النحَّالون في لحج وظروف الحرب

يجابهون قسوة الطبيعة ومصاعب الغلاء بدون حماية
بلال عبد اللطيف
November 13, 2022

النحَّالون في لحج وظروف الحرب

يجابهون قسوة الطبيعة ومصاعب الغلاء بدون حماية
بلال عبد اللطيف
November 13, 2022

يُمضي الشاب العشريني، الحسن، من أبناء محافظة لحج، معظمَ وقته في تربية النحل التي يعتبرها رفيقة حياته منذُ طفولته، فهي المهنة التي عشقها وحلم بمزاولتها منذُ صغره، لهذا السبب رافقَ عمّه النحّال في حلّه وترحاله منذ كان في السادسة من عمره.

تربية النحل ليست بالمهنة السهلة، بل هي غمار قاسٍ كما يقول لـ"خيوط"، فالنحّالون يقضون أوقاتهم في الصحاري والجبال تحت حرارة الصيف وصقيع الشتاء وقسوة الطبيعة، يواجهون مخاطر ومتاعب شتى، في ظل تردِّي الوضع الاقتصادي الذي يفاقم مصاعبهم، وبسببها يفقدون الكثير من النحل لعدم استطاعتهم الإنفاق على تكاليف تربيتها الباهظة، ممّا يضطرهم إلى ترك مهنة النحالة، والتوجه إلى مهن أقل قسوة وأكثر عائدية. 

ويضيف الحسن: "مهنة النحالة تتطلب جهدًا كبيرًا، فهي معركة مع قسوة الطبيعة؛ لذا تتطلب جهودًا شاقة، أقلها التنقُّل والترحال من منطقة إلى أخرى، وقد تتطلب من محافظة إلى محافظة أخرى بحثًا عن مراعٍ وأشجار كشجرة "السدر" و"العسق" التي تعتبر أهمّ الأشجار في إنتاج العسل ذي الجودة العالية".

ويضيف أيضًا: "يحتاج النحّالون أثناء تنقّلهم بنحلهم إلى تكاليف كبيرة للنقل بسبب ارتفاع أسعار الوقود ومصاريف التنقّل والإعاشة إلى جانب المكوث بجوار نحلهم لأيام طويلة حتى تتعود على الموضع الجديد (وتطمئن) وما يعقب ذلك التردّد عليها بين وقت وآخر، وكل ذلك يؤثّر على أسعار المنتج في ظل أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة.

مخاطر الطبيعة

من الصعوبات الأخرى التي تواجه النحّالين في إقامتهم في مراعي النحل في البراري والأودية والجبال، خطرُ لدغات الأفاعي والعقارب، وأيضًا خطر الحيوانات المفترسة الجائعة في المناطق غير المأهولة، حتى إنّ أحد النحالين تُوُفِّي بعد تعرّضه لهجوم شرس من حيوان مفترس أثناء نومه بالقرب من بيوت النحل الخشبية، ومع ذلك تتحول تلك المصاعب إلى حالة تحدٍّ مضاعف عند كثير من النحّالين، فيستمرون بمزاولة مهنتهم بعشق وشغف.

لكن تبقى تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تلفّ البلد، شمالًا وجنوبًا، وظروف الحرب والأزمات، هي الأشدّ مخاطرة في عمل النحّالين، وبسببها اضطر الكثير منهم إلى تركها لمهن أقل صعوبة.

يقول الحاج عبدالملك محمد (50 عامًا): "عملت في مهنة النحالة لثلاثين عامًا، ومع التدهور المعيشي اضطررت إلى التوقف عن هذه المهنة، والانصراف نحو مهنة أخرى ذات عائد أكبر وسريع وغير مكلف، بعكس النحل التي تتطلب عناية، وربحها يأتي بعد وقت طويل. لدي ثمانية من الأولاد يتطلبون لقمة عيش يومية تؤمّن حياتهم، فارتفاع الأسعار جعلت من معظم مالكي محلات السلع الغذائية يمنعون البيع بالآجل، وهذا ما جعلني أترك مهنة النحالة بكل ألم وحزن، لأبحث عن عمل بالأجر اليومي، وتركت نحلي لدى صديق لي، لكنها انتهت تمامًا بسبب قلة العناية بها".

ويردف: "رغم أتعابها ومخاطرها، علّمتني الصبر والإصرار والتحدي؛ وبالرغم من كبر سنِّي فإنّ الألم ما زال يعتصرني، فحنين العودة لمهنة المتاعب يطرب قلبي كل يوم، ولربما سينتهي الألم غدًا لنعود إلى المهنة التي أعشقها بجنون".

عزوف وموت

ويقول القادري الصبيحي: "بعد صيف 2015، فقدَ الكثير خلايا نحلهم؛ إمّا بتعرّضها للقصف أو موتها بسبب الجوع وعدم الاهتمام، وهذا ما سبّب عزوفًا عند كثير من أبناء المنطقة المشهورين بتربية النحل، من الانخراط في المهنة من جديد، ففي تلك الفترة لم نستطع نقلها إلى أماكن الرعي بسبب حدّة الاشتباكات، وهذا ما جعل الكثير من النحّالين يفقدون نحلهم التي تساقطت بالموت كما تتساقط أوراق الخريف".

ويضيف: "لم نتصور أن يموت هذا العدد الهائل من النحل وبهذه السرعة، وأنّ التي سلمت من القصف، ماتت من الشح والجفاف".

أسطورة التحدّي والصبر

في ظروف اليوم الصعبة، والتي وصلت إلى مستويات الخطر الحقيقي، يبقى النحّال أسطورة ورمزًا للتحدّي وصاحب الإصرار والعزيمة التي لا تلين، مقارنة بأصحاب مهنٍ أخرى أقل قسوة وأكثر عائدية، أجبرتهم الحالة المعيشية المتدهورة على ترك أعمالهم ومِهَنهم التي اعتادوا عليها، والتوجه نحو معسكرات التجنيد التي انتشرت في مناطق التنازع، طمعًا في عوائد شهرية ثابتة.

ومع ما يحيط بمهنة النحالة من ظروف قاسية وصعبة، لم يزل العسل اليمني بكل أنواعه وتعدّد مواطن إنتاجه، يُسجِّل حضوره المميز في قائمة المنتجات اليمنية الرائجة في الداخل والخارج.

انحسار المهنة

يحذّر مختصون في تربية النحل من انحسار المهنة في مواطنها المعروفة والعزوف عنها بسبب جملة المؤثرات السلبية التي شرحناها، وأنّ ذلك قد يؤثّر تأثيرًا كبيرًا في السنوات القادمة على إنتاج العسل اليمني بجودته العالية، ما لم تقم جهات الاختصاص في وزارة الزراعة بإيجاد معالجات حقيقية للأوضاع التي يمرّ بها النحّالون.

ولم ينسَ المختصّون التذكيرَ بأنّ جزءًا من دورة الاقتصاد في الداخل –على هشاشتها- بصورة أو أخرى، تعتمد على مردود بيع العسل الطبيعي المشهور بجودته في أسواق دول الجوار (السعودية والخليج) وبعض الدول العربية، التي يتواجد بها يمنيون تركوا موطنهم إلى مستقرات جديدة، بسبب الأوضاع التي تمرّ بها البلاد. 

•••
بلال عبد اللطيف

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English