عن ترندات العديني وحضارة اليوم

ما يعيشه اليمنيون سببه الفشل في الخروج من عباءة الماضي
رفيق الرضي
December 27, 2024

عن ترندات العديني وحضارة اليوم

ما يعيشه اليمنيون سببه الفشل في الخروج من عباءة الماضي
رفيق الرضي
December 27, 2024
.

لا شك بأن بعض مشايخ العلم حريصون على تصدر الترند في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما لفت انتباهي وأنا أستمع لعبدالله العديني في حديثه عن أغاني الفنان اليمني الكبير أيوب طارش، بكلمة لا تليق بمن يحرص على الدعوة للدِّين بالحسنى. 

بصفتي مواطنًا يمنيًّا يستمع ويردّد أغاني أيوب طارش، لم أستغرب توجيه الشيخ العديني هذه الكلمات بعد أربع سنوات من الحضارة العالمية الجديدة التي تمتد من الصين شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا تحت مسمى (الخلافة الإسلامية) التي وعد بها الشيخ الراحل عبدالمجيد الزنداني أتباعه في عام 2011، في تحريض للشباب على ترك الدراسة الجامعية، والثورة على النظام حينها. ومن ثم، فإن اليمن يعيش في حضارة عالمية تحققت في عام 2020، وعلى المواطن اليمني أن يستمع للداعية العديني فقط، وأن يترك أغاني أيوب طارش التي تمثل زمن اليمن قبل الحضارة والخلافة في مفهوم الشيخ العديني.

لم أكن أنوي الخوض في هذا الغمار، لولا استغباء الناس وقيادتهم إلى الأوهام، وجعل الهم الأكبر لدى الشباب دخول الجنة والزواج بسبعين من الحور العين، دون العلم والتمكن من أسبابه ودون السعي والعمل، فقط بالانقياد والسير مع القطيع، واتّباع الأوهام التي يسردها حراس الفضيلة، ومنهم الشيخ العديني، ممن نصبوا أنفسهم قائمين على الأخلاق، فمن اتبعهم فقد سار في طريق الحق، ومن خالفهم فلا يعدو أن يكون مجرد شخص لا قيمة له.

حب الحياة والوطن والجمال

أتساءل، ومثلي كثيرون: ماذا لو اتّبع الناس جميعًا ما يدعو إليه الشيخ العديني من البعد عن التفاهة في مفهومه، هل سيحتفظ بوظيفته الحالية ولمن سيوجه خطبه العصماء؟ وفي الوقت نفسه، أتساءل: ما المعايير التي استند عليها الشيخ الكريم في حديثه بعيدًا عن الحلال والحرام التي تحدث بها آخرون. يبدو الشيخ العديني سعيدًا برَدّة الفعل المنتشرة في وسائل التواصل، الناشئة عن محبة حقيقية للقيمة الوطنية الكبيرة؛ أيوب طارش عبسي، الذي لم يقدم للناس سوى الصدق الفني والكلمات التي تدعو إلى حب الحياة والوطن والجمال. 

بينما الكثير من الشعوب ترفع عن كواهلها جلابيب التخلف والجهل، نرى اليمني يعود إلى كهوف الجهل والخرافة والتخلف بسرعة كبيرة. كنت أتمنى أن يكتفي الشيخ العديني بتوجيه نصيحة للشباب بالاستماع إلى الأناشيد الحزبية لجماعته، وهذا من حقه، لا أن ينكر على الآخرين حقهم في الحياة، وأن يصدر أحكامه على ملايين اليمنيين ممن تربوا على قصائد الشاعر الفضول بصوت الكبير أيوب طارش. 

ما أراه، وقد أكون مخطئًا، أن ترك اليمنيين حضور ندوات شيوخ الدين، هو السبب وراء الهجوم الكبير على الفنان أيوب طارش ومحبيه، فلم نسمع من أيوب طارش سوى كلمات تتغنى بالوطن والحياة والجمال، بينما نرى في الجانب الآخر كلمات تنفر النشء عن الدين، خاصة في ظل ظروف اقتصادية جعلت همّ اليمني الأول الحصول على قوت يومه، وجعلت ملايين الأطفال في اليمن يبحثون عما يسد رمق جوعهم. ليس اليمنيون بحاجة سوى خلع عباءة الكهنوت التي تتخذ من الدِّين وسيلة لتحقيق غاياتها الدنيوية، بينما تنكر على أتباعها ومخلصيها حقهم في الحياة. 

بينما الكثير من الشعوب ترفع عن كواهلها جلابيب التخلف والجهل، نرى اليمني يعود إلى كهوف الجهل والخرافة والتخلف بسرعة كبيرة. كنت أتمنى أن يكتفي الشيخ العديني بتوجيه نصيحة للشباب بالاستماع إلى الأناشيد الحزبية لجماعته، وهذا من حقه، لا أن ينكر على الآخرين حقهم في الحياة، وأن يصدر أحكامه على ملايين اليمنيين ممن تربوا على قصائد الشاعر الفضول بصوت الكبير أيوب طارش.

أتمنى أن أرى في وطني حرية الرأي التي تسمح للشيخ العديني بمحاورة الآخرين وسماع آرائهم، عوضًا عن تنصيبه نفسه حارسًا أمينًا على الدين والفضيلة، يحق له منحها لمن أراد ونزعها عمن خالفه. أتمنى من الشيخ الفاضل أن يعرف حدود النصح والإرشاد في إطار الحكمة والموعظة الحسنة، وأن يكون قدوته الرسول الكريم (ص)، وليس مشايخ تتلمذ على أيديهم، تبنوا منهجًا معينًا يهدفون من خلاله إلى احتكار الدين والدنيا في آن واحد، بيمينهم يأخذون بيدك إلى الجنة وبشمالهم يمدون إليك فتاتًا مما جمعوه. 

أشك بأن هناك يمنيًّا لم يستمع للفنان أيوب طارش وهو يشدو بكلمات النشيد الوطني (رددي أيتها الدنيا نشيدي)، وأن هناك يمنيًّا لم يستمع للفنان أبوبكر سالم بلفقيه وهو يشدو بأغنية (أمي اليمن)، لكني على يقين أن ملايين اليمنيين لم يستمعوا لما يردده الشيخ العديني الذي يبدو حريصًا على أن يكون له حضور في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه واحدة من مآسي الشعب اليمني العديدة التي وجدنا أنفسنا فيها. 

الحلال والحرام السياسي

لا أدعو الشيخ الجليل وأتباعه إلى سماع وترديد أغاني أيوب طارش، وليس من حقنا إصدار أحكام على أحد، وإن كان الشيخ جادًّا فيما يقوله، فأدعوه إلى أن يبحث لنا عن وطن يتسع لنا برفقة أيوب طارش وأغانيه، وليكن الوطن خاصًّا بفضيلته ومن يشاركه الفكر من الجماعات الدينية التي لن تجد وسيلة لجمع المكاسب سوى الحديث عن الحلال والحرام. ويكفيني جواب الشيخ الجليل عن تساؤلي بشأن اليمني الذي لا يجد قوت يومه؛ هل يستمع لفضيلته أو لأيوب طارش؟ 

ليست مشكلتنا في اليمن قلة الثروات، فهناك شعوب كثيرة حولنا استطاعت أن تنهض من بين مخلفات الماضي رغم قلة ثرواتها، لتبدأ السير في طريق المدنية والتطور والعمران، وقبل كل شيء بناء الإنسان المتعلم والمثقف، الذي لا يحتاج إلى من يُملي عليه ما يعمله وما يستمع إليه. مشكلتنا في اليمن الوصاية من قبل جماعات وأفراد ليس لديها ما تقدمه أو تقوم به سوى وصايتها على الآخرين.

مشكلتنا في اليمن، العيشُ في الأوهام والخيالات التي لا تمت إلى الواقع بصلة، ومنها أننا نحتاج من يدلنا على طريق الجنة ويأخذ بأيدينا بعيدًا عن النار. مشكلتنا في اليمن أن بعضنا ما زال يعتقد أن اليمن أصل العرب، وأن هذا يكفينا في مواجهة تحديات الحياة اليوم. مشكلتنا في اليمن أن هناك من ينفخ في نيران التطرف الديني والحزبي، دون أن يدرك عواقب ذلك على الأجيال القادمة. مشكلتنا في اليمن أننا نريد أن نصلح العالم، دون أن ندرك ما نحن بحاجة لإصلاحه في أنفسنا من أقوال وأفعال.

أنهي مقالي بتساؤل: هل يمتلك العديني الذي يحظى بتقدير بين أتباعه أن يظهر ليعلن اعتذاره لجميع اليمنيين عن وصفهم بكلمة لا تليق بداعية إسلامي، ليكون بذلك قدوة لغيره ممن ما عادوا يميزون بين الحرية الشخصية وحرية الآخرين. أتمنى ذلك، وبصفتي يمنيًّا سأعيش في وهم أن هذا التصرف قد يحدث يومًا ما، لنعرف أن حريتنا تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.

•••
رفيق الرضي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English