"طوفان الأقصى" ومعركة المفاهيم

الغرب "الديمقراطي" مساندًا لآلة القتل الإسرائيلية
شذى العريقي
October 19, 2023

"طوفان الأقصى" ومعركة المفاهيم

الغرب "الديمقراطي" مساندًا لآلة القتل الإسرائيلية
شذى العريقي
October 19, 2023
.

منذ صباح يوم السبت، الموافق 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ومع انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، التي بدّدت في ساعاتها الأولى وَهْم أعظم جيوش العالم، وأسقطت معه نظرية توازن القوى ومفهوم الردع، حيث استطاعت فصائل متواضعة العدة والعتاد والعدد أن تهز دولة الاحتلال الإسرائيلي بصورتها الأمنية والعسكرية والتكنولوجية.

وليس ذلك فحسب، بل إنّ الغرب وقف مشتَّتًا أمام ذلك، عاجزًا عن تحليل الموقف والنظر إليه بعقلانية وحياد، فكيف لهذه الجماعة أنّ تهدِّد كيانًا منّا ويحسب علينا؟! لتسقط بعدها مفاهيم عديدة ناتجة عن هول الصدمة، حيث بدأ هذا الغرب يناقض نفسه يومًا بعد يوم، ويسير بعكس التيار الذي طالما سوّقه عن نفسه؛ يقمع، يميع المفاهيم، يتلعثم ويكذب بوضوح أمام الملأ. الغرب الذي كان يلعب بذكاء ليخفي نواياه، يلعب اليوم بصورة فاضحة وعنصرية.

كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة 10 ديسمبر 1948، وبعد أشهر سبعة من قيام دولة الاحتلال في مايو 1948- هو المفهوم الأكثر رواجًا خلال الحقبة السابقة، أقام دولًا وأسقط أخرى، لكنه منذ البداية فشل أمام اختباره الأول فلسطين، وأعلنت النتيجة اليوم، وباتت واضحة للجميع، فالدول المتقدمة التي لطالما ادّعت تمسكها بمبادئ ومفهوم حقوق الإنسان تؤيد أكبر عملية "إرهابية" وجريمة حرب تطال عالم اليوم وبأدلة وبراهين وحجج واضحة لا خلاف عليها، وآخرها قصف المستشفى الأهلي المعمداني بغزة مساء 17 أكتوبر، والذي ذهب ضحيته أكثر من خمسِ مئةٍ من المرضى والمدنيين الذين التجؤوا للمشفى هربًا من الغارات الغاشمة.

وإلى جانب التأييد الغربي لهذا التوحش الإسرائيلي، يأتي القمع لوسائل الإعلام وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي المؤيدة للقضية الفلسطينية، سواء في أمريكا أو الدول الأوروبية وغيرها، ويأتي الترهيب من ناحية أخرى، حيث نشهد تقييد التحركات وفض الوقفات الاحتجاجية المؤيدة لفلسطين في أكثر الدول ادعاءً للديمقراطية وحرية التعبير، وكذا توقيف الصحفيين الذين يتضامنون مع المدنيين الفلسطينيين، وتدمير مسيراتهم أحيانًا، وأخيرًا "الإرهاب" المتمثل بطعن وقتل المدنيين العزل في شوارع بعض الدول، وكل ذلك نتاج التعبئة الخاطئة للإعلام الغربي والمليئة بالعنف والتزييف.

ما يجري في غزة يحتم إيقاظ الضمير العالمي وإيقاف هذه المهزلة، وتقييد هذا الوحش الهائج، ومحاسبة الحكومة الإسرائيلية وقادة جيشها كمجرمي حرب في المحكمة الدولية.

الدول التي تقدِّم نفسها بأنها الأكثر ديمقراطية، صارت اليوم الأكثر ديكتاتورية دون حياء، بل وبتبجح يظهر أمام مرأى ومسمع العالم، وبات الفرق بين الديمقراطية والدكتاتورية هو أنّ الدول الدكتاتورية هي من تحكم نفسها وشعبها بالقوة، بينما الدول الديمقراطية هي من تحكم العالم بالقوة. وهكذا تُطرح فرضية فحواها أنّه "كلما تحولت الدول إلى الديمقراطية كانت خاضعة لسيطرة الدول الأكثر ديمقراطية".

وتقتصر هذه الفرضية على مفهوم الديمقراطية بشكلها الغربي والواضح جليًّا معناه اليوم، لا بمفهومها الحرفي. فالعالم الديمقراطي يقف اليوم ويشاهد المجازر التي ترتكب بحق الأطفال، والنساء، والشيوخ، والمدنيين العزل، العشرات منهم يستشهدون كل لحظة، دون تنديد ورفض لهذا الإرهاب. لا يزال الخطاب الغربي نفسه يهاجم الفلسطينيين، يشوه صورهم، ويحرض على كل مقاوم لأنه عربي، أو بسبب ديانته، لم يتغير شيء ولم يحركهم الحدث. العالم اليوم يعطي ضوءًا أخضر للمتطرفين الإسرائيليين بإبادة الفلسطينيين في قطاع غزة، ويقف ويؤيد جريمة الحرب، والإبادة الجماعية، والعدوان الغاشم على الشعوب الضعيفة، يدعمون قصف المنازل السكنية والمرافق التي يلجأ إليها السكان.

ما يجري في غزة يحتم إيقاظ الضمير العالمي وإيقاف هذه المهزلة، وتقييد هذا الوحش الهائج، ومحاسبة الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بشكل أخص وقادة جيشها كمجرمي حرب في المحكمة الدولية. إذا انتهت هذه الحرب بإبادة الفلسطينيين وتهجيرهم، سيسقط العالم بجريمة أخلاقية، ستنهي مسيرة الأمم المتحدة والقانون الدولي، وسنبدأ عصرًا جديدًا من الهيمنة الغربية والدكتاتورية العظمى، هذه الحرب ستعلن إما أنّ العالم حرّ وسكانه ينعمون بالحقوق، أو أن العالم سيصير منقسمًا إلى أسياد وأتباع وهؤلاء سيصيرون مثل الدُّمى.

إنّها ليست قضية فلسطين، هي قضية الإنسان، النظام، القانون، قضية سنين طويلة، حاول فيها البشر إيجاد قواعد حكم وحقوق تميز بينهم وبين الكائنات الأخرى غير البشرية، قضية شعوب ضعيفة تقع تحت هيمنة القوى المتطرفة التي تسوق لنا كذبًا وزيفًا حقوقًا وديمقراطية، لذا فإما أن تنتصر هذه القضية أو يسقط العالم؛ لا خيار ثالث.

من هذا المنطلق، علينا أن نعيد النظر في الكثير من المفاهيم المتعلقة بالعلوم السياسية، كالديمقراطية، الدكتاتورية، حرية التعبير، حقوق الانسان، "الإرهاب"، الردع، توازن القوى، وحروب كثيرة رجحت فيها كفة الخير للجانب المنتصر.

وخلاصة الأمر؛ نحن أمام مسؤولية إعادة النظر بما صُدِّر إلينا من مفاهيم وأفكار وتاريخ، ومن ثم تحليلها وعكسها على واقع اليوم، وعلينا أن نكف على الأقل عن استيراد الأفكار، والبدء بإنتاجها في حقولنا المعرفية، خاصة تلك التي ترتبط بمصيرنا وحريتنا التي باتت رهنًا بها.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English