أعوار ومثالب فعاليات التدجين

حول وطنية مؤتمرات وزارة التربية والتعليم
أحمد عبده سيف
February 25, 2023

أعوار ومثالب فعاليات التدجين

حول وطنية مؤتمرات وزارة التربية والتعليم
أحمد عبده سيف
February 25, 2023

بات معلومًا للجميع أنّ تعليم وتنشئة الأجيال أمرٌ يهمّ كلَّ فردٍ وأسرة في المجتمع، وأنّ اكتساب ثقافة المجتمع المحلي والوطني يبدأ الطفل باكتسابها من الأسرة ثمّ تتوسّع دائرة التأهيل والمؤثرات التي تعمل على تشكيلها، بينما الأسرة لكي تتمكن من ذلك بشكلٍ إيجابيّ، تحتاج إلى تأهيل أيضًا ليتأهل الطفل بمناخٍ ديمقراطي.

بالتالي؛ فإنّ التأهيل والتدريب يجب أن يكون مجوّدًا ومحكومًا بمرجعية ضابطة، يمكن في ضوء مقاصدها وغاياتها قياس مدى جدوى ما يكرّس من تعليم وتنشئة وممكنات التجويد بما يحقّق الأهداف والغايات –والمرجعية المقصودة هنا: فلسفة التعليم– التي يجب أن تكون مُقرَّة ومتوافَقٌ عليها مجتمعيًّا، مع الحرص على بقائها بمنأى عن الاستلاب نتيجة رغبات ونزوات من يحكم، حتى وإن كان موكلًا إليه –بتفويضٍ من المجتمع، أو بحكم اعتسافه لحقّه في ذلك– قيادة العمليات والأنشطة والمهام التي تختص بها مؤسسات اجتماعية عامة، كوزارات التربية والتعليم والتأهيل والتدريب المختلفة.

قال لنا ذات مساء في لقاء مفتوح، عندما كنتُ طالبًا في السنة الرابعة بقسم التاريخ، جامعة عين شمس في مصر، عميدُ الكلية حينها، محمد عفيفي، في ردّه على استفسارات الطلاب حول التخصص ومدى قياس الوعي التربويّ: "لكم حرية ما تعتقدون، ولكن ليبقى معلومٌ للجميع أنّكم بكل ما اكتسبتموه عبر سنوات دراستكم في الكلية لم تعلموا من تخصصاتكم المختلفة إلّا كمن تعلّم حروف الهجاء كمتطلب ومدخل لتعلم القراءة، وأنّ الكلية بكل الجهود التي بُذلت تتمنّى أن تكون قد نجحت في وضع أقدامكم على أول طريق البحث والدراسة؛ لتكونوا متخصّصين نافعين بمقاييس مصالح المجتمع ومدى انتفاعه بما تنتجونه".

في حين نبّه إلى خطورة كلّ المهن، مشيرًا -مثلًا- إلى الطبيب ودوره المهم، لكن خطره يبقى محدودًا بحدود الأشخاص الذين تأثّروا بلجوئِهم إليه مع ممكنات لتدارك الأخطاء، وبعضها قد يكون بالبتر. وينطبق ذلك على أي خطأ قد يرتكبه مهندس البناء أثناء عمله. أمّا المعلم فمهنته أخطر؛ لأنّها قد تمتدّ لتمس حياة المجتمع بحاضره ومستقبله.

ذلك؛ لأنّه يتعامل مع عقل بشري ما زال في طور التأهيل، فالتعامل مع العقل البشري صعبٌ وخطير، ونتيجته محكومة بتخريج مواطن صالح مستنير، منتِج ونافع، أو عكس ذلك. وهناك فرق كبير بين شخصٍ يستفيد من قدراته العقلية المحكومة بقواعد التفكير العلمي، وشخص آخر عُطّلت قدراته بتكريس التفكير الغيبي التواكلي، وأضحى ممكنًا تسليعه. 

لذا، فإنّ تلك "الفلسفة" ما زالت مغيّبةً حتى مع وجود تشريعات مقرَّة تُقرّ بالاستناد إليها، ومنها قانون التعليم الموحد الذي صدر بعد الوحدة وغيره، فقد بقيَت موادّ القانون حبرًا على ورق، وبقيَت أساليب التنشئة والتأهيل عشوائية، تكرّس مصالح قِلّةٍ تمعن في الإضرار بمصالح المجتمع وحقوقه وتهدر بقصدٍ إمكاناته، ولا تأبه بحق أجياله المتعاقبة في الحياة الحُرّة الكريمة، وبحق المجتمع بالاستفادة من تأهيل أبنائه، بذكوره وإناثه، ليتمكّن بهم ولهم من تأمين حياته، كونهم وسيلة التنمية وغايتها.

طوال الفترة الماضية عملت الوزارة على إعادة بناء مناهج بعض المواد في المرحلة الأساسية، وعمّمتها قبل انعقاد المؤتمر (المخصص لتطوير المناهج!)، بل ووجّهت الوزارة بإلزام المدارس تدريسَ تلك المناهج في مرحلة التعليم الأساسي.

وغياب الفلسفة المنشودة يبقى مؤشِّرًا على منع القابضين بمفاصل السلطة، المجتمعَ من استعادة حقّه بملك السلطات وسيادته عليها وعلى من يشغل وظائفها، تحت مبرِّرات ذات منشأ سياسيٍّ تتفاوت بين الأنانية وادّعاء العصمة.

قياس المقاصد والغايات

ما يتم الإفصاح عنه بين وقتٍ وآخر، عبر الفعاليات المختلفة من أعوار ومثالب، ما زالت تحول دون تحسين عملية التأهيل- لا يدل إلّا على إدانتهم، وأنّ ما يقترحونه من حلول ومعالجات بصيغ مؤتمرات وقرارات وسياسات واستراتيجيات، لا تعد إلّا هروبًا للأمام، وجميعها محكومةٌ بالفشل، وإكراهٌ على التدجين والاستتباع، وازدراء لحقوق الفرد والمجتمع، وذلك لأنّ العمل التربويّ يجب أن يكون مخططًا وهادفًا، ومبنيًّا على الوعي، ويملك إجابة على السؤال المركب؛ من نحن كمجتمع، ومن نؤهل، وكيف نؤهل.

كما أنّ أهداف السياسات والبرامج والخطط والقرارات الموضوعية، قابلة للقياس والتقويم استنادًا إلى مقاصد وغايات مرجعية ضابطة (فلسفة التعليم). وكلّ سياسات أو برامج لا تستند إلى مثل ذلك، لا تعدو أن تكون سوى عبث وقفز في فراغ، يعيق ويهدر، إن لم يقُد إلى هاوية سحيقة. فالعبثُ بتأهيل الأجيال والسعي لتدجينهم جريمةٌ مركبة وموصوفة، ولقد طال السكوت عليها مع أنّها تمس كلّ فرد وأسرة في المجتمع.

وتأسيسًا على ما تقدّم، فإنّ كل المؤتمرات، عدا مؤتمر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، لم تدعُ إليه قيادةُ الوزارة المؤسساتِ المجتمعيةَ ذات العلاقة بالتعليم، لا بعمومها الذي يشمل كل المؤسسات الرسمية ومراكز البحوث ومؤسسات المجتمع المدني، ولا حتى بدعوة الجهات المتخصصة بالتأهيل بشكلٍ مباشر، بل كانت تحصر الدعوة إليها ببعض القيادات من العاملين في إطار الوزارة مع دعوة المانحين المرتبطين بمشروع معين كمشروع توسيع التعليم الأساسيّ (مثلًا). وبالتالي؛ فقد كانت أكثر حياءً من القيادة الحالية، وإن بقت في طابعها العام مؤتمرات تبريريّة تعقدها تحت ضغوط الجهات المانحة حينًا، ولتلميع ذاتها ومن تخدم حينًا آخر، مع عدم براءتها من الرغبة في التكسُّب، والسعي للتغطية على فساد الإنفاق وتبريره من جهة ثانية، وصولًا لعكس صورة محسنة، وإن لم تكن موضوعية، علّها تنال بها رضا القيادة العليا للسلطة أو المموِّلين الذين يغضّون الطرف عن الاختلالات، وحتى الفساد، بمقابل زيادة نفوذهم وتدخّلاتهم السافرة لإلغاء وحذف بعض المواضيع المقرّرة في إطار بعض المناهج ذات العلاقة بتشكيل الوجدان وصيانة الهُوية. وبالعموم، فإنّه يحسب لقيادات الوزارة آنذاك أنّها لم تتدثر بوطنية الدعوة.

كما أنّ الحديث عن البعد الثاني، لن يكون شاملًا لكثيرٍ من التفاصيل المهمّة المتصلة بالتسمية والإعداد والفعاليات والمداولات، خاصة مع عدم الإعلان عن مخرجاته، وغيابها حتى الآن.

والملاحظة مرتبطة بالتسمية، حيث حرصت قيادة الوزارة الحالية على إبرازها في "أفيشات" الإعلانات عنه أو بما ثبّتته على غلافات الوثائق التي قدّمت للمؤتمر (المؤتمر الوطني الأول لتطوير المناهج وتنويع مسارات التعليم) أو بحسب بعض اليافطات، ومنها: (المؤتمر الوطني الأول لوزارة التربية والتعليم/ نحو تطوير المناهج الدراسية في ضوء الأسس العلمية والثوابت الدينية والوطنية والهُوية الإيمانية، والذي عقدته سلطة الأمر الواقع بصنعاء في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022).

في ذلك عدة ملاحظات؛ منها ادّعاء مقصود لـ"الوطنية"، وفيه تجاسر على حصر الوطنية، وذلك عيب غير مسبوق قبل سبتمبر 2014، كما أنّ عقد مؤتمر تحت هذه التسمية وهذا التوصيف، يحمل في طيّاته مؤشرات خطيرة، تمس حاضر ومستقبل المجتمع، ولو كان القائمون عليه يتمتّعون بالحسّ الوطنيّ الحقيقيّ لَمَا جنحوا هذا الجنوح ولَعرفوا أنّ عقد مؤتمر وطنيّ هو أكبر بكثير ممّن دُعِيَ إليه ومن يمثّل، ولَأقرّوا باستحالة عقد مؤتمر بهذا المسمّى وتحت هذا الشعار، في وقتٍ يعيش فيه المجتمع في ظلّ هذه الظروف الاستثنائية.

فضلًا عمّا ذُكر في الشعار بخصوص "تطوير المناهج الدراسية"، والذي لا يعدو كونه كلامًا نظريًّا للاستهلاك والغواية بُني على دراسات نظرية لم تستند على تقويم علميّ موضوعيّ للمناهج المكرّسة؛ لأنّها كمناهج تفتقر لمرجعية ضابطة تمكِّننا من قياس جدوى المحتوى وقدرته على تحقيق الأهداف، وتمكّننا من اقتراح ممكنات التجويد ومتطلباته.

مذهبة السلطة والمجتمع

يحقّ لنا أن نتساءل: لماذا قُدّمت بعض الدراسات وغُيّبت أخريات، ومنها دراسة فريق الأحياء وفريق الكيمياء أو الفيزياء، إن لم تخنِّي الذاكرة، وكذلك المرتبطة بتطوير العلوم الاجتماعية وغيرها؟! ثم لماذا لم يتم دعوة أعضاء تلك الفرق للمشاركة في فعاليات المؤتمر؟ إلّا إذا كان القصد كما صرّح به بعضٌ ممّن حضروا المؤتمر ممّن تمّت دعوتهم وكان مطلوبًا منهم مباركة المخرجات بما سيُملى عليهم من توصيات وقرارات.

في نفس الإطار، هناك -كما يبدو- توجّهٌ لدى قيادة وزارة التربية والتعليم التابعة لسلطة الأمر الواقع في صنعاء باعتماد وتعميم مقررات موصى بها ممّا يتم تكريسه في بعض الدول؟! ثم كيف غابت دراسات مختصة بمواد ومناهج ذات صلة بتشكيل الهُويّة الوطنيّة وتشكيل وجدان الناشئة.

وطوال الفترة الماضية عملت الوزارة على إعادة بناء مناهج بعض المواد في المرحلة الأساسية وعمّمتها قبل انعقاد المؤتمر (المخصص لتطوير المناهج!)، بل ووجّهت الوزارة بإلزام المدارس تدريسَ تلك المناهج في مرحلة التعليم الأساسي، وبأن تكون الامتحانات مركزية على مستوى الأمانة، خاصة أنّه قد أصبح معلومًا عنها بما احتوته من مقررات، تعزز التوجيه السياسي خدمةً لتمكين الجماعة وترسيخًا لمذهبة السلطة والمجتمع.

كما يُطرح سؤالٌ كبير؛ حول تغييبها وعدم إدراجها ضمن جدول أعمال المؤتمر، إلّا إذا كان تحوطًا وحرصًا على عدم اللغو حولها بما قد يعرّي توجهات الجماعة!

•••
أحمد عبده سيف

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English