أطفال في جبهات القتال لضمان الجنة

الحرب تفكك النسيج الأسري والاجتماعي في اليمن
عمر دماج
November 29, 2021

أطفال في جبهات القتال لضمان الجنة

الحرب تفكك النسيج الأسري والاجتماعي في اليمن
عمر دماج
November 29, 2021
Photograph ©, Yahya Arhab-EPA

للحرب تبعات ضاربة وقوية في جسد المجتمع اليمني، حيث أدت إلى تدهور معيشة نسبة كبيرة من السكان، في ظل تضخم جنوني لأسعار المواد الأساسية،  ناهيك عن الحرمان من الغذاء والحصول على الخدمات الصحية، ما جعل الأطفال أكثر عرضة لتبعاتها المأساوية في مختلف المناطق، خصوصًا الريفية.

وأثر التدهور المعيشي للكثير من الأسر على قدراتها الإنفاقية واهتمامها في تعليم أبنائها، وهو ما جعل كثيرًا من الأطفال يتسربون من الفصول الدراسية والهروب من الضغوطات المعيشية التي ترزح تحت وطأتها نسبة كبيرة من الأسر اليمنية، في ظل استقطاب هذه الفئة من قبل أطراف الحرب الدائرة في اليمن والتي يعد الأطفال واليافعون أكثر ضحاياها.

في السياق، يتحدث المواطن الأربعيني ناصر أحمد، من سكان محافظة إب وسط اليمن، لـ"خيوط"، عن كارثة الحرب في العبور بالطفولة إلى الموت، وصعوبة سيطرة الآباء على أبنائهم، بالقول: "ولدي في سن الرابعة عشر، كان يتناول نبتة القات والسجائر، حاولت نصحه ومنعه عن هذه الآفات لكن دون جدوى، رغم أن الأمر وصل إلى الضرب ومنعه الخروج من البيت"، مضيفًا أنه عندما شعر بسجن البيت، فر إلى مكان مجهول، ولم يعد إلا جثة هامدة بعد أن تم استقطابه وتجنيده في الحرب والمعارك الدائرة مؤخرًا في مأرب.

طرق وأدوات الاستقطاب

ويدفع الأطفال والمراهقون الذين لم يبلغوا الثامنة عشر من العمر، ضريبة الحرب بأثمان باهظة، هي أرواحهم التي تزهق بدم بارد، حيث يؤكد مواطنون وأرباب أسر في عدد من المحافظات شمال ووسط اليمن، التي تشهد حملات استقطاب مكثفة لتجنيد الأطفال، أنه يتم إغراء أبنائهم بالمال وجذبهم للمراكز الصيفية وأنشطة مماثلة، وانخراطهم في دورات تأهيلية دينية تغير تفكيرهم بما يؤدي إلى تحمسهم وتحفزهم للذهاب إلى جبهات القتال.

حسب أخصائية نفسية واجتماعية فقد زاد عدد الأطفال المنخرطين في الصراع الدائر في اليمن خلال السنوات الست الماضية، حيث لعبت الحرب دورًا كبيرًا في اتساع الفجوة بين الآباء والأبناء، وأصبحت الرقابة شبه معدومة، في ظل ظروف اقتصادية قاهرة جعلت الآباء يركزون كثيرًا على البحث عن مصدر دخل لإعالة أسرهم.

ويتحدث المواطن ناجي صالح، من سكان ريف إب لـ"خيوط"، بالقول، إن التصعيد العسكري من قبل أطراف الصراع في المناطق الشرقية والغربية من اليمن، يتم فيها استقطاب اليافعين بطرق مختلفة، كالجهاد الواجب لضمان الجنة؛ كون هذه الفئة الأكثر تأثرًا بالأفكار الجديدة والدخيلة، التي تستخدمها أطراف الصراع لجذب أكبر قدر من المقاتلين الصغار.

ويردف صالح: "إن هناك الكثير ممن يقومون بمهمة الاستقطاب في كل المناطق كقيادات دعوية، وبالتحديد في الأرياف، كوظيفة وتكليف لا يقل أهمية عن القتال الحاضر بالنفس، كتربية جيل ينتفع به في الاقتتال مستقبلًا، من خلال تحويل المدارس كمنابر لخطابات الجذب والتلغيم الفكري، ومحو كل ما يدعو للتمسك بالهُوية اليمنية".

ناهيك عن ترسيخ أيديولوجيات منافية للقيم التي تكتنفها البيئة المسالمة والبسيطة في كثير من المجتمعات اليمنية، كما أن المراكز الدينية والدورات الصيفية، تنطوي تحتها أهداف أخرى غير المعلن عنها، تستهدف الطفولة بشكل مباشر.

ولا يقتصر الأمر على استهداف المدنيين وسقوط ضحايا من الأطفال، بل في الاستخدام الهائل لهذه الفئة في العمليات القتالية وتجنيدهم والزجّ بهم في المعارك الدائرة على أكثر من جبهة منذ العام 2015، قبل أن تنحصر مطلع العام الحالي 2021، في محافظة مأرب التي تشهد معارك طاحنة وسقوط قتلى بأعداد كبيرة من الطرفين.

مع ارتفاع حدة المواجهات والمعارك مؤخرًا في محافظة مأرب، زادت معها وتيرة تجنيد المقاتلين من الأطفال القاصرين الذين تم انتزاع الأقلام من أيديهم وإحلال البنادق بدلًا عنها، وتحولوا في ليلة وضحاها إلى مقاتلين. قُتل الكثير منهم، ومن حالفه الحظ وكُتب له النجاة، عاد إما بعد تجربة اعتقال، أو بإعاقة دائمة أو إصابة جسدية أو نفسية.

دور الأسرة

ظروف الحياة القاسية التي تمر بها الكثير من الأسر في اليمن، جعلت أطفالها أكثر عرضة للتشرد والضياع؛ الأمر الذي أدّى إلى توفير بيئة خصبة للانخراط في الصراعات والوقوع ضحايا لاستقطاب أطراف الحرب.

المواطن حسن أحمد، يؤكد لـ"خيوط"، أنه لم يستطع منع ابنه (17 سنة) من الذهاب إلى الدورات الصيفية لدى جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وحسب قوله من أنه تغيب عن البيت لأكثر من شهرين دون أن تعلم أسرته عنه شيئًا، وعاد بعد ذلك بفكر مختلف تمامًا، وأكثر حبًّا للموت من الحياة.

يضيف حسن بالقول: "وضعية ابني دفعتني إلى بيع ذهب زوجتي وبناتي المتزوجات، وشراء فيزا وتسفيره للعمل خارج اليمن". ويتابع: "استطعت أن أحميه من الموت بالغربة، رغم شدة وطأة البعد، لكنها أفضل من الضياع وراء المجهول".

يجد أرباب الأسر صعوبة بالغة في السيطرة على نمط حياة الأبناء في ظل ظروف الحرب الراهنة التي تمهد الطريق أمامهم للعبور بسهولة إلى الاستقطاب والمشاركة في المعارك.

تعتبر الأخصائية النفسية والاجتماعية فاطمة رسام، في حديث لـ"خيوط"، أن الأسرة بمثابة نواة للمجتمع الصحي، وفي الغالبية العظمى من الحالات تكون الأسرة هي المكان الأنسب والأكثر أمانًا للأطفال، ولكن لسوء الحظ فإن هذه ليست قاعدة عامة؛ فبعض الأطفال يمكن أن يكونوا معرضين لخطر الاستغلال أو الإهمال داخل الأسرة نفسها، ويصبح الوضع أشدّ خطورة في حالة وجود عنف داخل الأسرة، ما يجعلهم أكثر تشردًا وخروجًا عن طور النسيج الاجتماعي الأسري، وأكثر استقطابًا للنزاعات.

كما أن هناك أسبابًا أخرى صنعتها الحرب وتجسد أثرها في المجتمع، كالبطالة التي فاقمت من الوضع المعيشي، وجعلت أفراد الأسرة بالتحديد الشباب والأطفال أكثر ميولًا للصراعات، حسب قول رسام.

حسب رسام، فقد زاد عدد الأطفال المنخرطين في الصراع الدائر في اليمن خلال السنوات الست الماضية، حيث لعبت الحرب دورًا كبيرًا في اتساع الفجوة بين الآباء والأبناء، وأصبحت الرقابة شبه معدومة، في ظل ظروف اقتصادية قاهرة جعلت الآباء يركزون كثيرًا على البحث عن مصدر دخل لإعالة أسرهم.

الهروب إلى الحرب

يجد أرباب الأسر صعوبة بالغة في السيطرة على نمط حياة الأبناء في ظل ظروف الحرب الراهنة التي تمهد الطريق أمامهم للعبور بسهولة إلى الاستقطاب والمشاركة في المعارك، إذ تؤكد الأخصائية النفسية والاجتماعية فاطمة رسام أن ضغوط الأسرة على الأبناء في واقع كهذا، تجعلهم أكثر عجرفة وتمكنهم من التهرب والضياع، والتسرب من البيت، حيث إن الحرب فرشت الطريق للأطفال؛ لمنحهم مساحة واسعة من الحرية والنفاذ من سجن الأسرة، كما يعتقدون.

وكشفت الأمم المتحدة، كما ورد في تقرير سابق نشرته "خيوط"، عن ارتكاب 4184 انتهاكًا جسيمًا في حق 1287 طفلًا في اليمن (944 فتى و343 فتاة)، والتحقق من وقوع 63 انتهاكًا جسيمًا في حق 54 طفلًا (43 فتى و11 فتاة) في السنوات السابقة، والتي تشهد فيها البلاد حربًا وصراعًا مسلحًا، منذ نحو ست سنوات. 

وتحققت الأمم المتحدة، كما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة السنوي للأطفال والنزاع المسلح لعام 2020، من تجنيد واستخدام 163 طفلًا (134 فتى و29 فتاة) من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) (115)، والقوات المسلحة التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا (34)، وقوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من قبل دولة الإمارات (10)، وجناة كما وصفهم التقرير "مجهولي الهوية" (4). 

واستُخدم معظم الأطفال (92) في مهام قتالية، وكان الثلث من هؤلاء الأطفال ضحايا لانتهاكات أخرى خلال فترة ارتباطهم بأطراف النزاع، بما في ذلك القتل والتشويه. وبالإضافة إلى ذلك، جرى التحقق في وقت لاحق من تجنيد واستخدام 9 فتيان؛ من قِبل أنصار الله (الحوثيين) (8)، والقوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا (1). 

وتشدد عديد من الاتفاقيات والمواثيق الأممية والدولية على منع وحظر مشاركة الأطفال فـي النزاعات المسلحة، إذ لا يجــوز أن تقــوم المجموعــات المســلحة المتميــزة عــن القــوات المســلحة لأي دولــة فــي أي ظرف بتجنيـد أو اسـتخدام الأشـخاص دون سـن الثامنـة عشـرة فـي الأعمـال الحربيـة.

كما يتم إلزام جميع الدول الموقعة على الاتفاقيات والمواثيق الدولية في هذا الخصوص باتخاذ جميــع التدابيــر الممكنــة عمليًّــا لمنــع هــذا التجنيــد والاســتخدام، بمــا فــي ذلــك اعتمــاد التدابيــر القانونيــة الإلزامية لحظــر وتجريــم هــذه الممارســات.


* تحرير خيوط


•••
عمر دماج

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English