدولية في اليمن، الذي توقع في بيان له، ارتفاع العدد إلى 300 ألف شخص في العام الحالي، معظمهم من الصومال وإثيوبيا.

المتحدث الرسمي باسم جمعية الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر في إثيوبيا، عُبسى أمان يوسف، يتحدث لـ"خيوط"، عن الأساليب التي يتم بها إغراء هؤلاء المهاجرين بالفرار من بلادهم، قائلًا: "يتم الاحتيال على هؤلاء المهاجرين في إثيوبيا، حيث تقوم شبكة الاتجار بالبشر بإيهام الضحايا بأنّ اليمن، فضلًا عن السعودية، فيهما أموال طائلة ممّا يدفع الأهالي إلى إرسال فلذات أكبادهم، لا سيما الفتيات اللواتي عليهن طلب في السوق الخليجي للعمل في المنازل، كما يتم خداع الأهالي بأنّ الشبكة ستتكفل بكل شيء من السكن، والأكل والشرب، والنقل بأمان إلى مقاصدهم".

بعد وصول المهاجرين إلى اليمن تستقبلهم شبكات أخرى وتنقلهم إلى أحواش كبيرة، كما في مناطق (قطابر، وبني عياش) بمحافظة صعدة على الحدود مع السعودية، أو إلى شقق كما هو الحال في مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة، وفي جميع هذه الأماكن يقول القائمون على الشبكة للمهاجرين إنّ اليمنيين خطيرون، في سياق تخويفهم، تمهيدًا لابتزازهم المالي لاحقًا، كما أكّد يوسف.

تجريد الفتاة الإثيوبية ( سبنتو سراج ) من ملابسها لأجل ابتزاز أسرتها ماليا بعد إحتجازها في شقة بمدينة عتق - شبوة

مقايضة الشرف 

يتابع يوسف حديثه عن مرحلة الابتزاز المالي، قائلًا: "يتم تعذيب الضحايا من المهاجرين الإثيوبيين بأساليب مختلفة، منها اغتصاب الفتيات، وتوثيق ذلك بالصوت والصورة من أجل ابتزاز أقاربهن، حيث يتم إرسال الصور والفيديوهات لهم من أجل الحصول على المال".

وقد حصلت "خيوط"، على صور وفيديوهات توثق قيام إحدى شبكات الاتجار بالبشر بمدينة عتق في شبوة، تعذيب ثلاث فتيات إثيوبيات من قومية الأورومو، هن: سبنتو سراج عبده نعمان (14 سنة)، ميرتو عبدالباسط جمال (15 سنة)، وافتو محمد يوسف عمر (18 سنة)، وجميعهن وقعْنَ ضحية شبكة اتجار بالبشر، أغرتهن بالعمل في السعودية ثم قامت بتهريبهن في رحلة شاقة من بلدهن، مرورًا بمدينة بوصاصو الساحلية في الصومال ثم البحر الأحمر، وصولًا إلى اليمن.

في سياق متصل، تقول الفتيات الثلاث، في فيديو حصلت عليه "خيوط"، إنّ الخاطفين كانوا يستخدمون التعذيب، بما في ذلك تجريدهن من ملابسهن واغتصابهن وتصويرهن، بغرض ابتزاز أسرهن ماليًّا. وفي أحد الفيديوهات تقول امرأة، لا يُعرف صلة قرابتها بالجناة: "إنّ الفتيات يُرغمن على ممارسة الجنس مع عشرات الرجال"، فيما يبدو أنه تأكيد لكلام الفتيات الثلاث حول تعرضهن للاستغلال والاغتصاب.

في وقت لاحق، أرسل الجناةُ الصورَ والفيديوهات لأهالي الفتيات في إثيوبيا، طالبين دفعَ المال وهو ما كان بالفعل، حيث استجابت أسرتَي ميرتو وافتو، ودفعتا ثلاثة آلاف دولار أمريكي، بينما لم تستطع أسرة سبنتو الدفع، وبسبب ذلك تعرضت الفتاة لتعذيب قاسٍ، بما في ذلك معاودة اغتصابها.

الضابط في جهاز أمن الدولة بعتق، شلال محمد عبدالسلام، يتحدث لـ"خيوط"، عن جهود الجهات المعنية في الحد من هذه الظاهرة، حيث يقول: "ما حصل للمهاجرين من بلاد أورومو من تعذيب وابتزاز هو عمل جبان، لقد تحركت القوات الأمنية فور تلقيها البلاغ عن واقعة الاختطاف، وألقينا القبض على (حكيم) أحد القائمين على شبكة الاتجار بالبشر، وأخرجنا الفتيات الثلاث من الشقة ليتم تسليمهن لاحقًا إلى حسين عبرة الأرومي، مندوب جمعية الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر لكفالتهن والاعتناء بهن".

وأكّد عبدالسلام أنّ القضية وصلت الرئاسة، متوعدًا الجناة بالعقاب، داعيًا أهالي الضحايا إلى الاطمئنان حول إنصاف الضحايا وتحقيق العدالة لهم.

لكن الفتيات الثلاث لم يحظين بالرعاية الطبية والنفسية المطلوبة في مثل هذه الحالات، على الرغم من معاناتهن مما تعرضن له من تعذيب لا تزال آثاره ظاهرة عليهن.

في سياق متصل، أفادت معلومات حصلت عليها "خيوط"، بوجود سبعة فتيات وشاب مختطفين، تم العثور على هوية ثلاث منهن إضافة إلى الشاب، وهم الآن رهن الاختطاف في شقة يملكها متاجرون بمدينة عتق.

في أواخر أبريل/ نيسان الماضي، تلقّى معدّ التحقيق معلومات من وزارة الخارجية الإثيوبية، تفيد باختطاف 27 فتاة إثيوبية في مدينة عتق تتبع نفس شبكة الاتجار بالبشر. وحتى الآن، لم تقم السلطة المحلية في شبوة بأي إجراءات لمعرفة مصير الفتيات المختطفات.

جرائم موحشة

في محافظة صعدة (شمالي البلاد)، حصلت "خيوط" على مقاطع فيديو تفيد باحتجاز مهاجرين داخل حوش كبير بمنطقة "قطابر" على الحدود مع السعودية منذ أشهر، وليس لديهم سوى القليل من الطعام والمياه غير النظيفة.

أثآر التعذيب عصابة الاتجار بالبشر للمهاجرين في إحدى الشقق في عتق- شبوة

وتوضح فيديوهات تعذيب شاب مهاجر قادم من إثيوبيا، بينما يُظِهر فيديو آخر امرأةً (تشير المعلومات إلى أنها في منطقة بني عياش الحدودية)، تستغيث أخاها واسمه (ياديني)، وتترجاه تحويل المال للخاطفين حتى لا يقتلوها، وكان أحدهم يعذبها ويقول لها إنه سوف ينهي حياتها إذا لم يرسل شقيقها المال، ويخاطب الفتيات الأخريات قائلًا إن الدور سيأتي عليهن في حال لم يحصل على المال المطلوب للإفراج عنهن، ما يثير الرعب والخوف في نفوس المخطوفات.

وفي مقاطع أخرى، يظهر أحد الخاطفين في حوش الاحتجاز وهو يضرب فتاة؛ لأنها حاولت الفرار بحثًا عن الطعام، في حين تقول فتاة أخرى -وقد بدت هزيلة جراء الحرمان من الطعام- أنها تعرّضت للتعذيب خلال فترة احتجازها في حوش المهاجرين، قبل أن تتمكن من الوصول إلى ابن عمها المغترب في السعودية، وتوضح أنّ أحد الذين كانوا يشرفون على المحتجزين، إثيوبيٌّ يُدعى (عامر)، وتحدثت عن حالات وفاة جراء التجويع.

ثلاث فتيات مهاجرات ناجيات ( سبنتو، ميرتو، افتو ) في إحدى الشقق التابعة لعصابة الإتجار بالبشر بمدينة عتق - شبوة

وضمن المقاطع التي تم الحصول عليها، تظهر العشرات من الفتيات الإثيوبيات في شقة بمنطقة غير معروفة، تسميها إحدى الناجيات (راجو)، وهو اسم يوحي أنه مستعار، إما سمعته من الخاطفين أو ضللوها به حتى لا يتم تعقبهم، وفي هذه الشقة يتم ابتزاز أهالي الفتيات لإرسال الأموال بأسماء أشخاص يتبعون شبكة الاتجار نفسها.

وبعد عملية بحث وتتبع، تمكّنت "خيوط" من معرفة هوية رجلين يستلمان بعض الحوالات المالية في اليمن؛ أحدهما إثيوبي يُدعى (حكيم كمال حسن)، وتوجد صورة لمستند استلامه الأموال، وهو أحد المتهمين بتعذيب وتصوير الفتيات الثلاث، والشخص الثاني يمنيّ يُسمّى (كمال عبده علي المنتصر)، فضلًا عن وثائق أخرى تشمل أرقام هواتف تواصلت بأهالي الفتيات لابتزازهم، وحسابات بنكية تم تحويل الأموال إليها.

في أواخر أبريل/ نيسان الماضي، تلقى معدّ هذا التحقيق الذي يعمل متعاونًا مع جمعية مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، معلومات من وزارة الخارجية الإثيوبية، تفيد باختطاف 27 فتاة إثيوبية في مدينة عتق تتبع نفس شبكة الاتجار بالبشر. وحتى الآن، لم تقم السلطة المحلية في شبوة بأي إجراءات لمعرفة مصير الفتيات المختطفات.

•••
لؤي العزعزي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English