الحجرية

هل لبّت نداء الثورة، وكيف؟
عبدالرحمن بجاش
October 21, 2022

الحجرية

هل لبّت نداء الثورة، وكيف؟
عبدالرحمن بجاش
October 21, 2022

حتى أنا متحسس! وكأن الكتابة عن الحجرية أمر محرم، وكأنها جزء من كوكب آخر، وليست منطقة يمنية كأي منطقة، ولن أزيد، بل أقول:

لا يزال ما قاله اللواء حمود بيدر ونحن في مقيل بأمانة العاصمة -وزارة الثقافة حاليًّا- يرنّ في أذني: "أنتم وقود الثورتين ولا تدرون"، هذا تقديرٌ من رجل بحجم بيدر يعني الشيء الكثير، كان ذلك أيام لجان الوحدة.

وما يزال كذلك ما قاله اللواء علي عبدالله السلال عن الحرس الوطني الذي قاتل من أول أيام الثورة قبل أن يأتي الجيش المصري، و"لو لم يقاتلوا لفشلت الثورة"، وأنا أعلم علم اليقين أنّ معظم رجال الحرس من الحجرية، إذ رغم صغر سنّي يومها، فقد شاهدت كثيرين فقط من منطقتي قدس، عندما كنت أرافق اللواء علي مغلس إلى بيت الرماح بشارع عصيفرة، وقد أتى من عدن وانضمّ إلى الحرس أولًا، والذين وفدوا من عدن معظمهم من أبناء الحجرية.

إلى الكلية الحربية، تدفق أبناء الحجرية، إلى المدارس تدفقوا إلى الألوية العسكرية التحقوا بألوية الثورة والنصر والعروبة، وإلى الصاعقة والمظلات، وكل فروع القوات المسلحة والقوات الجوية، مراجعة سريعة في كشوفات سلاح الطيران ستُري الأعمى كم من أبناء الحجرية كانوا طيارين ومهندسين.

طوال سنوات حرب الجمهورية والملكية والتي يطلق عليها البعض "الحرب الأهلية"، قاتل أبناء الحجرية في كل جبال وسهول وأودية الشمال دفاعًا عن الثورة الجمهورية، سيأتي من يقول؛ فقط أبناء الحجرية؟ أقول "بالفم المليان": لا، اليمن الجمهوري قاتل كله، هنا موضوعنا منطقة الحجرية.

بعد أحداث أغسطس المشؤومة، وتحت شعار "الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة" جرى التخلص من كثيرين من أبناء الحجرية، حتى لم يبقَ ضابطٌ واحدٌ (أقصد قائدًا)/ برغم الادعاء بأنّ الجيش ظل مؤسسة وطنية.

الحزبية سيف ظلَّ مسلطًا على رؤوس أبناء الحجرية حتى في الوظائف المدنية، وسأقول لكل مكابر: لقد تم تصنيف كل من لم يخضع بأنّه حزبي غصبًا عنه. ويا ويل فلان يرفع رأسه، حتى تسمع من يهمس في أذنه "حزبي"، فيتحول كثيرون إلى شهداء أحياء. دستور العام 70 حرّم "الحزبية بكل أشكالها"، قبل ذلك لم يقونن الأمر، ولم يكن هناك دستور.

من لحظة أن أعلن نجاح ثورة سبتمبر، هب التجار وأصحاب الحرف من الحجرية يفتحون دكاكينهم في المدن الثلاث، تعز والحُديدة وإلى صنعاء تدفق الشباب والكبار، كلٌّ ينقل مهنته إلى باب اليمن وإلى شارع علي عبدالمغني، أسّسوا شركات المقاولات وأسّسوا المباني على جانبي الشارع، وانتشر أبناؤها من ذلك اليوم وصولًا إلى صعدة

في لحظة، تقرّر أنّ الحزبية لم تعد عمالة وخيانة، بل إنّ وجودها يمثل "قمة" الديمقراطية، لكن حزبية عبدالرقيب وعبدالرقيب الآخر، ظلت تهمة يتوارثها كلّ من أتوا على أثرهم منهم!

كم من الأسماء إذا قلت نحصيها هنا لجنود وضباط من أبناء المنطقة، إمّا استشهدوا وقطعت حتى مرتباتهم، أو أرسلوا إلى بيوتهم قسريًّا، أو أحيلوا إلى القطاع المدني، ويا ويلك إذا سمعنا لك صوتًا.

وها هو عبدالرقيب عبدالوهاب، ظل يُقتل من لحظة استشهاده كل يوم، قبره لم يعرف إلا مؤخرًا باكتشافه من قبل محبين للرجل، واسمه جرت محاولة حثيثة لطمسه أينما يذكر كتابة ونطقًا.

طيب، الرجل كان قائد المظلات ورئيس الأركان. هذا لم يغفر له. طيب، الرجل قاتل واختلف مع الآخرين، وهذا يحصل في كل الثورات والحروب، لكن الرجل لم يغفر له؛ لأن لا قبيلة ينتمي إليها ومشايخ يهزون العصا في وجه أكبر كبير.

طيب هل ذنب عبدالرقيب أنّه قاتل دفاعًا عن الثورة والجمهورية؟ يقولون لك كان حزبيًّا، طيب لنفترض أنّه كان كذلك، ألم يكن العيني بعثيًّا ومجاهدًا، والمتوكل وسنان وغيرهم، لماذا حزبية عبدالرقيب بالذات صارت جريمة.

سألت اللواء يحيى محمد الكحلاني، فقد سكن هو وعبدالرقيب في بيت واحد: "رجاء يا فندم يحيى وبأمانة، هل كان عبدالرقيب حزبيًّا؟"، قال بالطريقة اليمنية: "عليّ الحرام والطلاق، عبدالرقيب لم تعرف له الحزبية طريقًا، كان مقاتلًا مهمومًا بالوطن".

هنا تحضرني حكاية مفادها، وقد سمعتها من ضابط كبير من الذين يخافون أن يتكلموا، في لحظة بدا للبعض أنّ صنعاء ستسقط بيد الملكيين، فقال ضابط كبير جدًّا، مسؤول كبير جدًّا، لعبدالرقيب: "هيا تعال معي القاهرة، صنعاء ستسقط، تذهب معي وأزوّجك واحدة من البنات". ردّ عليه عبدالرقيب: "يا فندم، لا أملك من الدنيا غير هذه البدلة، سأظل أقاتل حتى النهاية"، للعلم فالرجل حتى لم يتزوج.

وعود على بدء، يكون السؤال: هل الحزبية شيطان رجيم؛ أو هي عمالة وخيانة؟ لم يصدر قانون يجرّم الحزبية، كان الأمن الوطني يسلطها سيفًا على رقاب من يختلف معه في رأس السلطة، وحتى مدراء العموم كانوا يهدّدون بها موظفيهم. 

ماذا لو كان عبدالرقيب حزبيًّا؟ هل سينتهي الكون؟ هل ستحدث كارثة نووية مثلًا؟ يخفف البعض تحاملهم فيتهامسون، فتدرك أنه الكيل بمكيالين.

أسماء كثيرة قاتلت، ليقضي الأديمي ،من رفع شعار "الجمهورية أو الموت"، أيامَه الأخيرة في قريته يعاني الجوع. وخذ محمد مهيوب الوحش، وكأنه لم يقدّم شيئًا. وكم وكم... إلى جانب قادة آخرين من محمد صالح فرحان إلى مثنى جبران إلى علي شعنون، لم يتذكرهم أحد.

هناك منطق ساد غصبًا: "أنتم معكم كل شيء"، و"أنتم موجودون في كل محافظات البلاد"، طيب معهم ما هو حق لهم، وتواجدهم في كل مناطق البلاد مثلُهم مثل غيرهم، لم يأخذوا حق أحد بالقوة، بل تملكوا بمالهم.

في جنوب البلاد، ليس عبدالفتاح من يمثّل الحجرية فيه، بل إنّ المنطقة تدفّقت من جبالها إلى السواحل، وحرثت الأرض والبحر طلبًا للرزق الكريم، فعلموا أولادكم، وافتتح النعمان كلية بلقيس، وابتعث أولادهم إلى الخارج في طلب العلم، وفي كل مهنة كان ولا يزال للمنطقة عنوان.

ومن لحظة تفجير الكفاح المسلح إعلانًا لثورة أكتوبر من جبال ردفان، كان للحجرية الدور البارز، إلى جانب كل مناطق الجنوب، والتاريخ والسيرة الذاتية للجنوب فيها ما يفيد.

من لحظة أن أعلن نجاح ثورة سبتمبر، هبّ التجار وأصحاب الحرف من الحجرية يفتحون دكاكينهم في المدن الثلاث، تعز والحُديدة وإلى صنعاء تدفق الشباب والكبار كلٌّ ينقل مهنته إلى باب اليمن وإلى شارع علي عبدالمغني، أسّسوا شركات المقاولات، وأسّسوا المباني على جانبي الشارع، وانتشر أبناؤها من ذلك اليوم، وصولًا إلى صعدة.

وإلى البنك اليمني، اندفع التجار يشترون أسهم الشركات التابعة له، يودعون أموالهم فيه، ويساهمون في رفع رأس ماله ضمن النسبة المقررة للقطاع الخاص. ولم يكن عبدالغني علي سكرتيرًا للسلال فقط، بل رجل المال والاقتصاد، وأسماء كثيرة قدّمت الكثير.

مع كل ما قدّمته الحجرية، فلم تمنّ أبدًا، حتى المقاتلون من أبنائها عادوا إلى قراهم ولم يسمع منهم أحدٌ كلمة، ولم نسمع لا شيخًا ولا مثقفًا ولا متعلمًا مَن يمنّ ويقول: قدّمت، ورحم الله الشيخ عبدالحق الأغبري ورحم السلال الذي قال لجمال؛ هذا الشيخ الوحيد الذي يعطي للثورة، ولا يطلب من الدولة شيئًا.

هذا غيض من فيض.

لا يعني أبدًا الانتقاص من أدوار اليمنيين الذين أيّدوا الثورة من كل مناطق البلاد. فقط هو نوع من تسليط الضوء على ما يفترض أن يسلط، ولا ينتقص من أدوار الآخرين إطلاقًا.

•••
عبدالرحمن بجاش

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English