كيف ستكون اليمن بعد انتهاء الحرب؟

في خطورة غرس لا جدوى التعليم في أذهان الطلبة
محمد الكرامي
January 24, 2021

كيف ستكون اليمن بعد انتهاء الحرب؟

في خطورة غرس لا جدوى التعليم في أذهان الطلبة
محمد الكرامي
January 24, 2021
الصورة ل: محمد الصلوي

دخلت الحرب في اليمن عامها السابع منذ العام 2014، فيما لا يزال ملايين الطلبة منقطعين عن الدراسة، بسبب تدمير المدارس أو تحويلها إلى ثكنات، والأسوأ من ذلك يعود إلى تخلي الأطفال عن المدرسة.

خلقت الحرب تحديا صعبا لاستمرار التعليم، حيث تضاعفت نسبة غير الملتحقين بالمدرسة منذ بداية الحرب بشكل ملحوظ، سيما الأطفال من سن السادسة إلى الـ١٤. وبينما لا تزال مئات المدارس مغلقة بسبب الحرب، مع تدشين كل سنة أو نصف سنة دراسية جديدة، ينمو جيل بأكمله من الأطفال خارج برنامج التعليم الأساسي.

  تتمثل أضرار الحرب على التعليم بتهدم مدرسة من أصل كل ٥ مدارس كما يفيد تقرير اليونيسف لعام 2018، لكن تبعات الحرب الكارثية على التعليم تتمثل بانخفاض عدد الطلاب الملتحقين في الصفوف الأساسية التسعة، إذ تصل نسبة الانخفاض هذه إلى 60% في المدارس الحكومية. 

وتزداد سنويًا نسبة التسرب من صفوف الطلاب، بحيث إذا افترضنا التحاق 100 طالب في الصفوف الستة الأولى، يتخرج من إجمالي عدد الطلاب أقل من النصف، بسبب مثول عبثية الدراسة في أذهان الأطفال، مقابل البحث عن عمل، والاكتفاء بتعلم أساسيات القراءة والكتابة.

  دفعت ظروف الحرب الكثير من الطلاب إلى حالة من اليأس والإحباط من العملية التعليمية، حيث تزداد معها يومًا عن يوم، القناعة في العمل المبكر بدلًا من التعليم. وفي ظل استمرار الحرب، تكتسب ظاهرة ترك المدارس قدرًا من المعقولية، على حد سواء لدى الطالب أو الوالدين. إذ من الصعب الإيمان بالمستقبل الذي ينتظره واقع اليوم! وعلى الرغم من خطورة مثل هذا الإيمان المتشائم، إلا أنه موجود ويتنامى داخل المجتمع، ومن الأهمية بمكان مساندة المعتقدين وغير المعتقدين به. إذ لا يجدر بنا أن ننسى أولئك الذين يتحملون أعتى المشقات من أجل تعليم أبنائهم، وهم الأغلبية. وما يحدث في حالة التسليم بلاجدوى التعليم، هو انسحاب هذه الأغلبية نحو التجهيل ثم الجهل الحقيقي على كل المستويات.

  خلقت سنوات الحرب جيلًا لم يعد يثق في التعليم، حيث يلجأ إلى الحرفة أو المشاريع الصغيرة عوضًا عن إهدار سنوات في الدراسة، خصوصًا في ظل انقطاع رواتب المعلمين التي دفعت بدورها أغلبهم بعيدًا عن حياة التعليم. 

بدلاً من أن نبحث في المستقبل عن كفاءات تصلح البلد عند انتهاء الحرب، سنحتاج قبل ذلك إلى إصلاح الجيل نفسه

  خلال سنوات مرّ الكثير من الطلاب في أماكن الحرب بتجارب نفسية قاسية، زادتها مرارة تكلفة المواد المدرسية الباهضة في ظل وضع كارثي. لذا يتجه الكثير من الأطفال إلى العمل في أشغال تفوق طاقاتهم، ويتنازل الطفل عن طفولته في العمل الشاق. يخرجون إلى حياة المشقة قبل أوانهم، ويقايضون مستقبلهم بحاضرهم، ونتيجة ذلك خلال عقد أو عقدين فقط، ستكون نسبة المتعلمين في المجتمع 40% أو ربما أقل. وهو ما يكشف لنا عن كارثة اسوأ من كل تبعات الحرب، بحيث إذا كنا نخوض حرباً في الوقت الحالي، فإن تخلّي الأطفال عن مدارسهم، هو بمثابة حرب مؤجلة لوقت آخر. 

  تنتشر ظاهرة التسرب المدرسي في بلدان العالم، إلا أنها تختلف من بلد لآخر من حيث التأثير. إذ ينحصر تأثيرها في البلدان المتقدمة على الأفراد، بينما آثارها في البلدان التي مزقتها الحرب تنعكس على المجتمع بأكمله. حيث تكرَّس ظواهر الجهل والبطالة والفساد وتفشي الأمية، ناهيك عن تعريض الأطفال لجميع أنواع الاستغلال. كما تُصاعِد مؤشر العنف والجريمة، بسبب تدني المستوى المعيشي للفرد وحرمانه من فرص الحصول على عمل، ما يدفعه إلى الانخراط بأعمال غير قانونية. 

  جميع إحصائيات الحرب تقدم تقاريرها عن مئات المدارس المتوقفة وحرمان الأطفال من التعليم، فيما آثار هذه الظاهرة تمتد كارثيتها إلى عشرين سنة قادمة من الآن على الأقل، وهو زمن الجيل الذي لم يولد بعد. أي بدلاً من أن نبحث في المستقبل عن كفاءات تصلح البلد عند انتهاء الحرب، سنحتاج قبل ذلك إلى إصلاح الجيل نفسه. وستتحول اهتماماتنا من الإعمار والبناء إلى مراكز العلاج والإرشاد.

  سوف تتوقف الحرب يومًا ما، لكن تبعاتها ستبقى شاهدة على آثارها. الحروب أضرارها أسوأ من تهدم المنشآت أو خراب الشوارع؛ الجيل القادم هو القنبلة الموقوتة في البلدان المتقاتلة.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English