تقاليد قاسية تكبِّل المرأة في البيضاء

"مارثون" زفاف يُثقل على الأُسَر في رَداع
جميلة عبدالله
October 9, 2023

تقاليد قاسية تكبِّل المرأة في البيضاء

"مارثون" زفاف يُثقل على الأُسَر في رَداع
جميلة عبدالله
October 9, 2023
.

تفرض العادات والتقاليد المتوارثة في اليمن، نمطَ حياة أكثر تشدّدًا على المرأة في جميع مناطق البلاد مع وجود تشابه في بعض العادات الاجتماعية واختلافٍ في كثير منها، بحسب كل منطقة.

في محافظة البيضاء الواقعة جنوب شرقي صنعاء، تتعدد الأنماط التي يتشدّد المجتمع في ممارستها، ولا سيما ما يخص النساء منها، والتي لا تتوقف عند حدود حياتها اليومية وإحاطتها بـ"العيب" في جوانب عديدة في التعامل معها بل تصل إلى مستوى المناسبات السعيدة والأفراح، كمناسبة "الزفاف" وتقاليده وبرامجه الواسعة.

إلى جانب كونها مناسبة فرائحية يتنافس المجتمع على إحيائها والاستعراض في المباهاة بها استنادًا لتقاليده وعاداته التي دأب عليها- أصبحت تشكل معاناة مضنية تكابدها كثير من "العرائس"، كما ترصد "خيوط" ذلك من رداع، كبرى وأهم مناطق محافظة البيضاء.

تقول العشرينية شيماء محمد، في حديثها لـ"خيوط": "الأيام الكثيرة في "العرس" الواحد تتطلب ارتداء ملابس مختلفة عن العرس السابق، وإلا واجهنا استهزاء الفتيات اللاتي يسخرن في حال شاهدن إحداهن ترتدي الفستان ذاته في كل مناسبة، وهذا ربما ما يجعل بعض الفتيات تتوقف عن حضور كثير من هذه المناسبات بسبب عدم مقدرتهن على شراء ملابس جديدة لكل مناسبة.

وتتحدث الثلاثينية أم محمد، لـ"خيوط"، بالقول: "نضطر إلى أن نجمع الأواني المنزلية من الجيران والأقارب كلهم؛ لأنّ معداتنا وحدها لا تكفي، ولا نستطيع حينها شراء أوانٍ جديدة لعزائم العرس"، بينما تضيف هنادي علي: "نتعب من مجاملة الأهالي، حيث يتطلب منا -نحن الأقارب- حضور كل المراسم وإن تعذر حضورنا يومًا واحدًا يقال بأننا نتعمد عدم الحضور".

تشكل هذه السلسلة من فترة أيام "مارثون" الزفاف معاناة تقاسيها الكثير من الأسر نتيجة متطلباتها وتكاليفها والتي لا يستطيع البعض التعامل معها من ناحية أو الاصطدام بنظرة وتعامل المجتمع الذي يتباهى بمثل هذه العادات الشاقة والمضنية والمكلفة، من ناحية أخرى.

من جانبها، تؤكد الأخصائية الاجتماعية، هدى مسعود، لـ"خيوط"، أنّ معظم العادات والتقاليد التي يمارسها المجتمع أو يعيد إنتاجها، تتركز في المرأة بتحديد كل ما يتعلق بحياتها وتعليمها وتعاملها الاجتماعي، مما يجعلها معرضة للانتهاكات وسلب حقوقها والتعدي عليها، واضطهادها في مناسبات كهذه على المستوى النفسي والاجتماعي والحقوقي، إلى جانب الأعباء المالية لمناسبات "الزفاف" والتي لا تستطيع كثيرٌ من الأسر التعامل معها، مما يجعلها تلجأ لطرق شاقة ومكلفة؛ إما للاستدانة أو بيع ممتلكات، أو يصير عرضة للسخرية والتمييز مَن لا يقدرون على خوض غمار مثل هذه العادات والتقاليد المكلفة. 

تستعرض "خيوط" هذه المراسيم لدى أغلب العائلات، والتي تبدأ من يوم الإثنين، حيث يسمون ذلك اليوم: "يوم اللعبة"، تجتمع فيه العزباوات مع العروس ليودعن معها حياة العزوبية، ومِن ثَمّ تبدأ العروس المقبلة على "الزفاف" بخوض سلسلة من العادات والتقاليد، بحسب كل يوم إلى أن يصل يوم "الزفاف"، بمسميات وعادات متنوعة ومختلفة.

التجلّاي

ترتدي العروس في يوم "اللعبة" ملابس عادية، حيث يكون في وجهها وجسدها بقايا "التجلّاي"، ويطلق هذا المصطلح على وضع العروس لخلطات التجميل الطبيعية على بشرتها طيلة الشهور التي تسبق زفافها.

القَحّاط

يوم الثلاثاء الذي يلي يوم "اللعبة"، يأتي وقد تخلّصت العروس من بقايا "التِّجِلَّاي" وتستعد لهذا اليوم بمجيء "الكوافيرة" إلى بيتها لتزيينها. في هذا اليوم أيضًا تأتي الفتيات العزباوات اللاتي لم يتزوجن بعد، والنساء المتزوجات، والأطفال، حيث يبدأ هذا اليوم من الساعة الثالثة عصرًا حتى حلول المساء، ويتم توزيع الشاي بالحليب، بعدها تغادر الحاضرات جميعهن إلى منازلهن لتغيير ثيابهن والعودة من جديد.

السمرة والعصيد بالزوم

في ليلة (القَحّاط) يكون أهل العروسة قد أعدّوا العشاء الذي يشترط أن يكون عبارة عن: "عصيد وزوم" وبعضٍ من أصناف الخضروات، مثل: "الكوبيش" الذي يسمى: الكرنب أو الملفوف، إذ إنّ معظم النساء يحضرن لأجل هذه الوجبة، لا سيما الحوامل اللاتي تتوحّم أغلبهن على هذه الوجبة، وبعد تناولهن للعشاء تُزَفُّ العروسة من جديد، وقد ارتدت فستانًا آخر بلون ذهبي.

يوم النقش

 يأتي يوم الأربعاء وقد حان الوقت لأن تحضر "المخضّبة" أي: المرأة التي تجيد وضع النقشات على جسد العروس بالخضاب الأسود، حيث تنتهي من ذلك عصرًا، وتلبس بعدها العروس الفستان ذا القماش التراثي اليمني وتغطي يديها بأكياس، وتُزَفُّ إلى النساء ومعظمهن مع أهل البيت يلبسن التراث اليمني بأنواعه.

ويعرف هذا اليوم بيوم الحفلة؛ لأنهن يحتفلن في هذا اليوم ويتم فيه توزيع الكيك والمشروبات الغازية أو العصائر، وتنتهي مراسمه مع حلول المساء.

"الحنّاقة" في يوم الزفاف

في هذا اليوم، تبدأ العروس بالاستعداد له من الصباح حتى وقت المغرب، حيث تلبس فستان الزفاف الأبيض ولا يحضر أحد سوى أهل البيت والأقارب والجيران؛ لأنّها تزف إليهن بعد صلاة العشاء ساعةً وتقضي وقتها بتصوير لقطات تذكارية مع أبيها وإخوتها وأعمامها وأخوالها.

يتخلل هذا اليوم ما يسمى "الحنّاقة"، وهو مصطلح يطلق على: النقود التي يتم إهداؤها للعروس، حيث تقوم إحدى قريباتها آنذاك بجمع الهدايا "والحناقات" من الحاضرات، وكل واحدة تهديها ما استطاعت عليه، تقول على سبيل المثال: "نوال أم صديقتش أمل حنّقتش بخمسة ألف وما هي قدرش"، وهكذا بالدور على كل الحضور. 

الشَّواعَة

يأتي الشواعة وقد تم تغطية العروسة بالستارة "الرداعية" البيضاء ذات النقش الأحمر والأسود؛ ليأخذوها إلى بيت زوجها مع ثيابها التي قد أعدتها الليلة السابقة في حقائب عديدة، و"الشواعة" لفظ يطلق على جماعة رجال من أهل العريس، يقدمون بسياراتهم لأخذ زوجة ابنهم من ولي منزل أسرتها.

يأتي معها والدها ويذهب بها إلى أم العريس ليلقي عليها أمانة ابنته ويحمّلها مسؤوليتها، وتكون العروس قد دخلت بيت زوجها وفي يدها "جنبية"؛ الخنجر الذي يرتديه أبو العروسة؛ حرزًا من الشياطين كما يشاع، والنساء من أهل العريس يقمن برشّ الماء والملح على حقائب العروس وعلى بعضٍ من جسدها لحمايتها من الحسد والعين، كما يعتقد.

التهنئة

بعد أن ترتاح العروسة يومين في بيت زوجها، تأتي يوم الأحد النساء -دون العزباوات- من أنحاء مختلفة لتهنئتها، وقد لبست الفستان الأبيض من جديد؛ لأنه في يوم الزفاف لم يرَها به إلا أقاربها والجيران فقط، وابتداءً من يوم الأحد حتى اليوم الخامس عشر وأهل العريس يستقبلون النساء يوميًّا دون ملل أو كلل، وهم يغنّون ويحتفلون بعروستهم، وهي بدورها تلبس كل يوم فستانًا جديدًا مختلفًا عن اليوم الذي قبله، بعضها حصلت عليها من زوجها، وبعضها الآخر من أبيها.

الملفلف

تُحضر النساء معهن كل يوم أنواع المشروبات؛ الشاي بالحليب، والعصير، والقشر، و(الملفلف) وهو مشروب يُعرَف به سكان رداع، حيث يتم فيه تجميع أصناف كثيرة من حبوب شامية وزبيب ومختلف المكسرات، إضافة إلى الزنجبيل والهيل والبن العربي. 

وليس على أسرة "العريس" سوى إعداد الكؤوس والصحون لتقديمها أثناء الجلسة، واللواتي يحضرن يقمن بصبّ المشروب الذي أعدّته كل واحدة منهن.

الوفاءان الثامن والخامس عشر

هذان اليومان هما الأهم طوال أسبوعَي الفرح، حيث يتميز اليوم الثامن واليوم الخامس عشر بحضور عدد أكبر، وترتدي فيه العروسة أفخم فساتينها في هذين اليومين، أما في اليوم الذي يسبق اليوم الخامس عشر فإنها تقوم بتجديد النقش على جسدها بواسطة "مخضّبة" أخرى يحضرها أهل العريس.

الشُّكْمَة

بعد انتهاء الخمسة عشر يومًا في بيت زوج العروسة، تذهب لزيارة أهلها بدعوةٍ منهم لها ولكافة أهل زوجها ذكورًا وإناثًا، على ذبيحة لوجبة الغداء لمدة ثلاثة أيام على التوالي، ويحتفلون بها من جديد، يشاركهم الفرحة جيرانهم وكل الأقارب والأصدقاء طوال أيام "الشُّكمة" وتنتهي من "التِّشِكّام" في منزل أسرتها لتذهب بعد ذلك إلى منازل الأقارب من الأعمام (إخوة الأب) والأخوال (إخوة الأم).

مع انتهاء يوم "الشكمة"، تكون قد انتهت الطقوس ومراسم الزفاف في مدينة رداع والتي تتشابه، وقد تختلف، مع بقية المديريات الأخرى في محافظة البيضاء أو مع مناطق في محافظات أخرى في اليمن.

تشكل هذه السلسلة "مارثونًا" طويلًا يخلق معاناة مضاعفة عند كثير من الأسر نتيجة المتطلبات وتكاليفها الباهظة، بحيث لا تستطيع هذه الأسر التعامل معها من ناحية أو الاصطدام بنظرة وتعامل المجتمع الذي يتباهى بمثل هذه العادات المضنية والمكلفة في آن، من ناحية أخرى.

 تقول الخمسينية أم أحمد، في حديثها لـ"خيوط"، إنها قد تضطر في كل مناسبة إلى أن تبيع قطعًا من ذهبها (مجوهراتها) لتغطية تكاليف أعراس بناتها بالتعاون مع زوجها، في حين تشير أم نصار، لـ"خيوط"، إلى أنّ مشقة التقاليد هذه قد اضطرتها إلى أن تقترض المال من الأقارب الميسورين، حيث إن زوجها متوفى منذ زمن وهي تحاول بمفردها تغطية هذه التكاليف.

بدوره، يرى المواطن الثلاثيني محمد عبدالله، من سكان البيضاء، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ هذه المناسبات فيها الكثير من الكلفة والمشقة التي تتحملها النساء، بالنظر إلى ما يضطر إليه الناس لمواكبة مثل هذه الأحداث والمناسبات والتقاليد، وما يفرض ذلك على كثير من المواطنين تغطية تكاليفها، مشيرًا إلى أنّ البعض لديه القدرة على ذلك، بينما هناك من تجبره الظروف على بيع ممتلكاته، ومنهم من لا يجد قوت يومه ويضطر جاهدًا إلى تقليص "أيام العرس"، وقد تخرج ابنته العروسة وهي لا تمتلك كل احتياجاتها؛ لذا على المجتمع مراجعة الكثير من تقاليده وعاداته التي ترهق الناس وتكلفهم ما لا طاقة لهم به.

•••
جميلة عبدالله

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English