مشروع جمع وتوثيق تاريخ الثورة اليمنية

مقترح بخطوط عامة
أحمد صالح الجبلي
October 12, 2022

مشروع جمع وتوثيق تاريخ الثورة اليمنية

مقترح بخطوط عامة
أحمد صالح الجبلي
October 12, 2022

بهذا العام، تطوي ثورةُ سبتمبر المجيدة ستينَ عامًا من عمرها. وفي العام القادم، تطوي ثورة أكتوبر عامها الستين أيضًا من عمرها المجيد. وإنّها لَمناسبةٌ أقرب إلينا من قلوبنا. وقليلٌ من أجلها أن يبادر كلُّ مَن له القدرة والهِمّة بالدعوة إلى العمل على تأسيس مشروعٍ شامل لتوثيق وأرشفة تاريخ الثورة اليمنية بصورة علمية تتمتع بأكبر قدرٍ من الموضوعية والحيادية، وهو ما يمكن، بل ويجب أن يجتهد في تحقيقه كلُّ المهتمين الحقيقيين بتاريخ شعبنا اليمني. وليس بنا حاجة إلى التأكيد على الأهمية البالغة لجمع وتوثيق وأرشفة مادة تاريخ الثورة اليمنية في حياتنا الراهنة، وفي حياة أجيال اليمن القادمة، وهو الأكثر أهمية. 

لعلّه من المفيد الإسراع إلى الإشارة بأنّ المقصود بـ"الثورة اليمنية" ثورة اليمن الوطنية الديمقراطية المتجسِّدة في مفاصلها الرئيسية، وهي: ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وثورة الرابع عشر من أكتوبر، وما يُسمَّى بـ"ثورة الشباب" عام 2011م، والتي -أي: الثورة اليمنية الديمقراطية عمومًا- ما زالت مهامها الوطنية الديمقراطية منتصبة تنتظر التحقيق، واستكمال ما جرى الشروع به، وتعثر، ويتعثر. 

يقوم هذا المشروع على حقيقة أنّ ما كُتب في وعن تاريخ الثورة اليمنية المتناثر في بطون الكتب والتقارير الحكومية لبعض الدول وفي المجلات والصحف، لا يمكن له أن يَصنعَ اللوحةَ الحقيقية للثورة إلا بعد جمعه وتصنيفه وتوثيقه وأرشفته. غير أنّ ذلك، وعلى أهميته البالغة، يظلّ قاصرًا عن الإحاطة بتفاصيل كثيرة ومهمّة للغاية في تاريخ الثورة اليمنية، وهو بحاجة لمصدر آخر يسدّ هذا النقص الكبير، ونعني به المصدر الشفهي الذي يمكن أن يكشف عمّا لا يزال كامنًا في صدور العديد من الرجال والنساء، والذي –مع الأسف– قد ضاع منه الكثير بوفاة من كانوا يحتفظون بكنوزٍ من المعلومات، ولكن الفرصة لم تضِع كاملة ونهائيًّا. 

إنّ جمع وتوثيق تاريخ الثورة اليمنية، كان ولا يزال يُمثّل هاجسًا دائمًا لدى العديد من الباحثين اليمنيين، ولعلّه من المناسب هنا لفت الانتباه إلى ما تطرّق إليه الباحث الثقافي المعروف، هشام علي بن علي (رحمه الله)، عند تقديمه لترجمة كتاب "عدن تحت الحكم البريطاني"، حيث أشار إلى أنّ هذا الكتاب هو بداية لمشروع فكريّ مهمّ وأساسيّ، وإن كان متأخرًا؛ أي القيام بترجمة الكتب التي صدرت باللغة الإنجليزية وألّفها كُتّاب وسياسيّون إنجليز، وكان من بينهم بعض المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين الذين تولَّوا مهامًا قيادية في مدينة عدن أو في السلطنات والمحميات المحيطة بها. 

هذه المكتبة الهامّة في تاريخ الاستعمار البريطاني لعدن، تمثّل أرشيفًا كاملًا لتاريخ عدن بشكل عام، ولمرحلة استعمارها في القرنين التاسع عشر والعشرين على نحو خاص، وكانت الكتب تعبّر عن تجارب ورؤى علمية، لا سيما تلك التي كتبها معتمدون سياسيّون أو حكامٌ وضبّاط؛ عاشوا مرحلةَ الاستعمار وقاموا بوصف المجتمع والمدينة وعلاقاتها وتجارتها خلال تلك الفترة من تاريخ الجزء الجنوبي من اليمن، وما حدث فيها من تداخل مع نظام الإمامة في الشمال أو مع امتدادات العثمانيّين وحملات محمد علي باشا، وغير ذلك من الأحداث التاريخية التي امتدّت إلى الشرق والغرب والشمال والجنوب، في شبكة من العلاقات والمصالح والنزاعات، كان لميناء عدن وموقعه الجغرافي أهمية كبيرة في مرحلة الغزوات الاستعمارية المتصارعة على طرق الملاحة والمواقع الاستراتيجية والجغرافية. ويشير إلى أنّ القيام بهذه المهمّة يجب أن يتحول إلى عمل مؤسسي متكامل يعمل على ترجمة تلك المكتبة الهائلة لمرحلة الاستعمار البريطاني لعدن، أو ما أطلق عليه المفكِّر الأمريكي-الفلسطيني إدوارد سعيد: "التراث الكولونيالي" أو "أرشيف الاستشراق"، ودعا إلى تفكيكه والتحرُّر منه، وهي الظاهرة التي باتت تُعرف اليوم باسم "الثقافة ما بعد الكولونيالية". لا نزال نعيش آثارها في ميادين مختلفة، ولا تزال الثقافة الكولونيالية مطروحة وحاضرة في وعينا الثقافي والسياسي.  

إنّ ما يُكسِب هذا المشروع أهميتَه الحقيقية، هو توجيه مهمّته نحو ثقافة أجيال المستقبل اليمنية من منظورٍ وطنيّ شامل، يقوم على القواعد الأساسية التالية:

أولًا: إنّ الحديث عن جمع وتوثيق وأرشفة تاريخ الثورة اليمنية بحياديّة علميّة كافية، لا ينبغي له أن يقتصر فقط على المعلومات ممّن كان في صفّ الثورة، بل ينبغي أن يلتفت أيضًا إلى المعلومات ممّن كان في صف الخصم للثورة، لِمَا لذلك من أهمية قصوى من وجهة نظر كتابة التاريخ العلمية الحيادية. وأجدها مناسبة هنا أن ألفت النظر –على سبيل المثال– إلى ثورة 14 أكتوبر وما يعانيه تاريخها من نقص وقصور بالِغَين. 

ثانيًا: لا يجوز لهذا المشروع الاقتصار على المعلومات بالجملة –إن جاز لي القول– بل ينبغي له الاهتمام بالتفاصيل؛ أكان ذلك بتفاصيل الحدث أم بتفاصيل عن حياة المساهمين في صنع الحدث. وتتكشف أهمية ذلك البالغة للقادم من الدراسات والبحوث العلمية، وكذا لأيِّ عملٍ فنّيّ، أكان ذلك عملًا روائيًّا أم مسرحيًّا أم فيلمًا سينمائيًّا أو غير ذلك من الأعمال في المستقبل. 

ثالثًا: لا يجوز الاقتصار على الـ"مهمّ" فقط من الأحداث والوقائع، وإهمال غيره، بل ينبغي توثيق كلَّ ما يمكن توثيقه. ذلك أنّ ما هو "غير مهم" اليومَ يغدو ذات أهمية حيوية في المستقبل من وجهة نظر الباحث أو الروائي أو غيرهما. 

رابعًا: إذا كان الحديث عن تاريخ الثورة اليمنية يوجه النظر، في المقام الأول، إلى الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، إلى غير ذلك من المهام الموضوعية في حياة الثورة اليمنية، فإنّ هذا المشروع يلفت الانتباه إلى البعد الفنّي، شعرًا ونثرًا وتشكيلًا وغناءً، بل وحتى إلى النكتة الشعبية المتداولة في حينه. فعلى سبيل المثال، لا يجوز الاقتصار على الشعر المؤيد للثورة، بل، ولاكتمال اللوحة، لا بُدّ أيضًا من توثيق الشعر المناهض لها.

مصادر المشروع ومراحله الرئيسية

يحتاج المشروع، إذن، إلى جمع المادة التاريخية وتوثيقها وأرشفتها من مصدرين رئيسيين: المكتوب والشفهي. ولِسَعَةِ هذه المُهمّة الجليلة، يمكن تقسيمها إلى مرحلتين رئيسيتين: 

الأولى- بشأن المكتوب:

- القيام بمسح وجمع وتصنيف لما جرى، أو على الأقل لأهمّ ما جرى أرشفته وتوثيقه من المكتوب باللغات العربية والإنجليزية والروسية.

- جمع وتوثيق وتصنيف وأرشفة لما لم يؤرشف بعدُ، من المكتوب باللغات المذكورة أعلاه.

- بصدد المكتوب باللغة العربية، يتم التركيز، في هذه المرحلة، على ما نُشر، في المقام الأول، في اليمن ومصر ولبنان والسعودية.

- البَدْء بالترجمة إلى اللغة العربية، لما جرت الإشارة أعلاه. 

الثانية- بشأن الشفهي

- بصدد "التاريخ الشفهي"، فلعله من المفيد الإشارة إلى أنّه قد جرى الاتفاق على الاعتراف به مصدرًا من مصادر التوثيق التاريخي للأحداث. 

أمّا بشأن خطوات العمل الرئيسية، فيمكن إيجازها في: 

- البحث عمّا جرى تسجيله وكتابته وتوثيقه من تاريخ الثورة الشفهي، ومِن ثَمّ تجميعه وتصنيفه وأرشفته.

- وضع قائمة بأسماء كلِّ من يتفق على اللقاء به لتسجيل ما لديه من معلومات مهمّا كانت. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ ثمّةَ العديد من المواطنين والمواطنات "الثانويين" الذي يمتلكون معلومات تسهم في تسليط الضوء على العديد من الأحداث والوقائع المهمة. 

ولهذا الغرض، ينبغي القيام بكلِّ ما من شأنه تشجيع وتسهيل اللقاء بالمطلوب اللقاء به وحثّه على الإدلاء بما لديه. كما ينبغي صياغة دليل الأسئلة المناسبة والتحضير الجدّي للقاء، إلى غير ذلك من مهام وإجراءات تكفل نجاح اللقاء. 

- اللقاء بالمستهدفين. 

- تفريغ أشرطة التسجيل.

- جمع وتصنيف المادة وأرشفتها. 

في بداية المرحلة الأولى، من المهم اللقاء بعددٍ من المهتمين بغية استشارتهم والاستئناس بآرائهم، يُتوّج ذلك بعقد أول ورشة عمل لبلورة المشروع، وتقديم الآراء والتوصيات لِلَجنة المشروع. ويمكن تحديد مهمة الورشة في اقتراح: 

  • التحديد المبدئي لأولويات العمل وآلياته.
  • تقدير الصعوبات المرتقبة وسبل تذليلها وتجاوزها.
  • تقدير أولي لزمن عقد ندوة و/أو ورشة عمل قادمة، مع صياغة مهمّتها الرئيسية. 

لكلِّ مهمة ينبغي ما يلي:

- تكوين فرق العمل الخاصة بالجمع والتوثيق والأرشفة للمكتوب.

- التعاقد مع مترجمين مؤهّلين. 

- تكوين فرق العمل الخاصة بالجمع والتوثيق والأرشفة للشفهي من أجل:

  • جمع وتصنيف وأرشفة ما جرى توثيقه.
  • تحديد قوائم المستهدفين.
  • وضع خطة للمقابلات وصياغة دليل الأسئلة.
  • تفريغ أشرطة التسجيل، إلخ.

- تحديد الميزانية التقديرية لكلِّ مُهِمّة.    

البرنامج الزمنيّ للمرحلة الأولى: ليس بالإمكان الآن تحديد الفترة الزمنية لهذه المرحلة، بسبب جهلنا لما كتب ولما أرشف وما لم يؤرشف، من جهة، وجهلنا لعدد المستهدفين، إلى غير ذلك من أمور ما زالت طيَّ الغيب. هذا، إضافة إلى جهلنا الميزانيةَ التي يمكن أن توفرها الجهات الرسمية، والتي يترتب عليها توسيع المهام أو تضييقها. ومع ذلك، وفي أحسن الحالات، لا يمكن أن تقل الفترة عن عامين.

المرحلة الثانية؛ تتلخص مهام هذه المرحلة في:

- استكمال جمع وتوثيق وأرشفة ما لم تتَضمّنه مهام المرحلة الأولى. والحقيقة أنّ هذه المرحلة لن يحدّها تاريخ، إذ بإمكانها أن تستمر لعدة سنوات في الجمع والتوثيق والأرشفة، وقد تستمر المهمّة طويلًا لتتبع ما يُكتَب مستقبلًا. 

في الأخير، ولتشجيع تقديم الدراسات والبحوث (بما في ذلك رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراة) عن الثورة اليمنية، لا بُدّ من تقديم المكافآت المجزية للكتابات المهتمة بتاريخ الثورة اليمنية، بما في ذلك تحديد جائزة سنوية لأحسن عمل بحثيٍّ وروائيّ وشعريّ ومسرحيّ وغنائيّ وتشكيليّ.

أمّا بشأن الثورة الراهنة، فإنّ المهمة الرئيسية التي يمكن القيام بها، وبالاعتماد على المنهجية سالفة الذكر، هي: 

  • جمع ما يمكن جمعه من معلومات وبيانات ووثائق مكتوبة ومسجّلة ومصوّرة، وتصنيفه وأرشفته. 
  • القيام بالمقابلات واللقاءات الميدانية مع كلِّ من يمكن أن يفيد في إثراء تاريخ هذه الثورة التي ما زالت تجاهد في سبيل تحقيق أهدافها. 

في الأخير، هو عمل شَاقٌّ مُضْنٍ، ولكن هذا هو دأب العمل الجادّ الباحث عن الحقيقة وتثبيتها وكشفها، مهما كانت. 

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English