عمران وتحديات الأمن الغذائي

تقلُّص الرقعة الزراعية في خامس محافظة يمنية
عبد الرحمن حسن مجمل
February 28, 2024

عمران وتحديات الأمن الغذائي

تقلُّص الرقعة الزراعية في خامس محافظة يمنية
عبد الرحمن حسن مجمل
February 28, 2024
.

باستثناء وجود مصنع استراتيجي للإسمنت في قلب مركزها الإداري وبعض المعامل الإنتاجية الصغيرة المتوزعة هنا وهناك، يبقى النشاط الزراعي هو المتربع على رأس الأنشطة الاقتصادية لسكان محافظة عمران؛ حيث إنّ غالبية سكان المحافظة، التي تقع على بعد 50 كيلومترًا شمال العاصمة صنعاء، يمتهنون الزراعة التي يتوارثونها جيلًا بعد جيل، ومن النادر أن تجد من أبناء المحافظة من لا يمتلك أرضًا زراعية، بغض النظر عن كونه ما يزال يعمل فيها أم يُؤجرها لمزارع آخر (شريك)، بعد أن انخرط الكثير من سكان المحافظة في مهن ووظائف أخرى بحكم انتشار التعليم، ومبذولات فرص العمل المختلفة التي تتناسب مع حالة الوعي العامة في المنطقة، ومنها العمل في السلك العسكري والأمني. 

بحكم التنوع البيئي والمناخي أيضًا، تتنوع المحاصيل الزراعية التي تنتجها المحافظة ما بين حبوب وفواكه وخضروات ومحاصيل نقدية أخرى، وتشكل النسبة الأكبر من المساحة الزراعية للمحافظة، التي تتوسط محافظات متعددة التنوع، مثل: (صنعاء، وصعدة، وحجة، والمحويت).

تتوزع المساحة الزراعية في المحافظة، ما بين مدرجات جبلية وقيعان وأودية تُزرع بعضها بأشجار الفواكه، وأشجار أخرى متلائمة مع مناخها المتنوع، ويترك بعضها الآخر للزراعة الموسمية الشائعة للحبوب، كالذرة والدُّخن والشعير والقمح وأصناف أخرى من البقوليات.

تشكّل المساحة الزراعية للمحافظة، بالنسبة للمساحة الزراعية الكلية للجمهورية اليمنية، نسبة (7.13%)، بحسب المركز الوطني للمعلومات، وهو ما يجعلها تحتل المرتبة الخامسة من بين المحافظات الاثنتين والعشرين في المساحة الزراعية الكلية.

ثمة زراعة أخرى تشغل النسبة العظمى من المساحة الزراعية للمحافظة، صُنِّفت بحسب المركز الوطني للمعلومات تحت فئة المحاصيل النقدية، وتتمثل هذه الزراعة في (نبتة القات). وتعتبر زراعة القات من أبرز التحديات التي تواجه المزارعين في المحافظة؛ حيث تشهد زراعته توسعًا مطردًا يومًا بعد آخر، طال حتى المساحات المخصصة لزراعة المحاصيل الأخرى، والسبب في ذلك يعود إلى المردودات المالية الطائلة التي تعود على زارعي وبائعي القات، فتلك المدرجات الجبلية التي كانت تزخر يومًا ما بأنواع المحاصيل الزراعية، باتت اليوم ممتلئة بأشجار القات التي تستنزف كميات هائلة من مياه الأحواض الاستراتيجية، وعلى حساب حصص المحاصيل الزراعية الأخرى، وهو ما يُنذر بنفاد المياه الجوفية، وتعتبر اليمن عمومًا، بحسب خبراء، معرضة للجفاف.

غلاء البذور هو تحدٍّ آخر يثقل كاهل المزارعين، خصوصًا بعد أن تعرضت جمعية المزارعين في المحافظة للخسارة في الآونة الأخيرة، وأدى ذلك إلى توقف عملها، كما أوضح ذلك أحد المساهمين في الجمعية.

في تناولٍ صحفيٍّ نُشر في سبتمبر 2022، في "خيوط"، عنوانه (سباق نحو الأعماق) عن هذا الاستنزاف، قدرت تقاريرُ صادرة عن السلطات المحلية وهيئة الموارد المائية بمحافظة عمران، أن متوسطَ عدد الآبار التي تم حفرها عشوائيًّا من دون تراخيص في مديريات المحافظة خلال النصف الأول من العام 2022، يبلغ 50 بئرًا؛ نصفها غير مكتملة، إضافة إلى قيام مواطنين ببناء خمسة حواجز مائية لحصاد مياه الأمطار من حسابهم الخاص.

هناك العديد من التحديات التي يعاني منها المزارعون في محافظة عمران، بالإضافة إلى ما سبق. فقلة التوعية الزراعية بين المزارعين تشكل أحد أهم التحديات التي تواجههم، حيث يعزف المزارع عن زراعة المحاصيل الزراعية والاعتناء بها كما ينبغي، ويتجه إلى زراعة القات والاعتناء به بدرجة كبيرة، لو وجّهها تجاه المحاصيل الزراعية لانعكست الفائدة عليه وعلى أبناء المحافظة بشكل أكبر، كما أن استخدام السموم بشكل عشوائي وكذلك غير المرخصة ناتج أيضًا عن قلة التوعية الزراعية أيضًا، فهناك أسمدة ومبيدات فتاكة تصل إلى اليمن بطرق غير شرعية، يرافقها "استخدامٌ عشوائي وعدم أخذ بالاحتياطات والاحترازات المفترض التقيد بها أثناء الرش، إلى جانب عدم المعرفة الدقيقة بمواعيد الرش والأنواع المفترض استخدامها طبقًا لأنواع الآفات المختلفة، وعدم التقيد بفترات التحريم المطلوبة"، الأمر الذي يترتب عليه في نهاية المطاف، تفشي أمراض مميتة بين المزارعين والمستهلكين على حدٍّ سواء (السرطانات بأنواعها)، إلى جانب التأثير المباشر في مكونات التربة الزراعية من كثرة الاستخدام غير الواعي والعشوائي للأسمدة والمبيدات. 

وطريقة السقي بطريقة الغمر، وعدم استخدام طريقة التقطير التي تعود على الزراعة بفائدة أكبر، هي أيضًا إحدى مشاكل قلة التوعية الزراعية.

إن غلاء البذور هو تحدٍّ آخر يثقل كاهل المزارعين، خصوصًا بعد أن تعرضت جمعية المزارعين في المحافظة للخسارة في الآونة الأخيرة، أدى ذلك إلى توقف عملها، كما أوضح لي أحد المساهمين في الجمعية، إذ كانت الجمعية تعمل على توفير البذور للمزارعين بأسعار مناسبة.

عند ذكر التحديات التي تواجه المزارعين، لا يمكن إغفال التوسع العمراني الذي يزحف بشراسة هو الآخر، على غرار شراسة زراعة القات، مقلّصًا المساحة الزراعية لصالح الإسمنت، ولا نُغفل هنا أيضًا الإشارة إلى جشع بعض ملاك الأراضي وسعيهم الدؤوب لبيع الأراضي الزراعية كأراض سكنية، حتى مع وجودها في ممرات السيول، وهو أمر ينذر بكوارث كبيرة.

تلك بعض التحديات، وهي تمثل غيض من فيض، من بين جملة تحديات يعاني منها المزارعون في محافظة عمران، وتتطلب تضافر الجهود الرسمية والمجتمعات المحلية؛ بغية تخفيف حدة تلك التأثيرات، في سبيل القضاء عليها مستقبلًا، فالزراعة هي الشريان النابض للاقتصاد اليمني، الذي يعاني من اختلالات جمة بفعل تأثيرات الحرب والانقسام المالي والاقتصادي.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English