أسرار "المحويت" المدفونة

العبث والإهمال يطال معالمها ومواقعها الأثرية والتاريخية
سعاد طاهر
November 18, 2023

أسرار "المحويت" المدفونة

العبث والإهمال يطال معالمها ومواقعها الأثرية والتاريخية
سعاد طاهر
November 18, 2023
.

لوهلة قد يخيل لزائر محافظة المحويت، أنه يحتضن الطبيعة الخضراء المتداخلة بتضاريسها المتنوعة، لما تتمتع به من جمال خلاب، يجعلها قِبلة سياحية مميزة، وفي الوقت ذاته، لا تعني زيارتها الاستجمام والاستمتاع بسحرها فقط، فهي تفرض عليك الدخول إلى متحف مفتوح يحتوي في جنباته الطبيعية على الكثير من الآثار والمعالم التي تشير إلى الحضارة اليمنية القديمة والوسيطة، وتدل عليها الاكتشافات المتتالية التي أظهرت ممارسة اليمنيين لفنّ تحنيط الموتى كالفراعنة.

المحويت واحدة من أبرز المحافظات اليمنية التي تحوي كمًّا كبيرًا من المقابر الصخرية والمومياوات، ولهذا السبب يلقبها الآثاريون والمكتشفون بمقبرة الملوك؛ لوجود ما يقارب 300 مقبرة صخرية، والعشرات من المواقع الأثرية التاريخية المتوزعة على مناطقها المختلفة، كما تحتوي مومياوات محنطة يعود تاريخها إلى فترات العصر الحجري وما قبل الميلاد. هذا التاريخ الموغل والمهم يجهله سكانها ولا يعرفون قيمته الحقيقية، فصار عرضة للعبث والتدمير.

فوفقًا لما ورد في الممسوحات الأثرية الميدانية التي نفذتها الهيئة العامة للآثار خلال الفترة من 1998 حتى 2002؛ هناك ما يزيد على 700 موقع ومعلم أثري هامّ، من ضمنها المقابر الصخرية في شبام كوكبان، والمحويت، والرجم، وملحان، وحفاش، وبني سعد، والطويلة.

إضافة إلى مديرية الخبت التي تحتوي على الكثير من الآثار التي لم يتم إلى الآن الإفصاح عنها، وهذا ما أدلى به أهالي المنطقة عند عثورهم على آثار دالة على وجود حياة قبلهم من آلاف السنين، ومن هذه اللُّقَى: تحف وأوانٍ منزلية، وهياكل عظمية ومومياوات، إضافة إلى الحلي وبعض المعادن، مثل: الجرانيت، الرخام، النحاس، وأيضًا الذهب، التي لم تهتم بها الجهات الرسمية. 

كما أنّ هناك الكثير من المعالم التاريخية والأثرية والطبيعية في مختلف مناطق المحافظة، التي هي اليوم معالم سياحية تميز المحافظة عن غيرها. ومن هذه المعالم: جامع ماسية، حصن ردمان، كوكبان، بكر قوت حمير، حصن شمسان، جبل التبس، الريادي، المصنعة، معشقة شلال القلف، قبة الشاحذية، كهف عنقص، وغيرها من المعالم التي تجعلها من أهم المحافظات السياحية في اليمن. لكن كل ما تم ذكره بحاجة للترميم والصيانة، بسبب ما تعرضت له من تعديات بشرية، وأخرى طبيعية، أدّت إلى تشويه وتدمير أكثرها.

ويشير المختص في مجال الآثار د. محمد يحيى، لـ"خيوط"، إلى أنّ هذه المدينة قديمة كما تم الإشارة إلى ذلك في كتب الهمداني وغيرها من الكتب والمراجع التاريخية، إضافة إلى ما تحويه من آثار لم تكشف أكثرها حتى اليوم، فكل عزلة ومحل بالمحافظة يحتوي على العديد من الأسرار التي ما زالت مطمورة تحت الأنقاض.

مقبرة صخرية في المحويت

العبث بالمواقع الأثرية

تقسم محافظة المحويت إلى تسع مديريات، وكل مديرية تحتل مركزًا، لاحتوائها على آثار تاريخية تدل على عراقتها، ولكن لا يزال الوعي قاصرًا عند سكان هذه المناطق بكيفية التعامل مع هذه المقتنيات، فهم يعتقدون أنّها مجرد صخور ومقتنيات لا فائدة منها، وبعضهم يحتفظ بها له دون علم الآخرين؛ لذا لا بُدّ من نشر الوعي بأهمية هذا الإرث التاريخي بكافة أرجاء المنطقة؛ كونها غنية بالآثار، فاسم بلاد حمير لم يأتِ من فراغ.

وقال مدير مكتب الآثار في المحافظة، في حديث سابق، أنّ المقابر المكتشفة حُفرت على شكل فتحات مستطيلة في أعالي الجبال الشاهقة، وتفتح إلى الداخل بشكل أوسع وهي بهيئة غرفة واحدة، وقد تصل أبعادها إلى 3 أمتار وتقترب مساحتها من متر ونصف. 

يذكر أنّ اكتشاف المقابر الصخرية لأول مرة في اليمن كان في العام 1983 في منطقة شبام الغراس، في بني حُشيش بصنعاء، وتم الكشف عن أولى المومياوات والمقابر الصخرية في المحويت عام 1993، في منطقة الأهجر، حيث اكتشفها الأهالي، وتعرض بعضها للعبث.

مثّلت هذه المقابر كشفًا مهمًّا عند المهتمين بشؤون الحضارات الإنسانية القديمة، وفي الأعوام السابقة قامت بعثات هولندية فرنسية وأجنبية أخرى، بعمل ممسوحات أثرية لهذه المقابر ودراستها، وأفضت بنتيجة مفادها أنّ هذه المقابر قديمة جدًّا وذات قيمة تاريخية كبيرة، وهذا ما جعلهم يطلقون على المحويت "مقبرة الملوك".

موميات يمنية محنطة-المحويت

أسرار مدفونة

في الشائع عند المؤرخين، أنّ المحويت لا تعد من مستوطنات اليمن التاريخية والآثارية، ولم يكن بها ملوك، ولهذا يفترض أن تكون المقابر في مارب وحضرموت والجوف، غير أنّ مقابر المحويت المكتشفة أثبتت أنها مستوطنة تاريخية، عرفت التحنيط بشكل لا يقل عن مستوى الفراعنة، وهذا دليل على حضارة اليمن، وربما عرفنا التحنيط في وقت أسبق بكثير من القرن الثالث قبل الميلاد. 

الباحث المهتم بالتاريخ، عارف سعيد، يتحدث لـ"خيوط"، أنّ المحويت كغيرها من المحافظات اليمنية مناطق تاريخية وأثرية، لكن المشكلة أنها لا تزال مناطق خام لم تُكتشف بالشكل المطلوب الذي يوثقها ويبرز مكنوناتها بالتزامن مع اهتمام الجهات العامة بمعالمها من خلال الحفاظ عليها وتوثيقها في إطار خطة وبرامج واسعة بالتعاون مع الجهات المسؤولة عن القطاع السياحي، وجعلها محط اهتمام وجذب للزائرين في إطار تنمية السياحة الداخلية، ومِن ثَمّ على مستوى الاهتمام بالسياحة الخارجية. 

تعتبر المحويت من المناطق العريقة التي وُجد فيها الكثير من التحف واللقى والمقابر التي تعود إلى أزمنة مختلفة من تاريخ اليمن. ويمثل جبلا حفاش وملحان بمقابرهما الصخرية، نقطة بارزة في هذا الإرث؛ حيث كان الأول حصنًا مانعًا أمام تقدم الأحباش في غزوهم لليمن، وساهم هذا المنع في تحريرها لاحقًا، كما أنّ (وادي لاعة) الذي يفصل المحويت عن محافظة حجة، علامة بارزة تسكنه قبائل عريقة في شبه الجزيرة العربية تعود أصولها لتبباعة اليمن وملوك حمير، واختلاف لهجات المحافظة بين كل مديرية وعزلة دليل على هذا التنوع الكبير فيها، فدائمًا ما يتم التعريج بشكل أو بآخر على بلاد المحويت أو كما تسمى بلاد حمير كما يجيء في بعض كتب التاريخ القديمة والمخطوطات.

المحويت لوحة ربانية وأعجوبة سياحية، رُسِمت بأنامل من الإبداع الإلهي، فهي كنز سياحي لم يحسن استغلاله بعد، وهي متحف مفتوح ينبغي الحفاظ على شواهده الكثيرة.

•••
سعاد طاهر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English