علوان.. الإنسان

عن نموذج للرأسمال الوطني في التنمية وتطوير التعليم
أحمد صالح الجبلي
October 27, 2020

علوان.. الإنسان

عن نموذج للرأسمال الوطني في التنمية وتطوير التعليم
أحمد صالح الجبلي
October 27, 2020

  مستمرون! سنستمر! لن نتوقف! قالها علوان وبدون أن يرفع صوته عاليًّا ليلفت الأنظار إلى أهمية ما يقول، وبدون أن يضرب بكف مقبوضة على الطاولة لتأكيد إصراره الأبيض الكريم. لم يرفع الصوت ولم يضرب الطاولة وكأن – وكأن؟! لا! وبدون هذه الـ"وكأن" – بل، لأن من سمات كلامه الطبيعية، ناهيك عن سمات حياته العملية، تفوح منها معاني الإصرار الهادئ النبيل. 

     "لقد لفتت أنشطة المؤسسة انتباه الخارج قبل الداخل – التأكيد من عندي – وحازت على إعجاب ودعم منظمات دولية تنموية رفيعة المستوى، جعلتها تترشح من خلال رئيس مجلس أمنائها لجائزة أوسلو للأعمال من أجل السلام في عام 2013، مع استضافته في مؤسسة مبادرة كلينتون لمشاركة المدعوين إسهاماته في تعليم المهمشين، تقديرًا منها لدوره في التنمية الاجتماعية (نشرة "مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية"). 

    سئل أحد كبار الصوفية في زمانه: من هو الصوفي؟ فأجاب: ليس الصوفي من لا يملك شيئًا، وإنما هو من لا يملكه شيء". بهذا المعنى، يجد المرء علوانَ في علاقته بالعمل الخيري، لا يقف أمامه شيء مما يمكن أن يشكل، فعلًا، عاملًا أو عواملًا تثنيه عن مواصلة السير في موكبه الخاص. الموكب، المهرجان بلا صخب الناس وضجيجهم، مهرجان ممتلئ بالتصميم قابض على عنانه، لا يلهيه عنه شيء. لذلك يكرر: مستمرون! سنستمر! لن نتوقف! لا ظروف موضوعية ولا ظروف ذاتية ولا ما بينهما، ولا قبلهما ولا بعدهما ولا فوقهما ولا تحتهما. عشق في الخير، توحدٌ به، اندماج، فناء فيه! 

بكلمة: علوان صوفي الخير!  

     وقد ساورني شعور الدهشة والإعجاب والفرح في آن واحد – ولا أظن أنني الوحيد الذي هجمت عليه هذه المشاعر – عندما جاء في كلمة الأستاذ يحيى العرشي المرتجلة قوله إن علوان صرح أمامه عندما لم يكن علوان قد بنى ثروته هذه، بل وعندما كان مشروع العمل الخاص لم يزل يتبلور في ذهنه، آنذاك سمعه يقول، بما معناه، إنه سوف يجعل من عمل الخير ميدانًا لثروته.  

    أين المهم؟ سمعته في أكثر من مناسبة يقول –وأنا أكتب من الذاكرة– إن التعليم هو الأساس الذي يكفل تقدم أبناء شعبنا. يقول ذلك عبر فكر تسنده تجربته العملية في العمل الخيري عن طريق "مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية"، التي أسستها مجموعة شركات "العالمية" عام 2009. وقد وجه علوان سهم المجهود الرئيسي لعمل المؤسسة الخيري نحو التعليم، فخصص 74% من قدرات المؤسسة المالية نحو التعليم؛ لأن "العلم هو أساس تقدم الشعوب"، كما جاء في كلمته صباح الخميس الموافق 15/ 10/ 2020، في حفل التكريم الخاص بـ"عقد من الخير"، التي وزعت فيه الجوائز التشجيعية. 

     مرة أخرى: أين المهم؟ عند علوان: المهم هو التوجه نحو أكثر الفئات الاجتماعية حرمانًا وتهميشًا، الذين أطلقت "مؤسسة الخير" عليهم "أحفاد بلال". المهم هو كسر الحلقة التي تورث هذا العيب، هذا "الخزاء" الذي يلطخ وجه الشعب اليمني. بالتعليم، فالتعليم هو الهدف! التعليم ثم التعليم ثم التعليم!!! 

     والحقيقة أنه إذا كان التوريث هو من سمات المجتمع التقليدي: ابن الحاكم يصبح حاكمًا، ابن الجزار يصبح جزارًا، ابن الخراز يصبح خرازًا، وهلم جرًّا. إذا كان الأمر كذلك، فالتعليم وحده هو الكفيل بخلخلة، بل وكسر هذه السلسلة المقيتة، التي تورث هذا الداء الاجتماعي الخبيث. ومن ثم استعادة هذه الفئة وغيرها إلى حضن الوطن. نعم! استعادتهم إلى الوطن! واسمعوا ما قالته إحدى الفتيات الأوائل، واسمها أوال، في كلمتها التي ألقتها في الحفل: "اليوم أصبحنا نحس أننا جزء من المجتمع. منا الأطباء والمهندسون..." أسمعتم؟! ما هذه الحقيقة المفجعة التي نطقت بها أوال؟! اليوم فقط. أما بالأمس، فلم نكن نحس بأننا يمنيون!! هذا هو النص المتواري خلف النص المقروء. وقيمة هذا النص الذي نطقت به أوال أنه لم يصدر عن تحليل أو ما شابه، وإنما يصدر من فتاة تمثل المعاناة الجماعية لكل الفئة في هذا النص الذي لا يتعدى سطرًا واحدًا.

   قيمة هذا النص أنه شهادة "شاهد من أهلها"! وكنت كأنني أسمع المحجرة، محجرة أوال، زغردتها، تصدح في قاعة الاحتفال:   

حياك يا هذا الوطن.. 

عدنا! 

ألا حياك يا علوان! 

شل الجمالة كلها.. 

يهنا! 

قسم يهناك يا علوان! 


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English