لماذا يلفظنا التاريخ في زوايا الهامش المنسي؟

العلوم الاجتماعية والإنسانية العربية والتحديدات المستقبلية
أ.د. قاسم المحبشي
January 2, 2021

لماذا يلفظنا التاريخ في زوايا الهامش المنسي؟

العلوم الاجتماعية والإنسانية العربية والتحديدات المستقبلية
أ.د. قاسم المحبشي
January 2, 2021

تواجه العلوم الاجتماعية والإنسانية العربية اليوم جملة واسعة ومعقدة من المشكلات الاجتماعية والإنسانية الحيوية على مختلف الأصعدة النظرية والمنهجية والتطبيقية؛ مشكلات أبستمولوجية عامة تتصل بأزمة العلم ذاته، ومشكلات عملية تتصل بحياة المجتمعات العربية بنسب متفاوتة، فضلاً عن القضايا الإنسانية العالمية كمشكلة سباق التسلح والحروب والأمن والسلام الدوليين، ومشكلات البيئة الأرضية والأوزون، وصدام وحوار الحضارات، ومشاكل الاقتصاد والتجارة والمال والأعمال العابرة للقارات، ومشاكل الفقر والصحة والمرض، ومشكلة التطرف والإرهاب والعنف، ومشاكل الهويات الطائفية والتعددية الثقافية، والأقليات والتمييز والتعصب والاستبعاد الاجتماعي، والهجرة غير الشرعية والاندماج، والمخدرات ومشكلة الفساد والبطالة، والحركات الاجتماعية والثورات، وقضايا حقوق الإنسان والمرأة والطفل والشباب، وكل ما يتصل بالحقوق المدنية، ومشاكل التربية والتعليم والجودة والاعتماد الأكاديمي، ومشاكل السياسة والنظم السياسية والعدالة والحرية والديمقراطية والمجتمع المدني والعدالة الانتقالية. وإلى ذلك، المشكلات الأخلاقية للعلم؛ كالاستنساخ، وزراعة الأعضاء، ومنع الحمل، ومشاكل الفضاء السيبرنيتي والأقمار الاصطناعية والوسائط الإعلامية والتواصلية الجديدة، والآثار الاجتماعية لجائحة كورونا (كوفيد 19)، ونسخته الجديدة، فضلاً عن المشكلات المستعصية التي تفتك بالمجتمعات العربية والإسلامية منذ زمن طويل ومنها: مشكلة الهوية والحروب الطائفية. إذ تعيش مجتمعاتنا العربية اليوم حروب طائفية مستعرة في كل مكان (شيعية، سنيه مسيحية، عربية كردية، في العراق وسوريا. ومسيحية، شيعية، سنية، درزية، في لبنان. وزيدية، حوثية، اثنا عشرية، سنية، سلفية، عشائرية، وجنوب/ شمال، في اليمن).

استشراف المستقبل والبحث فيه لم يعد اليوم من باب الرجم بالغيب أو التنجيم أو التنبؤ أو التخمين و الظن و الشطح الصوفي، بل غدا اليوم ضرورة حيوية وجودية وإستراتيجية للبقاء والعيش في عالم تعصف به الأحداث و المتغيرات

   يحتدم كل هذا في فضاء ثقافي نفسي مشحون بعنف رمزي وهستيريا عصابية جماعية عدائية شديدة التحريض والانفجار؛ (روافض، نواصب خوارج، مجوسية، صفوية، قاعدة، أنصار الشريعة، حزب الله، أنصار الله، داعش والنصرة...إلخ)، وغير ذلك من المشكلات الحيوية الأخرى. والسؤال هو: 

ماذا بوسع العلوم الاجتماعية والإنسانية عمله بإزاء تلك القضايا الراهنة فضلا عن التحديات المستقبلية؟

    استشراف المستقبل والبحث فيه لم يعد اليوم من باب الرجم بالغيب أو التنجيم أو التنبؤ أو التخمين والظن والشطح الصوفي، بل غدا ضرورة حيوية وجودية واستراتيجية للبقاء والعيش في عالم تعصف به الأحداث و المتغيرات بخطى سريعة الإيقاع؛ )فلا مستقبل لمن فقد موقده وضيع بوصلة اتجاهه(.

   ويرى توفلر أن الأمم التي تجعل ماضيها هو مستقبلها، تشبه ذلك الذي راح يبحث عن روح أجداده في رفات الرماد، فأيهما يحكم الآخر عندنا؟ الماضي أم المستقبل؟ 

  بدون تحرير المستقبل من الماضي لا يمكن لنا أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، بينما نتراجع خطوات كثيرة إلى الخلف. لقد أصبحنا اليوم نهرب إلى الماضي ونقرأ فيه مستقبلنا، فأضعنا الحاضر والماضي والمستقبل، ولفظنا التاريخ في زوايا الهامش المنسي. هكذا سوف تكون مقاربتنا لموضع بحثنا مزدوجة المعنى؛ إذ هي من جهة، دراسة لوضع العلوم الاجتماعية والإنسانية العربية الراهنة وممكناتها، ومن جهة أخرى بحث في الآفاق المستقبلية لها في عالم باتت المعرفة العلمية هي مفتاح تقدمه، وفي ظل الحضور المتزايد  لخطاب العلوم الإنسانية والاجتماعية على الصعيد العالمي واتساع نطاق انتشارها وتمكينها وتوطينها أكاديمياً، ثقافيا وإعلامياً، في مختلف المجتمعات والبلدان، وتخصيبها بـ"الخطابات البديلة" التي أخذت تنتشر في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، عبر فتح المزيد من المؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة الرسمية والمدنية. هذا فضلاً عن قيام الهيئة العامة للأمم المتحدة (اليونسكو) بإصدار العديد من القرارات والتوصيات والتقارير التي شددت على ضرورة نشر العلوم الإنسانية والاجتماعية وتنميتها في جميع الدول الأعضاء، لأهميتها الحيوية في التصدي للمشكلات النوعية المتزايدة. 

   "لا يزال للعلوم الاجتماعية الغربية أكبر تأثير على المستوى العالمي. لكن نطاق هذا المجال يتسع بسرعة في آسيا وأمريكا اللاتينية، لاسيما في الصين والبرازيل. وفي إطار أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ينتج العلماء الاجتماعيون في جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا 75% من المنشورات الأكاديمية. ويحتل مجال العلوم الاجتماعية ككل مرتبة متدنية في سلم الأولويات في جنوب آسيا، باستثناء عدد من مراكز الامتياز في الهند"؛

(غودموند هيرنز وآخرون، الفجوات المعرفية: تقرير اليونسكو العالمي للعلوم الاجتماعية لعام 2010، النت، جوجل، موقع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة).


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English