عقد القران المتعدد

والصورة التي أحرقت الأوبريت!
هشام السقاف
March 27, 2023

عقد القران المتعدد

والصورة التي أحرقت الأوبريت!
هشام السقاف
March 27, 2023

كم من عملٍ فنيٍّ بديع ورائع وُئِدَ واختفى من الذاكرة ومن مكتبة التلفزيون؛ بسبب صورة عابرة، مملة ومزعجة، كانت تتصدّر المشهد أو معلقة في صدر المسرح للزعيم أو الرئيس الذي انقضى عهده، فنحن العرب لنا تاريخ جديد يبدأ كل مرّة مع بزوغ رئيس أو حاكم جديد؛ فكم هائل من أعمال موسيقية وغنائية ومسرحية وأفلام وبرامج تسجيلية حُرِمت الظهور وتكرار العرض في التلفزيون لهذا العذر أو المبرر القبيح منذ عرفنا التلفزيون في بلدنا.

يستحضرني الآن مثال الأوبريت الكبير الذي صُرفت عليه الملايين: "جنة الدنيا تريم" الذي قُـدِّم بمناسبة تريم عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2010م، وكان يمكن أن يكون مادة ترويجية رائعة لليمن، داخليًّا وخارجيًّا، ولكنه لم يعرض في التلفزيون إلّا مرتين أو ثلاث أثناء فعاليات المناسبة، وانتهى. لقد شاءت الأقدار أن يُحرق الزعيم في العام التالي للمناسبة، فاحترق معه الأوبريت كاملًا، لأنّ صورة فخامته الضخمة تظهر في العرض بعد كل دقيقة مسلطة على المسرح وفي التلفزيون لا وقت لإزهاقه في إتعاب المعنيين بإعادة مونتاجه. عذرًا، هي طبعًا البلد كلها احترقت وما زالت النيران مشتعلة فيها منذ ذلك، ولكني هنا أقصد إحراق الأعمال الفنية المشابهة.

هل سنعيش عصرًا تختفي فيه من شوارعنا ومسارحنا، ومن كلّ جدراننا، صورُ الزعماء أيًّا كانوا؛ حتى نخفف على أنفسنا سيئات وذنوب لعناتنا عليهم، ونُترَك لنستمتع بالجميل ممّا يروق لأعيننا وآذاننا وبقية حواسنا؟

صيغة غير موحدّة لعقد القران 

في سيئون -ووادي حضرموت عمومًا- يبدأ العاقد/ ولي أمر العروسة مخاطبًا العريس بـ"زوّجتُك"، ثم يثنّيها بـ"أنكحتُك"، ويثلّثها بـ"زوّجْتُك وأنكحتُك" فلانة إلخ. ويجيب العريس بقوله: "قبلتُ تزويجها". وفي المرة الثانية يجيب: "قبلتُ نكاحها". ثم: "قبلت تزويجها ونكاحها" إلخ. 

وأتذكر يومها رئيس قناة الفضائية اليمنية، حسين باسليم، عندما كنّا نعمل مع المخرج المرحوم محسن معيض، في أحد الأفلام الوثائقية لمشهد عقد قران بسيئون (في فيلم فنون من حضرموت 2) عندما طلب مني حذف كلمة "أنكحتك" على لسان عاقد النكاح بحُجّة أنّها "ستثير أقاويل غير لائقة"، مبرّرًا ذلك بأنّها لا تسير على الألسنة في عموم اليمن، وتصرفنا لمسحها بصعوبة حينذاك وسيلحظها المشاهد الفطن.

ويجرني الحديث عن الموضوع إلى أنّ الطريقة التي يتم بها عقد القران عندنا، فيها عيوب لا تخفى على "اللبيبين". ففي "الحراوة" (عصرية عقد القران في بيت أهل العروسة)، يبدأ ولي أمر الفتاة (العروس) بمخاطبة العريس بأنه يزوّجه وينكحه بنته (أو من ولّته)، دون أن يبدأ العريس بأيّ كلمة أو طلب! ولا أعلم ما سرّ السلف الصالح العظيم في هذا، حيث يظهر أبو العروسة وكأنه يستشفع العريس لقَبول ابنته العروسة، (هكذا يظهر لي ويظهر لبعضنا).

وبالإجمال، وفي معظم عاداتنا الحيّة منذ مئات السنين، ما زال عندنا (العريس) صاحب الحظوة العظيمة عند حماته إلى يوم الدين، بخلاف السائر عند بعض العرب والمسلمين، ويكفي أن نعرف أن تجهيز العروسة بالثياب والذهب والماعون يتكلفه ويتحمله والد العروسة بالكامل، إلى جانب الولائم في بيته، وهي تكاليف باهظة لا يساوي المهر الذي يدفعه العريس شيئًا أمامها.

ويتداول هنا عامة الناس المثلَ الشعبي "أبو البنات؛ الرجال" لتصوير ما يتكلفه أبو البنت من أعباء كبيرة جدًّا في زواج ابنته، ولله في خلقه شؤون.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English