تغيير أسماء المدارس ضمن أدوات الصراع

في فداحة العبث بالذاكرة المكانية للتعليم
خيوط
January 24, 2021

تغيير أسماء المدارس ضمن أدوات الصراع

في فداحة العبث بالذاكرة المكانية للتعليم
خيوط
January 24, 2021
الصورة ل: محمد الصلوي

منذ الانعطافة الكبرى للحرب الدائرة في اليمن في مارس/ آذار2015 ، شهدت العاصمة صنعاء، وكثير من المحافظات اليمنية، موجة تغيير واسعة لأسماء المدارس والمباني التعليمية بخلاف السنوات السابقة. طال التغيير عددًا من المدارس الحكومية والأهلية والقاعات الجامعية على حد سواء، لا سيما المدارس القديمة، وهذا التغيير أحدث جدلًا واسعًا وردود أفعال غاضبة في أوساط المجتمع اليمني.

يتحدث "لخيوط" أحد المعلمين في مدرسة حكومية وسط العاصمة صنعاء (فضّل عدم ذكر اسمه)، التي تم تغيير اسمها منتصف العام المنصرم 2020، معتبرًا تغيير أسماء المدارس خلال السنوات الأخيرة، عملية موجهة "لطمس ما ترسخ في ذاكرة الأجيال من تاريخ البلاد". وحسب تعبيره، فإن الفئة المستهدفة من تغيير أسماء المدارس، وبعض صفحات ومسميات الكتب المدرسية، هم الطلبة، وبالتحديد طلبة المرحلة الأساسية؛ بصفتهم أقل وعيًا وأكثر قابلية للتأثر ببيئة المؤسسة التعليمية. كما يتحدث هذا المعلم أنه ترك مهنة التدريس بسبب ما وصفها بـ"الطائفية"، والأفكار التي قال إن الجماعات المتحاربة تفرضها في قطاع التعليم، بالإضافة إلى توقف صرف الرواتب منذ سبتمبر أيلول 2016، وهذا ما قال إنه دفع به وبالكثير من المعلمين إلى مغادرة المدارس والبحث عن مصدر رزق آخر للحصول على لقمة العيش.

مسميات تعزز الصراع

  في مدرسة خالد بن الوليد في العاصمة صنعاء، تحدث لـ"خيوط" مدرّس آخر لا يزال يمارس عمله التربوي، رغم توقف صرف الرواتب منذ أربع سنوات. يقول المدرّس الذي لم يرغب أيضًا في ذكر اسمه تفاديًا لأي ضرر قد يلحق به، إن "من اللازم أن تكون وزارة التربية والتعليم مستقلة في مزاولة مهامها"، وأنه لا يجدر بالمؤسسة التعليمية أن تنتمي لأي طرف من أطراف النزاع، لكي تحقق المصلحة العامة.

ويأسف المدرّس المثابر في أداء واجبه التربوي تحت كل الظروف الصعبة، لكون وزارة التربية والتعليم "أصبحت مطلبًا مهمًّا لدى جميع الأحزاب والجماعات، لترسخ كل جماعة أو حزب يتولى إدارة الوزارة، العقائد والأيدلوجيات التي تعود لصالح الحزب نفسه أو الجماعة نفسها". ويضيف أن إقحام المؤسسة التعليمية في النزاع يبتعد بها "كل البعد" عن سمو رسالتها والتقدم الذي يفترض أن تحرزه في مستوى التعليم وطمس منسوب الجهل والتخلف. كما يشير إلى ما بات يلاحظه اليوم جميع المشتغلين في الحقل التربوي، "من تغيير جذري لمحتوى التعليم حسب التوجه والمعتقد"، واصفًا ما يحدث بـالمرآة التي تعكس صراعات الماضي بشكل واضح.

وأردف بالقول إن وزارة التربية والتعليم كانت إلى ما قبل الحرب الدائرة حاليًّا بيد حزب التجمع اليمني للإصلاح، وعندما آلت إليه إدارة شؤون الوزارة تم تغيير اسم هذه المدرسة من "مدرسة الثورة" إلى "مدرسة خالد بن الوليد"، ثم جاءت جماعة أنصار الله (الحوثيين) وآلت إليها السلطة على غالبية المحافظات الشمالية، فتم تغيير اسم المدرية من "خالد ابن الوليد" إلى "مدرسة الإمام الهادي". وأكمل حديثه بأن "هذه القرارات تحدث انطباعًا وأثرًا سلبيين لدى المدرسين والطلبة"، وأن الإقدام على تغيير أسماء المدارس يدفع بالكثير من المدرسيين للتخلي عن عملهم التربوي، كما قد يمنع أولياء الأمور أبناءهم من ارتياد المدارس، وبذلك يرتفع منسوب الجهل يومًا بعد آخر.

بتتبع الجوانب السلبية التي خلفها تغيير أسماء المدارس والمنشآت التعليمية، بالإضافة إلى ترويج الأفكار عن الصراع الطائفي في المناهج الدراسية، يخشى المدرسون غير المنخرطين في الصراع وكذلك أولياء أمور الطلبة، من أن تدفع مثل هذه الإجراءات أبناءهم لممارسة أعمال عدوانية ومنافية للتسامح والتعايش

مدارس الدرعية والرياض في المهرة

في25 ديسمبر/ كانون الأول 2020، خاطب مدير مكتب البرنامج السعودي وإعمار اليمن، محافظ محافظة المهرة- شرقي اليمن، بتسمية ثماني مدارس قام بإنشائها البرنامج السعودي في المحافظة، وذلك بناءً على توجيه المشرف العام على البرنامج. تضمنت المذكرة تسمية المدارس الثمان بأسماء مدن سعودية، هي: الدمام، الرياض، الدرعية، أبها، تبوك، المدينة المنورة، ومكة المكرمة. 

تمت الاستجابة لتوجيهات المشرف السعودي من قبل المحافظ اليمني بدون نقاش. وقد أثار هذا القرار غضبًا واستياءً في أوساط أهالي المهرة خاصة، واستنكره نشطاء يمنيون كثر على مواقع التواصل الاجتماعي. فعلى الرغم من ممارسة التسلط على اليمنيين من قبل مسؤولي دول الجوار، إلا أن وصول الأمر إلى فرض تسميات للمؤسسات التعليمية من شأنه أن يثير احتقانات على المدى البعيد، ناهيك عن الأثر السلبي على العملية التربوية والتعليمية. 

في سياق ذلك، عبر نشطاء من أهالي المهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، عن رفضهم لهذا الإجراء، معتبرين ذلك استهدافًا للهوية الوطنية واستيراد ثقافة لا تمت لأهالي المحافظة بصلة. كما أفاد نشطاء آخرون بأن هذا القرار جاء عقب ما سموها ضغوطات مارسها البرنامج السعودي على مكتب التربية والتعليم في المهرة، كشرط لحصول الأخير على الدعم اللازم لبناء وتأهيل المدارس.

وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول2020 ، صدر قرار مكتب التربية والتعليم في محافظة حجة بتغير أسماء 7 مدارس حكومية إلى أسماء أخرى.

وقد تحدث "لخيوط" ولي أمر الطالب أسامة في مدرسة الوحدة شرقي عبس في محافظة حجة، بشأن هذه التغييرات الطارئة لأسماء المدارس، معربًا عن قلقه من تأثير ذلك على رغبة الطلاب في الذهاب إلى المدرسة وعلى مستواهم التعليمي. يقول أبو أسامة: "يجب أن يكون هناك تحييد للعملية التعليمية وإبعاد الطلاب عن السياسة والأفكار الطائفية والمناطقية والصراع العقائدي؛ لينالوا حقهم في التعليم، بعيدًا عن الصراع والتشرذم، باعتبارهم قادة مستقبل اليمن لا طُعمًا للحرب الدائرة".

وفي  4أبريل/ نيسان2020 ، صدر قرار مدير مكتب التربية والتعليم بمحافظة صنعاء بتغيير أسماء خمس مدارس حكومية إلى مسميات جديدة، في إجراء عكس عدم المبالاة إزاء تعميق أبعاد الصراع الراهن على نحو يسلب الماضي دوره في أخذ العبرة، ويفخخ مستقبل الجيل القادم من أطفال اليمن. 

وتحدث "لخيوط" لؤي عامر أحد طلاب مدرسة بابل، التي تم تغيير اسمها إلى "مدرسة 21 سبتمبر" مؤخرًا، معبرًا عن استيائه من تدني جودة التعليم، وبث أفكار عدائية في عقول الطلاب، وفرض ترديد شعارات لا تمت للتحصيل العلمي بصلة. وأضاف لؤي أنه تم في مدرستهم، فرض أنشطة تختص بـ"التوعية الجهادية" في إذاعة الصباح، والتحدث عن الانتصارات الحربية، وإعادة التعريف بشخصيات من الماضي- حسب إفادته.

 وفي 7 سبتمبر/ أيلول 2020، صدر قرار وكيل وزارة التربية لقطاع التعليم، بإلزام المدارس الأهلية بتغيير تسميات المدارس "ذات المسمى الأجنبي"، وهو قرار سبق إصداره والتشديد على تنفيذه منذ السنوات الأربع الماضية على الأقل. 

وفي مديرية جبلة بمحافظة إب، تم تغيير اسمي مدرستين هما: "مجمع الصالح الثانوي للبنين" إلى "مجمع الشهداء"، و"مدرسة الثورة للبنات" إلى "مدرسة فاطمة الزهراء". كما تم تغيير اسم "مدرسة الشهيد علي عبدالمغني"، قائد الضباط الأحرار ومهندس ثورة 26 سبتمبر، إلى "مدرسة الحسن بن علي" في بلاد الروس، ضمن نطاق اختصاص مكتب التربية والتعليم بمحافظة صنعاء.

تغيير غير ضار

بتناول سلسلة من التغييرات المستمرة لأسماء المدارس في اليمن، ومشاعر الاستياء والاحتقان من قبل المجتمع إزاء هذه القرارات ومتخذيها، تتحدث "لخيوط" إحدى طالبات مدرسة نعمة رسام في مدينة تعز، عن نوع مختلف من تغيير الأسماء، وهو ذلك الذي يأتي على شكل تكريم لرواد العملية التعليمية. تذكر هذه الطالبة كنموذج لذلك، تغيير اسم "مدرسة سبأ" إلى "مدرسة نعمة رسام"؛ التربوية التي كانت مديرة للمدرسة حتى يوم وفاتها بحادث مروري، بينما كانت في مهمة تربوية لصالح طالبات المدرسة. ومع ذلك، يبقى تغيير أسماء المنشآت التعليمية أمر ينبغي دراسته من جميع الجوانب، سواء المتعلقة بذاكرة الطلبة، أو بالتراكم الوجداني للمؤسسة التعليمية في نفوسهم.

تغيير شمولي للأسماء
لم يقتصر تغيير التسميات على المدارس فقط، فقد شمل التغيير قاعات الجامعات والعديد من المراكز التعليمية.
ناصر، أحد طلاب جامعة صنعاء، تحدث "لخيوط" عن أن هناك "هيكلة جديدة" لأسماء القاعات الدراسية في الجامعات، واصفًا ذلك بـ"الخطوة السلبية جدًّا". وقال إنه تم تغيير أسماء قاعات لأساتذة جامعيين كرسوا حياتهم في خدمة العلم والتعليم، ومن ذلك "قاعة البروفيسور منصور الأديمي" في كلية التجارة والاقتصاد، والتي تم تغيير اسمها إلى "قاعة الشهيد الصماد". ويضيف أنه لا يجب أن يكافأ من أفنوا حياتهم في خدمة التعليم بالنسيان وطمس ذكراهم حتى من مسمى لقاعة دراسية.

بتتبع الجوانب السلبية التي خلفها تغيير أسماء المدارس والمنشآت التعليمية، بالإضافة إلى ترويج الأفكار عن الصراع الطائفي في المناهج الدراسية، يخشى المدرسون غير المنخرطين في الصراع وكذلك أولياء أمور الطلبة، من أن تدفع مثل هذه الإجراءات أبناءهم لممارسة أعمال عدوانية ومنافية للتسامح والتعايش، باعتبار اليمنيين أسرة واحدة. هذا ما تحدث عنه مدرّس في مدرسة الثورة في مدينة إب، حيث قال إن "الخوف يزور كل البيوت في اليمن؛ خوف من التعليم السلبي، وخوف الذهاب إلى مستنقع الموت، وخوف الانجرار وراء الأفكار الطائفية، وخوف الإيمان العقائدي المبني على التعصب المذهبي".

كان التعليم ولا يزال هو الطريق الذي يقود الإنسان إلى الضوء، وبدون التعليم يظل المرء حبيس الجهل والظلام، ولا توجد دولة ناجحة إلا والتعليم رائدها وأهم اهتماماتها

وأردف بالقول إن طلاب المدارس "مهددون بشكل كبير في الوقت الحاضر، وبالتحديد طلاب المرحلة الأساسية، بالانجراف نحو تطبيق الأفكار العدائية وترديدها"، ولذلك يقول إن غالبية الآباء في هلع وخوف، ويزورون أبناءهم بشكل دوري في المدارس، حيث لا خيار أمامهم؛ إما أن يتركوهم في البيوت بدون تعليم، أو الذهاب بهم إلى المدارس، حيث يمكن أن يقعوا فريسة لمن يروّج أفكار التعصب وعدم التسامح المذهبي، وأنهم في نهاية المطاف، "يختارون إرسال الأبناء إلى المدارس، ولو كلفهم الأمر التنقيب اليومي عن ماذا تعلموا، وتصحيح كل فكرة خاطئة يتعلمونها في المدارس رغم صعوبة الإقناع أحيانًا"- حسب تعبيره.

خلاصة
كان التعليم ولا يزال هو الطريق الذي يقود الإنسان إلى الضوء، وبدون التعليم يظل المرء حبيس الجهل والظلام، ولا توجد دولة ناجحة إلا والتعليم رائدها وأهم اهتماماتها، وأبرز مثال على ذلك، اليابان وسنغافورة، والكثير من الدول المتقدمة، التي صبّت اهتمامها بالدرجة الأولى على التعليم النوعي والمفيد لبناء مستقبل يتسلّح فيه الإنسان بالعلم والتسامح والتعايش. وعلى الرغم من مرور اليمن بمراحل شديدة القسوة من الصراعات الدامية، إلا أن التعليم فيها ينحدر سنة بعد أخرى نحو التدهور على طريق الانكماش، وكل ذلك، نتيجة عدم الاستقرار وتجدد الحروب وتوظيف المراكز التعليمية في خدمة المصالح السياسية للأطراف المتصارعة.

وفي مواجهة كل أعاصير الصراعات الأيديولوجية والحروب والاعتداءات الخارجية، إلا أن الأمل يظل سلاح اليمني في مواجهة صروف الدهر، ومحاولة بناء مستقبل نظيف من الصراعات الماحقة والدماء.


نماذج لتغيير أسماء المدارس
نماذج لتغيير أسماء المدارس

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English