أطفالٌ يترصدهم وحش الاغتصاب

"دارس" يدفع ثمن خلافات الكبار في وصاب
خيوط
January 31, 2024

أطفالٌ يترصدهم وحش الاغتصاب

"دارس" يدفع ثمن خلافات الكبار في وصاب
خيوط
January 31, 2024
.

تحقيق: حاشد الشبلي & محمد الطياري

"لم أتخيل يومًا أن أشاهد طفلي وعكازة أيامي مضرجًا بدمائه"، بهذه الكلمات تصف والدة الطفل دارس (8 سنوات) ما حدث لطفلها الذي وقع ضحية للاغتصاب من قبل مجموعة من الأشخاص، في مديرية وصاب العالي بمحافظة ذمار (جنوبي العاصمة صنعاء). 

وتتابع بنبرة صوت مرتجفة: "كان طفلي وعكازة أيامي يرعى الأغنام في حقلنا أسفل القرية، عندما سمعنا صراخ أخيه الأصغر؛ فهرعنا لنجدته ووجدناه مضرجًا بدمائه ينزف الدم من مؤخرته نتيجة طعنة بشفرة حادة (خنجر)، وبجواره أخوه الذي يصغره بعامين يبكي بحرقة، فلم أتخيل أنّ هذه الدماء التي تتدفق من دبر طفلي هي المحاولة الأخيرة لإخفاء جريمة اغتصابه"، وقد حصلنا على مقطع فيديو مصور للطفل وهو طريح الفراش لا يقوى على الحركة، يشكي ما حدث له. 

تزايدت جرائم اغتصاب الأطفال في اليمن بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، بوصفها نتيجة مباشرة للحرب وغياب السلطة وسيادة القانون، وتمكن الغالبية العظمى من مرتكبي تلك الجرائم من الإفلات من العقاب بسبب خوف الأهالي من الوصمة والتشهير، وضعف مؤسسات الأمن والقضاء ومؤسسات حماية ورعاية الطفل في القيام بواجبها، وخاصة في المناطق الريفية التي يمثل سكانها قرابة سبعين في المئة من سكان اليمن، البالغ تعداده قرابة ثلاثين مليون نسمة، حسب تقرير منظمة سياج لحماية الطفولة. 

صرخة الأم

باتت قضايا الاغتصاب في اليمن من القضايا التي تكاد أن تتحول إلى ظاهرة تهدد المجتمع بكافة فئاته، ومن الصعب اكتشاف مثل هذه القضايا والحديث عنها علنًا؛ بسبب العار الذي سيلحق بضحايا هذه الجرائم، الذي يتحول عادةً إلى وصمة تلاحقهم، في مجتمع محافظ كهذا. 

تواصل والدة الطفل دارس حديثها لـ"خيوط": سألت طفلي ما الذي حدث له، فكانت إجابته كصاعقة شقت صدري وأفقدتني صوابي"؛ "شباب أقدموا على اغتصابي ثم طعني بخنجر (في نفس المكان)"، هكذا أجابها طفلها وهو يرتجف خوفًا وذعرًا مما تعرض له، تتابع بالقول: "حاولت لملمة نفسي، فاحتضنته وأنا أصرخ بحرقة ودمع عيني لا يتوقف، كان والده بجواري حائرًا مثلي في أمره، وحولنا رجال من القرية، أخذنا طفلنا الذي لا يقوى على المشي إلى مستشفى "الدن" الريفي، بمديرية وصاب العالي، وهناك أبلغَت إدارة المستشفى إدارةَ أمن مديرية وصاب العالي، الذين أسرعوا في تثبيت القضية ومتابعة الجناة".

حادثة الاغتصاب سبّبت للطفل أزمة نفسية أدخلته في حالة صراع مع ذاته ومع من حوله، حيث أصبح مصابًا بانفصام في الشخصية، إضافة إلى تمكن الخوف من التحكم بقدراته العقلية والذهنية، ما أفقده الرغبة في الحديث مع الجميع، إلى جانب زيادة خوفه من كل ما حوله، حتى أفراد أسرته يخاف الحديث معهم.

يكشف التقرير الصادر من مستشفى الدن الريفي بمركز مديرية وصاب العالي، بتاريخ 2 سبتمبر/ أيلول الماضي 2023، وجود ثلاثة خدوش "سحجية" محمرّة متفرقة في الجهة اليسرى للقفص الصدري، طول كل واحدٍ منها 1.5 سم، بعرض 1 سم، إضافة إلى احمرار مسودّ باهت اللون مع وجود تورم بلون أزرق في العضلات العاصرة لفتحة الشرج، واثنين من الخدوش "السحجية" في الجهة اليسرى لفتحة الشرج، طول كلٍّ منهما نصف سنتيمتر. وهو ما أكده تقرير الطبيب الشرعي الذي عُرض عليه الطفل دارس.

ويضيف تقرير "مستشفى الدن" وجود جرح قطعي أعلى فتحة الشرج بطول 3 سم، وعمق مزق كل طبقات الجلد وما يليها، فضلًا عن خروج سائل دموي لزج من المستقيم مع وجود ارتخاء في عضلات ثنايات فتحة الشرج، وتبين من خلال الفحص المخبري للمسحة الشرجية، وجود خلايا دم حمراء. وتم إدخال الطفل غرفة العمليات لترميم الجرح القطعي أعلى فتحة الشرج. 

غياب الإنصاف والتهور

في العاشرة والنصف من صباح يوم الجمعة، وعلى دراجتهما النارية، ذهب (ع. ك) -المتهم الأول- (18 عامًا)، حسب اعترافاته في إدارة أمن مديرية وصاب برفقة (أ. ب) (20 عامًا)، المتهم الثاني حسب اعترافاته إلى مكان وجود الطفل دارس في الحقل يرعى الأغنام، بنية اغتصابه، حسب حديث المتهم الأول (ع. ك) في محضر الاعتراف لدى إدارة أمن مديرية وصاب العالي. 

ويتابع: "اتفقت مع (أ. ب) على الذهاب لاغتصاب الطفل دارس بعد عراك مع المتهم الثالث (أ. س) -حسب حديثه في محاضر الاعترافات- في سايلة الوادي ورفضه مرافقتنا في عملية الاغتصاب، ذهبت مع (أ. ب) إلى جوار البئر الذي يبعد بضعة أمتار عن مكان الحادثة، وتركنا الدراجة النارية ثم صعدنا سويًّا إلى الطفل، فجلست معه حوالي عشر دقائق قبل أن أسحبه إلى وسط الجدل (أرض زراعية)، وأقوم باغتصابه مدة لا تتجاوز دقيقة واحدة". 

ويواصل اعترافاته في محاضر جمع الاستدلالات في إدارة الأمن: "ثم جاء الدور على (أ. ب) الذي واصل عملية الاغتصاب معه مدة لا تتجاوز الدقيقة أيضًا، ثم عدت إلى دارس مرة أخرى بشفرة (خنجر صغير حاد) وقمت بطعنه في دُبره (مؤخرته)، وكانت صرخاته عالية يستنجد أخاه الأصغر لإنقاذه، فهرولنا إلى الدراجة النارية ثم لذنا بالفرار"، وهو ما يتوافق مع حديث المتهم الثاني (أ. ب) في محاضر جمع الاستدلالات وشهادة المتهم الثالث (أ. س) والمتهم الرابع (ب. ش) حسب اعترافاته. 

ويعلل المتهم الأول (ع. ك)، سبب إقدامهما على عملية اغتصاب الطفل؛ بأنه كان نتيجة لخلاف سابق مع عم الطفل، إذ يتهمه برش الأسيد (مركب كيميائي يذيب الجلد عند رشه عليه) على وجه، ما سبب له بعض التشوهات، وعندما لم يجد إنصافًا لقضيته أراد الانتقام من طفل أخيه. 

محمد الماوري مسؤول حقوق الإنسان في محافظة ذمار، يقول لـ"خيوط": "تلقينا بلاغًا باغتصاب طفل في مديرية وصاب العالي، من ممثلة حقوق الإنسان في المديرية. وبادرنا بواجبنا الإنساني والديني والأخلاقي، عند وصول الطفل دارس إلى محافظة ذمار، بما يوجب علينا تنصيب محامٍ قانونيّ للبت في القضية ومحاسبة الجناة وفقًا القانون".

يشيد الماوري بموقف والد الطفل الذي فضّل عدم السكوت على الجريمة بداعي الخوف من المجتمع، لافتًا إلى أن هناك العديد من القضايا المماثلة يفضل الضحايا فيها السكوت عنها؛ بسبب الخوف من المجتمع.

توحش ومضاعفات نفسية 

في السياق، تقول الدكتورة فايزة الرياشي أخصائية نفسية، والمشرفة على متابعة حالة الطفل دارس النفسية، لـ"خيوط": "إن حادثة الاغتصاب سبّبت للطفل أزمة نفسية أدخلته في حالة صراع مع ذاته ومن حوله، حيث أصبح مصابًا بانفصام في الشخصية، إضافة إلى تمكن الخوف من التحكم بقدراته العقلية والذهنية؛ ما أفقده الرغبة في الحديث مع الجميع، إلى جانب زيادة خوفه من كل ما حوله، حتى أسرته يخاف الحديث معهم". 

في مثل هذه الحالات، لا يُجدي الدواء نفعًا، حسب الرياشي، إذا لم يكن للأسرة والمجتمع دورٌ إيجابيّ تجاه مثل هذه الحالات، من خلال المعاملة الحسنة، وسرعة دمجه بالمجتمع والاختلاط بالأطفال، ومحاولة جعل الطفل ينسى الحادثة.

كما أنّ هناك العديد من الحالات التي تم اغتصابها بأعداد كبيرة ومخيفة؛ إلا إنهم يفضلون التستر عليها خوفًا من المجتمع، ما يجعل مرتكبي مثل هذه الجرائم يزدادون توحشًا في ارتكاب المزيد. 

يفلت غالبية مرتكبي الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال، من العقاب بسهولة، خصوصًا إذا كانوا من أقارب أو محارم الضحايا أو يستقوون بجماعات مسلحة أو شخصيات ذات نفوذ، إضافة إلى توقف أغلب المؤسسات غير الحكومية اليمنية المتخصصة في حماية ومناصرة حقوق الطفل منذ اندلاع الحرب مطلع العام 2015.

في حين أنّ تفضيل الصمت عن الإبلاغ في مثل هذه القضايا من غالبية أولياء الضحايا خوفًا من وصمة العار، يؤدي إلى زيادة معدلات الجرائم بحق الأطفال بصورة غير مسبوقة، وباتت تمثّل تهديدًا حقيقيًّا لمنظومة القيم الإنسانية والأمن والسلم الاجتماعي والتنمية، وغيرها من الآثار الخطيرة، حسب حديث الناشط الحقوقي غانم الصيادي. 

إغراءات ومتاعب

بعد انكشاف أمر الجناة شعرَ ذووهم بالعار تجاه الحادثة، ما جعلهم يسرعون إلى دفع ملايين الريالات مقابل التنازل عن القضية قبل تحويلها إلى النيابة العامة في محافظة ذمار، عبر عدة شخصيات اجتماعية، ومن ضمنها الشيخ صالح العفيف، أحد وجهاء عزلة الجدلة (منطقة وقوع الحادثة)، الذي تحدث لـ"خيوط". 

يتابع: "رفضنا كما رفض والد الطفل التنازل عن القضية؛ فالسمعة والتشهير لا شيء مقابل الجريمة المروعة التي تمس عرضنا وتخدش في عقيدتنا وتخالف أخلاقنا وقيمنا الدينية، ولا مجال للصلح في هذه القضية إلا بتطبيق شرع الله في الجناة"، حد قوله.

يرجح العفيف أن سبب تأخر القضية في ابتدائية وصاب لأكثر من ثلاثة أشهر دون تحويلها إلى نيابة ذمار للبت فيها، قد يكون لأيادٍ فاعلة تحاول الضغط على أسرة المجني عليه للقبول بالتنازل عن القضية والقبول بالتعويض، لافتًا إلى أن قضية اغتصاب الطفل دارس جريمة دخيلة على المجتمع؛ إذ تخدش في الأخلاقيات والقيم الدينية؛ ويصف العفيف القضية بالصادمة والمهولة على المجتمع الوصابيّ خاصة، واليمني عامة. 

ويؤكد محامي الطفل عبدالله العَمري أن تأخُّر القضية لأكثر من ثلاثة أشهر في ابتدائية وصاب العالي دون تحويلها إلى نيابة ذمار للبتّ فيها وسرعة محاسبة الجناة؛ ناتجٌ عن أسباب وتداعيات فاعلة تسببت في عرقلة تطبيق القانون.

ما يتم الإبلاغ عنها من قضايا اغتصاب الأطفال إلى المنظمات أو القضاء أو الشرطة، نسبته لا تتجاوز 5% من مجمل القضايا، بينما هناك أكثر من 95% من قضايا العنف يتم السكوت عنها خوفًا من وصمة العار في مجتمع محافظ.

من جهته، يقول والد الطفل: "واجهت العديد من المتاعب عند متابعتي للقضية في محافظة ذمار، منها استغلال غيابي عن المنزل والمزرعة، ما جعل بعض الأشخاص يُقدمون على تسميم المواشي وتكسير الأشجار في المزرعة"، وهو ما أكّده الطبيب البيطري لوالد الطفل عند شرح حالة وفاة المواشي، الذي أوضح أن المواشي المملوكة لوالد الطفل المجني عليه "ماتت بفعل التسمم"، حسب حديثه.

تنصّ المادة (269) من القانون اليمني، رقم (12) لسنة 1994، بشأن الجرائم والعقوبات، على أنه "يعاقَب بالحبس مدةً لا تزيد على سبع سنين كل من اعتدى بالاغتصاب على أي شخص، ذكرًا كان أو أنثى، دون رضاه، وتكون العقوبة الحبس مدةً لا تقلّ عن سنتين ولا تزيد على عشر سنين إذا ارتكب الجريمة شخصان فأكثر، أو كان الجاني من المتولين الإشراف على المجني عليه أو حمايته أو تربيته أو حراسته أو معالجته أو أصيب المجني عليه بسبب الحادث بضرر جسيم في بدنه أو صحته، أو حملت المجني عليها بسبب الجريمة.

وتكون العقوبة الحبسَ مدةً لا تقلّ عن ثلاث سنوات، ولا تتجاوز خمس عشرة سنةً، إذا كانت المجني عليها لم تبلغ الرابعة عشرة، أو نتج عن الفعل انتحار المجني عليها"، ويُعدّ اغتصابًا كلُّ إيلاج جنسي جرى ارتكابه على شخص الغير، ذكرًا كان أو أنثى، دون رضاه، بحسب القانون اليمني. 

الإبلاغ والتوعية الشاملة 

يُرجع مسؤولون وناشطون في منظمات أهلية عاملة في مجال الطفولة أسباب ارتفاع حالات الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال بشكل كبير في اليمن خلال سنوات الحرب، إلى توسع حالات النزوح والمخيمات المزدحمة وغير الملائمة للعيش الجماعي للنازحين.

فضلًا عن أن ما يتم الإبلاغ عنه من قضايا اغتصاب الأطفال إلى المنظمات أو القضاء أو الشرطة، نسبته لا تتجاوز 5% من مجمل القضايا، بينما هناك أكثر من 95% من قضايا العنف الجنسي لا يتم الإبلاغ عنها خوفًا من وصمة العار في مجتمع محافظ. 

من جهته، يرى نائب حقوق الإنسان في محافظة ذمار، إبراهيم العفارة، في حديثه لـ"خيوط"، أن حالات الاغتصاب التي تحصل لا يمكن علاجها إلا بالتوعية الشاملة في كل المجالات، فالطفل يجب توعيته من الأسرة ومراقبته ومتابعته قبل دخوله المدرسة، حيث يجب تنبيه الأطفال بحسن اختيار الأصدقاء المناسبين والابتعاد عن رفاق السوء، فضلًا عن توعية المجتمع بمحاربة مثل هذه الجرائم الدخيلة في المجتمع، خصوصًا المجتمعات الريفية التي تشكل غالبية سكان اليمن.

ويؤكّد العفارة أنّ على الجهات المسؤولة والقانونية سرعة البتّ في الجرائم التي تنتهك حقوق الأطفال وعدم التهاون معها، لردع كلِّ من تسول له نفسه الخوض في جرائم كهذه تنتهك الطفولة والإنسانية والفطرة السوية.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English