أطفال التوحد.. حياة شاقة مع العزلة

مدارس محدودة وبيئة صادمة للاندماج
منى محمد
December 19, 2022

أطفال التوحد.. حياة شاقة مع العزلة

مدارس محدودة وبيئة صادمة للاندماج
منى محمد
December 19, 2022
الصورة ل: علاء الغنامي - © خيوط

محمدٌ طفلٌ مصابٌ بالتوحد، يقضي وقته وحيدًا، رافضًا اللعب والاندماج مع غيره، لا يستجيب عند مناداته باسمه -كما تقول والدته سحر صالح- وتضيف: "كان قد بدأ الكلام، لكنه سرعان ما فقدَ هذه المهارة، ممّا اضطرني لزيارة طبيب الأطفال، الذي بدوره دلَّني على مراكز التأهيل والتدريب".

في مراكز التدريب والتأهيل، تُقدَّم لأطفال التوحد برامج فردية متخصصة في التوحد، باستخدام برنامج "تيتش"، إضافة إلى برامج التكامل الحسي، والعلاج الوظيفي، والعلاج النطقي، بحسب الدكتور تميم باشا- المدير الفني والتربوي في "جمعية التحدي لرعاية وتأهيل المعاقات".

وتؤكّد أخصائية التربية الخاصة، أمة الغفور الجومري- مديرة مؤسسة نور الأمل لذوي الاحتياجات الخاصة، لـ"خيوط": "نبدأ ببرامج خاصة لهم، برامج تنمية التواصل البصري والتكامل الحسي، وهناك حالات بسيطة تعتمد على التواصل الأسري، والبعض منهم يحتاج تدريب للغة والتواصل".

تحديات  

يصعب التعامل مع مرضى التوحد، فكل طفل يعاني من اضطراب طيف التوحد يتّخذ نمطًا فريدًا من السلوك ومستوى الخطورة.

وتقول الجومري، إنّ هناك اختلافًا كبيرًا لاستجابة الأطفال لبرامج المؤسسة تبعًا لعدة عوامل ومتغيرات؛ منها شدةُ الإعاقة، ووجود (إعاقة) مصاحبة، فكلَّما تلقَّى الطفل الخدمات من السنوات الأولى عند بداية اكتشاف المشكلة أو الإعاقة، كانت الاستجابة أفضل، والعكس، وكلما كان الطفل يعاني من طيف التوحد دون وجود إعاقة مصاحبة، كان التحسن أسرع، وكلما كان الطفل يعيش في بيئة تتوفر فيها الاستثارة الحسية واللفظية ويندمج مع أطفال، كانت استجابته للبرامج أسرع".

يلاقي أطفال التوحد معوقات في مرحلة الدمج، وهي من أهم مراحل تلقي العلاج لحالتهم، فهي تمثّل حقًّا طبيعيًّا بأن يجدوا قبولًا من المجتمع والتلاميذ، وأن يشعروا بأنّهم طبيعيون.

من جانبه، يقول تميم الباشا، أخصائي اجتماعي، لـ"خيوط"، إنّ هناك تفاوُت في استجابات أطفال التوحد لبرامج التأهيل حسب درجة الإعاقة وتعاون الأهل، ولكنهم يتحسّنون بشكل عام مع اختلاف درجة التحسُّن.

ويضيف أنّ فئة التوحد من أصعب الفئات في التعامل معها، والكثير من الأسر لا تعلم طرق التعامل العلمية في تعاملهم مع أبنائهم "التوحديين".

لا تخص المعاناة أطفالَ طيف التوحد، فأولياؤهم يعانون الكثير، وكذلك مدرّبو ومسؤولو المراكز التي ينقصها الدعم لمواصلة عملها على أكمل وجه.

يذكر باشا أهم الصعوبات التي قد تواجههم، ومنها الصعوبات المادية التي تؤثّر على توفير الأجهزة والوسائل التعليمية والمواصلات ورواتب العاملين وغيرها.

تقول صالح: "تلقّى ابني الرعاية والتدريب اللازمَين لحالته، لكن الحرب غيّرت كل شيء؛ فرسوم المركز ارتفعت إلى الضعف، كما بُلغنا نحن أولياء الأمور، بأن علينا إيصال أبنائنا للمركز، فالباصات لم تعد متوفرة، ممّا جعل أولياء أمور أغلب المرضى يتوقّفون عن متابعة التدريب لأبنائهم، لصعوبة وضعهم المادي".

عملية الدمج 

يلاقي أطفال التوحد معوقات في مرحلة الدمج، وهي من أهم مراحل تلقي العلاج لحالتهم، فهي تمثّل حقًّا طبيعيًّا بأن يجدوا قَبولًا من المجتمع والتلاميذ، وأن يشعروا بأنّهم طبيعيّون.

ويوضح الباشا بأنّ الدمج في مراكزنا التابعة للجمعية، يكون فقط للحالات البسيطة التي تحسنّت وأصبحت تأخذ برنامجًا تعليميًّا، ومشكلاتهم السلوكية قليلة جدًّا.

وتشير الجومري إلى أنّ عملية دمج أطفال التوحد يتم مع أطفال طبيعيين وليس مع ذوي الاحتياجات الخاصة، لتتحسن حالتهم بعد عدة ضوابط وعوامل، لكيلا تنتكس الحالة؛ منها تهيئة البيئة التعليمية للطالب، وهذا يتطلب وجود معلم ظل، الذي يسمى "شادو تيتشر"، بجانب الطفل إلى أن يتأقلم ويتعود، كذلك تهيئة الطلاب داخل الصف، كي لا يتعرّض للتنمّر، حيث إنّ دمجهم ضرورة في المدرسة والمجتمع، فتلك أبسط حقوقهم.

ويعاني أطفال التوحد من مشاكل كثيرة، وذلك لقلة مدارس الدمج، إذ لا توجد إلّا مدرسة واحدة تقوم بالدمج بين الطلاب، وهناك بعض المدارس الخاصة تقبلهم، حتى وإن قبلتهم البيئة فإنها لا تكون متهيئة، في حين المعلمين غير مهيئين، فلذلك يضطر بعض أولياء الأمور لدفع تكاليف أكثر، ليخصص معلم ظل لابنه، كي يستطيع الاندماج داخل المدرسة، أيضًا تدني مستوى التعليم يُؤثّر في تدني تحسن مستواه.

تدني الوعي وندرة المختصين

للتوحد أسبابٌ كثيرة تؤثر على نمو الأطفال بالشكل الطبيعي واختلافهم عن غيرهم، إضافة إلى زيادة تفاقم شدة الإصابة.

وتُرجع الجومري أسبابَ التوحد إلى تدني وعي المجتمع بمراحل النمو الطبيعي وخصائص الطفل الطبيعي، الذي يعيق اكتشاف المشكلة مبكرًا، ممّا يؤثر سلبًا على حالة الأطفال، والبعض يعرف المشكلة لكنه كالذي ينتظر معجزة لتعافي ولده مع مرور الوقت، وبالعكس كلما تأخر زادت شدة الإعاقة، وكان التدخل أصعب، كذلك عدم وجود الوعي يجعلهم غير قادرين على التعامل معهم، وذلك لجهلهم بالتوحد وأعراضه؛ فبعضهم يقول "عين"، وبعضهم يقول "سِحْر" أو "مَسّ"، ولذلك يلجَؤُون للتداوي بالقرآن، أمّا بالنسبة لتعاونهم ومتابعتهم داخل المؤسسة فيختلف من ولي أمر لآخر، بعضهم مهتم ويحاول أن يكون مساعدًا بدرجة أولى لابنه، وبعضهم الآخر يرمي العبء كاملًا على المؤسسة، كأنّه يتخلص من المشكلة، ولا يبدي أي تعاون. 

هناك من ينظر لأطفال التوحد أنّهم مرضى ويشكّلون عالة على المجتمع، والبعض ينظر لهم بأنّهم مصابون ويحتاجون للعلاج.

قصور وندرة

لا تتمثّل المعاناة في وجود الإصابة وقلة وعي الأهالي بخطورتها والمعوقات المادية، بل إنّ التخصص في علاج هذه الحالة يمثّل مشكلة وعائقًا قويًّا أمام التشافي السريع والأكيد أمام هذه الحالات من ذوي الاحتياجات الخاصة.

تقول الجومري، إنّه من النادر تواجد أخصائيين في التربية الخاصة داخل المراكز والمؤسسات، بسبب ندرة التخصص وعدم وجود خريجين كافِين لتغطية الحاجة داخل مؤسسات ذوي الاحتياجات الخاصة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English