هل يمرّ العيد من الحُديدة؟

تقاليد يغيبها الفقر والنزوح وغلاء الأسعار
الحسين اليزيدي
July 12, 2022

هل يمرّ العيد من الحُديدة؟

تقاليد يغيبها الفقر والنزوح وغلاء الأسعار
الحسين اليزيدي
July 12, 2022

أثرت تداعيات الحرب على مجمل حياة المواطنين في الحُديدة، الذين يعاني غالبيتهم ويلات النزوح وغلاء الأسعار، الأمر الذي انعكس بدوره على طقوس وعادات وتقاليد العيد، التي كانت تتميز بها المحافظة على وجه الخصوص.

كانت مثل هذه المناسبات العيدية لا تمر بدون معايشة طقوسها، وما أمكن من عاداتها وتقاليدها التي تميز أهالي تهامة عن غيرهم من سكان المحافظات اليمنية الأخرى.

وتسبّبت الحرب الدائرة منذ العام 2015، بأكبر أزمة إنسانية في العالم كما تصنّفها الأمم المتحدة، وتدهورٍ اقتصادي ومعيشي يطال غالبية السكان في اليمن بشكل عام، والحُديدة بصورة خاصة، الأمر الذي انعكس على حياة الناس وأولوياتهم واهتماماتهم وتركيزهم على توفير ما أمكن من متطلبات الحياة المعيشية. 

انحسار التقاليد

حسام أحمد (30 سنة)، من أبناء الحُديدة، يذكر لـ"خيوط"، بعض الطقوس التي تميز العيد في المحافظة، كإشعال النار ليلة العيد، حيث يسمى هذا الطقس في حيس "امشعليلة"، إذ يتم مزج الكيروسين بالرماد وتشكيله على هيئة كرات ثم يتم توزيعه على سطوح المنازل أو حولها استعدادًا لإشعالها، بالتزامن مع هذا يلعب الأطفال والكبار أيضًا بالمفرقعات النارية.

صباحَ العيد يلبس الجميع ملابس جديدة، إذ يرتدي الرجال الزِّيّ التهامي الذي يتكون من كوفية ومعوز وشميز، و"كمر" (حزام يُشد به الذكور وسطهم)، ويقوم الأطفال بزيارة الجيران والأهل حيث يستقبلهم الأهالي بإعطائهم ما يسمى "العسب"، وقد يكون نقودًا، أو حلويات محلية تمتاز الحُديدة بصناعتها، أو حلويات خارجية كالشوكولاتة وغيرها، مما تحتويه أطباق العيد.

في السياق، تستعد النساء في الحُديدة قبل أيام من حلول العيد، حيث يوفرن الماء من الآبار يدويًّا، ويطحنّ حبوب الذرة والدخن لصباح العيد، حيث يكون للعيد طابعه الخاص في لمّ شمل العوائل.

في العيد أيضًا، يحضر الموروث الشعبي، مثل رقصة "المخدمي" حيث يقوم الشخص الذي يؤديها بالوثوب عاليًا متجاوزًا لشخصين ثم يؤدي الرقصة برجليه بالضرب على الأرض، ورقصة "المشنب" والتي لا يقوم بها إلا كبار السن ذوو الخبرة، إذ ترتكز على التلاعب بالعصا بطرف الأصبع، ورقصة "الهز" التي تعتمد على تحريك الأكتاف بطريقة متوازنة وملفتة.

لكن هذه العادات والتقاليد والوجبات والممارسات الخاصة التي كانت حاضرة بقوة في السابق، خفتت كثيرًا، كما يقول التربوي يحيى عبدالله قاسم (45 سنة)، لـ"خيوط"، وذلك بسبب الحرب والصراع الدائر في اليمن، والذي نالت منه الحديدة نصيبها الوافر من تبعاته القاسية.

بإعلان يوم (الخَلْفَة) -اليوم الذي يسبق العيد بيومين- يستعد الباعة في الحُديدة لتوفير متطلبات أبناء المنطقة، حيث يتوافد الناس إلى السوق لشراء احتياجاتهم من الملابس والسمن والعسل والدقيق، والماشية وسلع أخرى متعددة

يبرز الزي التهامي المميز بالألوان البيضاء، السائد في الأعياد، بالإضافة إلى الحلويات الخاصة بمنطقة تهامة، مثل "المشبّك" و"الزمبطية" و"الجلجلان"، أما الفتة التهامية فتتكون من أقراص حبوب الدخن المفتوت والمخلوط بالسمن والعسل والحليب الطبيعي، حاليًّا تلاشت هذه التفاصيل كثيرًا في مختلف مناطق محافظة الحُديدة الواقعة شمال غربي اليمن.

وجه مختلف

بعد اندلاع الحرب في مارس/ آذار 2015، تغيرت الحياة على مستوى البلد بشكل عام، وكان أثرها بالغًا على محافظة الحديدة التي كانت جغرافيتها مسرحًا للعمليات العسكرية من قبل طرفي الحرب. يقول لـ"خيوط"، علي المقرمي (50 سنة) نازح من الحُديدة إلى صنعاء: "كنا نستقبل العيد بتجهيز الملابس الجديدة للأطفال وتوفير حلويات العيد واختيار الحدائق التي سوف نزورها أيام العيد، وفي صباح العيد يذهب الآباء للمكان المخصص لصلاة العيد وبمعيتهم أولادهم. كانت تمضي الأمور وفق تسلسل وطقوس يلتزم بها الجميع، لكن الحرب غيرت كل شيء".

ويضيف المقرمي أنّ ارتفاع الأسعار ساهم أيضًا بتغيير طقوس العيد، حيث طغى البحث عن السلع الأساسية على ما سواه من الأمور والمتطلبات الأخرى.

من ناحيته يسرد الباحث، محمد شنيني، بعضَ العادات التي اندثرت؛ منها (يوم الخَلْفَة) حيث يُنادى للإعلان عنه من أجل إقامة سوق محلية استعدادًا للعيد، إذ يتم تكليف المنادي الذي يجوب السوق من قبل شيخ القبيلة بإعلان الناس عن موعده بالقول: "بأمر شيخ القبيلة الشيخ فلان بن فلان، الحاضر يعلم الغايب أنّ الخميس ذا يسقط ولقاه امْخَلْفة"، بمعنى: (الخميس الذي بعد الخميس القادم هو يوم الخلفة).

بإعلان يوم الخَلْفَة -اليوم الذي يسبق العيد بيومين- يستعد الباعة في الحديدة لتوفير متطلبات أبناء المنطقة، حيث يتوافد الناس لشراء احتياجاتهم من الملابس والسمن والعسل والدقيق، والماشية وسلع أخرى متعددة. 

ويسمّي التهاميون ثاني أيام العيد "عيد الأصهار"، إذ جرت العادة أنّ الزوجة تقضي أول أيام العيد في بيت زوجها، واليوم الثاني تأتي مع زوجها وأولادها لبيت أهلها.

ويرى الإعلامي، صدام حسن، من أبناء الحديدة، أنّ التنوع الكبير في الموروث الثقافي والشعبي التهامي، يختلف ويتنوع بتنوع وتعدد المدن التهامية، حيث إنّ لكل منطقة عاداتها وطقوسها العيدية الخاصة.

ويؤكّد حسن لـ"خيوط"، أنّ الحرب أثّرت كثيرًا على مجمل الحياة في اليمن، والحديدة على وجه التحديد، ومن ضمنها عادات الناس وطقوسهم خلال هذه المناسبة الدينية، حيث أصبح الناس يحرصون على توفير لقمة العيش والبحث عن الأمان، خاصة مع توقف الكثير من الأنشطة الزراعية والسمكية التي يعتمد عليها سكان المحافظة.

 ويشير حسن إلى أنه رغم كل هذه المؤثرات القاهرة تبقى هذه العادات والطقوس العيدية حاضرة في وجدان الإنسان في الحديدة؛ لأنها جزء من تراثه وماضيه الجميل وموروثه الحضاري والثقافي.

•••
الحسين اليزيدي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English