التلمذة المهنية: حتى لا يتحول أهم كنوزنا إلى رماد

برنامج غير نظامي لتأهيل الشباب في اليمن
صامد السامعي
December 24, 2021

التلمذة المهنية: حتى لا يتحول أهم كنوزنا إلى رماد

برنامج غير نظامي لتأهيل الشباب في اليمن
صامد السامعي
December 24, 2021

بعد سبع سنوات من الحرب المستعرة في اليمن، هناك حقائق كثيرة لا يمكن الجدال حولها، منها -مثلًا- أن هذا الصراع خلّف عواقب وخيمة على الناس، وتسبَّب بأكبر أزمة إنسانية من صنع البشر في العالم، وأن الشباب والشابات هم الخاسر الأكبر. وفي حين لم تفُت الفرصة لإعادة بعضٍ من التوازن للبلد، إلا أن أي مبادرات لا تضع في رأس قائمة أولوياتها انتشال الشباب من الواقع المحبط الذي أغرقوا فيه، ستكون جهودًا ناقصة.

في عام 2014، كانت ماجدة العريقي (25 سنة)، في نهاية المرحلة الثانوية، وكان لديها حلم، هدف واضح لمستقبلها، وأب يعطيها الثقة والتشجيع الكافيَين لكي تحقق ما تريد. ولأنها تعرف ما تريده عرفت كيف تستغل وقتها، انخرطت مبكرًا في الفضاء العام، وسجلت حضورًا على مستوى الأنشطة الشبابية في مدينة تعز، وفي الوقت نفسه حافظت على تميزها الدراسي.

وهي لا تزال في المدرسة، أعطت ماجدة انطباعًا كافيًا بأن هناك فتاة تصنع مجدًا استثنائيًّا بجهد وثقة ووعي. أصبحت عضوة فاعلة في مبادرات مجتمعية، نشطت مع منظمات مجتمع مدني، وراكمت تجارب وخبرات وعلاقات واسعة، ولم تكن تعتقد أن أي شيء يستطيع أن يقف عائقًا أمام تحقُّق أهدافها ورؤية أحلامها تصبح حقيقة، لكنها لم تكن تعرف الحرب بعد- كما تقول.

إلى جانب ماجدة، هناك زكي الشهابي (20 سنة)، وأسماء عبدالحفيظ (27 سنة). أكمل زكي الثانوية العامة قبل ثلاث سنوات، ووجد نفسه أمام منعطف مهم في حياته: "بسبب الحرب لم أتمكن أن أسجّل في الجامعة؛ لأنه كان علي أن أبحث عن عمل لإعالة نفسي ومساعدة أسرتي"، يتحدث زكي. فيما لم تكن تعتقد أسماء -التي تعاني من إعاقة حركية، جعلت، إلى جانب الوضع الذي خلفه الصراع، الخيارات المتاحة أمامها أقل والتحديات أكبر- أن لها مستقبلًا أفضل من ذلك الذي تطمح له في أحلامها. 

لم يكن زكي يريد التخلي عن حلمه بمواصلة تعليمه، وظلت أسماء تحفز نفسها لكيلا تقع فريسة لليأس، وعلى الدوام كانت ماجدة تعرف ما الذي تريده "فرصة لكي أبدأ، لكي أعرف التفاصيل الصغيرة ومن أين وكيف أبدأ، وسأبذل قصارى جهدي"- تقول.

الفتاة التي كانت على وشك أن تضع قدمًا في مسار مستقبلها، لم تعرف سوى المرارة منذ أن تخرجت من المدرسة، قبل أن تضطر للنزوح مع أسرتها من تعز بسبب الحرب فقدت والدها، ثم فقدت والدتها بعد النزوح. إلى جانب هذا انهار أمامها كل شيء بشكل درامي خلال فترة قصيرة؛ بلدها، حلمها، منزل أسرتها.

هناك أيضا 33 شابًّا وشابة آخرين يواجهون ظروفًا معقدة، ويسعون بمساعدة مؤسسة تنمية القيادات الشابة وبدعم من مؤسسة كونراد أديناور الألمانية إلى التغلب عليها من خلال برنامج التلمذة المهنية غير النظامية. "نحاول أن ندفع الشباب والشابات إلى التفكير بطريقة مختلفة"، يقول محمد الماوري لـ"خيوط"، وهو مساعد منسق مشاريع في مؤسسة تنمية القيادات الشابة عن أهمية هذا البرنامج.

فرص عمل مستدامة للشباب

بهدف بناء فرص عمل مستدامة لتحسين التوظيف من خلال التدريب على رأس المهنة، بدأت مؤسسة تنمية القيادات الشابة بدعم من مؤسسة كونراد أديناور في يوليو الماضي، مشروع التلمذة المهنية غير النظامية الخامس، في أكثر مهنتين طلبًا (الكوافير، وصيانة الهواتف)، واستهدفت 36 شابًّا وشابة.

هذا المشروع ليس الأول من نوعه، بدأت مؤسسة تنمية القيادات الشابة في 2015 بتنفيذه لأول مرة، ليتحول إلى برنامج نفذ في 5 محافظات مختلفة، وحاليًّا هذه هي النسخة الخامسة منه. يقول الماوري "يتميز البرنامج بالمزج بين تلقي المعلومات الأكاديمية والتطبيقات العملية والتدريب في مواقع العمل من أجل زيادة قدرة الجهات الفاعلة المحلية وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الإنعاش الاقتصادي".

يستهدف مشروع التلمذة المهنية غير النظامية الخامس 36 شابًّا وشابة لتزويدهم بالمهارات والخبرات، ويتضمن أنشطة تدريب تطبيقية في ورش العمل (ثلثي التدريبات)، بالإضافة إلى تدريبات نظرية في الثقافة المالية، والسلامة والصحة المهنية، وحقوق العمال، وحقوق النساء، والمهارات الحياتية. 

وقبل تنفيذ هذه التدريبات، أهلت مؤسسة تنمية القيادات الشابة 15 معلمًا ومعلمة (خبراء في المهن المستهدفة) لرفع معارفهم ومهاراتهم في منهجية التلمذة المهنية، وشملت التدريبات منهجية التلمذة المهنية، التقييم القائم على الكفاءة، والسلامة والصحة المهنية، وحقوق العمال.

وإلى جانب التدريبات النظرية والعملية، قدم المشروع حقائب للمتتلمذين، تحتوي على جميع الأدوات التي يحتاجونها لدعمهم في الحصول على فرص عمل مستدامة، والبدء بتأسيس أعمالهم الخاصة.

دافع وشغف الشباب كنز حقيقي

على الرغم من أن الحرب كانت باستمرار، بمثابة الوحش الجامح الذي يتم إطلاقه من دون معرفة ما إذا يمكن السيطرة عليه بعد ذلك، إلا أنها تأخذ منحى أقسى في البلدان غير المستقرة. بعد تخرج ماجدة العريقي من الثانوية، كان الوضع قد اختلف تمامًا، وبسبب الحرب لم يكن أمام أسرتها خيار آخر غير النزوح، وهكذا انهار كل شيء فجأة أمامها.

الفتاة التي كانت على وشك أن تضع قدمًا في مسار مستقبلها، لم تعرف سوى المرارة منذ أن تخرجت من المدرسة. قبل أن تضطر للنزوح مع أسرتها من تعز؛ بسبب الحرب فقدت والدها، ثم فقدت والدتها بعد النزوح. إلى جانب هذا انهار أمامها كل شيء بشكل درامي خلال فترة قصيرة؛ بلدها، حلمها، منزل أسرتها.

"أنا شخصية قوية من زمان"- تقول ماجدة، "لكن أحيانًا الظروف تجبرك أو تسيطر عليك وتجعلك ضعيفًا، ودائمًا عندما نفقد أشخاصًا أعزّاء كانوا كل شيء في حياتنا تحصل لنا انتكاسات؛ بعد وفاة أمي بالذات شعرت بالهزيمة، وعشت في حالة اكتئاب لفترة طويلة لفترة طويلة، ولكن حاولت الوقوف من جديد".

لم يكن لدى ماجدة العريقي خبرة في الكوافير، ولكنها فتاة من النوع الشغوف بالاطلاع؛ "لذلك عندي خلفية عن كثير من الأشياء"، كما تتحدث: "والإضافة التي وجدتها في البرنامج هو أني تعلمت التفاصيل، وكيف ومن أين أبدأ الخطوة الأولى". واليوم تطمح لبدء مشروعها الخاص؛ "لكي أعتمد على نفسي وأحسن وضعي المادي والمعنوي"- تضيف.

"من بداية الحرب وحتى اليوم، واجهت ماجدة الكثير من المصاعب، وكلما كانت تجد نفسها في وضع مأساوي تحاول الوقوف من جديد، تقول: "عندما اشتركت في هذا المشروع وتعرفت على الزملاء والزميلات والمدربين، عرفت أن هناك أناسًا كُثر لديهم معاناة، ولست وحدي، وهذا أعطاني دافعًا آخر لكي أستمر وأثبت نفسي".

تعلمت ماجدة أشياء كثيرة خلال المشروع، تلقت تدريبات نظرية وأخرى عملية، ولأنها تؤمن بأن الشخص يجب أن يبني نفسه بنفسه، فهي تحاول دائمًا تحفيز نفسها، "سوف أساعد كثيرين حولي لو اعتمدت على نفسي، أنا مؤمنة بهذا، وهو ما ساعدني لكي أتغير وأخرج من حالة الاكتئاب، الآن أحاول أن أعيش الحياة بشكل جيد"- تقول.

بعد أن صار عدد خريجي برنامج التلمذة المهنية منذ أن انطلق يقدر بالمئات، هناك حقيقية واضحة يمكن الجزم بها، وهي أن الدافع والشغف الذي يمتلكه الشباب والشابات يمثّل ثروة حقيقية يجب أن ينظر لها بعناية؛ لأن وضع مثل هذا، وضع لا يولد إلا الإحباط، قادر على تحويل كل كنوز الدنيا إلى رماد.


•••
صامد السامعي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English