التمييز الطبقي في اليمن.. حرب من نوع آخر

ظاهرة منتشرة على نطاق واسع
سميرة سالم
August 22, 2022

التمييز الطبقي في اليمن.. حرب من نوع آخر

ظاهرة منتشرة على نطاق واسع
سميرة سالم
August 22, 2022
Photo by: Shohdi Alsofi - © Khuyut

ما تزال ظواهر العنصرية والتمييز على أساس لون البشرة أو النسَب أو العِرق قائمة في اليمن وآخذة بالتجذر والتمدد، وهو ما يمكن أن يلمسه اليمنيون والزائرون لليمن بشكل واضح. 

ويتميز المجتمع اليمني بتركيبة قبلية معقدة، بنيت وفق نظام طبقي يمايز بين اللون والمهن والنسب وغيرها من مستويات التفاضل. في جنوب اليمن مثلًا، حاول النظام الاشتراكي السابق الذي استمرّ حكمه حتى عام 1990، أن يزيل التمايز الطبقي والمناطقي، إلا أنّ الواقع يقول إن هذا التمايز ما يزال قائمًا إلى يومنا هذا. 

في محافظة حضرموت الواقعة جنوب اليمن، يمكن ملاحظة ثلاث طبقات أساسية؛ الطبقة الأولى تضمّ السادة (الذين يحسبون أنفسهم ممّا يسمى آل البيت، أي إن نسبهم يصل إلى النبي محمد)، وهناك المشائخ (القبائل)، وطبقة المساكين (ويشكلون قاعدة كبيرة)، ثم الطبقة الثالثة طبقة يدخل فيها عددٌ من أصحاب المهن والصبيان والبدو والعبيد وغيرهم، إذ ما تزال آثار هذه الطبقية قائمة حتى اللحظة، وإن كانت أقل حدة من شمال اليمن.

في شمال اليمن، تتصدر طبقة السادة أيضًا أعلى هرم التراتب الطبقي؛ إذ تحظى هذه الطبقة بالكثير من الامتيازات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية عبر سيطرتهم على السلطة والأراضي والعقارات، يليها في المركز الثاني طبقة القضاة، وهم الذين تلقّوا قسطًا من التعليم قبل ثورة 1962، ثم تأتي طبقة القبائل في المرتبة الثالثة، وهي الطبقة الأكثر حضورًا، حيث ترتبط هذه الفئة بالزراعة، تليها في المرتبة الرابعة الطبقة الضعيفة والتي لا تمتلك أي ارتباطات قبلية، وتشمل فئة اليمنيين السود الذين يصطلح عليهم إعلاميًّا "المهمشين"، أو "الأخدام" أو "الحرافيش" حسب اللفظ الدارج، وجميعها مصطلحات عنصرية تتضمن تقليلًا وإهانة وازدراء لهذه الشرائح تتجلى في سياقات مختلفة مجتمعيًّا. 

"لست مسؤولًا عن نسبي"

سامي أحمد، من أبناء الطبقة المسحوقة اجتماعيًّا في حضرموت، يقول لـ"خيوط": "نتعرض للتمييز كل يوم هنا في وادي حضرموت، ينعتوني بـ(الجعيلي) هو العبد الذي لا نسب له بين القبائل والسادة- وصل الحد إلى أن البعض لا يتحدث إليّ إطلاقًا".

العنصرية ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في اليمن، حيث تعاني الكثير من شرائح المجتمع من تمييز وعنصرية؛ إما مناطقية أو مذهبية أو سلالية أو عِرقية.

يضيف سامي: "أحببت زميلتي في الجامعة، وهي أيضًا أحبّتني، لكن عندما ذهبت إلى عائلتها رفضوني لأنني لست قبيليًّا؛ رغم أخلاقي وعملي، والمستوى الاجتماعي الجيد لي، لقد نظروا للنسب والأصول فقط دون وضع اعتبار لأي شيء آخر". ويتابع حديثه بحرقة: "لا يريدون أن "يصاهرونا" أي الزواج منهم، مع أننا غير مسؤولين عن عِرقنا ونسبنا وأصلنا"، وها هم كما يؤكد يدفعون ثمن هذا التمييز في مجتمع طبقي وقبلي بامتياز.

من جانبه، محمد العطاس، وهو من سكان منطقة حريضة في وادي حضرموت، يجزم في حديث لـ"خيوط"، بعدم وجود أي فروق بين الطبقات المختلفة من الناحية الاجتماعية، ما عدا موضوع الزواج "المصاهرة"، إذ لا ترتبط الطبقة التي تعتبر نفسها مميزة إلا من نفس أسرهم أو المنتمين لنفس طبقتهم.

علاوة على عدم وجود تمايز فيما يخص الأعمال والوظائف على الأقل في منطقته كما يؤكّد العطاس، والذي يقول: "يمكن لشخص من عامة الناس أن يترأس منصبًا، مثل مدير إدارة أو مدير عام، على عكس بقية مناطق حضرموت التي يوجد فيها تشدد، مثل بعض المناطق كوادي عمد وتريم، ويعود ذلك لأسباب وعوامل دينية".

تتماثل عادات "المصاهرة" (الزواج) بمنطقة القطن في وادي حضرموت، مع منطقة حريضة. وليد حسن، من أبناء منطقة القطن، يقول لـ"خيوط": "في منطقتي، لا يمكن أن يزوج من يطلق عليهم بـ"السادة" بناته أو أخواته أو إحدى قريباته بشخص "قبيلي" أو من بقية الطبقات الأخرى، حتى وظيفة عاقل الحارة تكون بالوراثة محصورة بين طبقة معينة، وإذا خرجت يكون العاقل تاجرًا كبيرًا، أما بالنسبة للوظائف والمناصب العليا لا بدّ أن تكون وراءه قبيلة".

مبادرات للحلول

تجدر الإشارة إلى أنّ التشريعات والقوانين اليمنية لا تتضمن في طياتها بشكل مباشر، نصوصًا تمييزية على أساس العِرق أو اللون، لكن في المقابل، لا توجد قوانين واضحة تعاقب العنصرية والتمييز، وهذا يفتح الباب أمام ممارسة التمييز واستمراره والتستر على مرتكبيه.

الناشط الحقوقي، طاهر مدار، له رؤيته الخاصة فيما يتعلق بالتمييز في المجتمع اليمني، إذ يعتبر في حديثه لـ"خيوط"، أنّ العنصرية ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في اليمن، حيث تعاني الكثير من شرائح المجتمع من تمييز وعنصرية؛ إما مناطقية أو مذهبية أو سلالية أو عِرقية.

ويرى طاهر أنّ معالجة هذه العنصرية تتطلب من الجميع، وفي مقدمتهم الإعلاميون، وخطباء المساجد والمرشدون، والسلطات المحلية، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية ذات العلاقة، القيامَ بدورها في توعية المجتمع، من خلال تكثيف الندوات والمحاضرات واللقاءات التي تفنّد وتنبذ التمييز، وعبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.

ويعدّ الاعتراف بالعنصرية كظاهرة مجتمعية موجودة، خطوة أساسية في سبيل مواجهتها واجتثاثها من المجتمع، ثم إسقاط الألقاب، وتجريم أي ممارسة عنصرية دستوريًّا في كل المرافق والأماكن وعلى مختلف المستويات، ثم الاتجاه إلى نشر الفكر والوعي لتعزيز نبذ تلك المظاهر العنصرية وإشراك المهمشين والفئات الضعيفة في الوظائف وتمكينهم من الوصول لمواقع صنع القرار من أجل تجسيد قيم العدل والمساواة والمواطنة المتساوية، لإذابة التمييز العنصري، وكذلك العمل على تأهيل كوادر هذه الفئات، لا سيما الشباب، ثقافيًّا وسياسيًّا وحقوقيًّا؛ ليتمكنوا من الدفاع عن حقوقهم ومواجهة هذا التحدي بأنفسهم.

•••
سميرة سالم

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English