رحلة الرحلات.. عدن مفتتح للحياة

تجمع شبابي يضم 1300 شاب في عدن لجزيرة دنافة
صلاح الحقب
December 16, 2020

رحلة الرحلات.. عدن مفتتح للحياة

تجمع شبابي يضم 1300 شاب في عدن لجزيرة دنافة
صلاح الحقب
December 16, 2020
© احمد وقاص

  في حدث فريد وغير معهود في اليمن، نظم "المجلس العُزّابي"، وهو مجلس ابتدعته قطاعات واسعة من الشباب العزّاب في مدينة عدن، جنوب اليمن، رحلة إلى جزيرة "دُنافة" مساء الخميس 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، حيث تجمع في الرحلة ما يقارب 1300 من الشباب.

    تعد هذه الرحلة السنوية أحد أبرز الأعمال التي ينظمها المجلس العزابي، والتي تهدف إلى بعث الحياة في نفوس الشباب، وخلق مساحة حرة وواسعة من الترفيه والنشاط والسلام، وكسر لحالة الاحتراب والتجاذبات السياسية التي تشهدها مدينة عدن، من خلال إحياء الفنون الشعبية التي يتضمنها المهرجان السنوي الخاص بالرحلة، والتعرف على جزيرة دُنافة وساحلها البديع.

    وجزيرة دُنافة هي إحدى جزر اليمن في خليج عدن، تقع خلف جبل شمسان، وتتبع إداريًّا مديرية صيرة (كريتر) ويقال لها أيضاً "الجزيرة الصخرية". 

   على جزيرة دُنافة، حط نحو 1300 شاب حقائب ترحالهم، بعد قطع مسافة تقدر زمنيًّا بـ15 دقيقة من الساحل الذهبي الذي يعد محطة الانطلاق إلى الجزيرة. 

رحلة الرحلات هي رحلة سنوية ينظمها "المجلس العزابي"، تهدف إلى بعث الحياة في نفوس الشباب، وخلق مساحة حرة وواسعة من الترفيه والنشاط والسلام، وكسر لحالة الاحتراب والتجاذبات السياسية التي تشهدها ثغر اليمن الباسم (عدن). 

رحلة الرحلات 

    هكذا أسماها المجلس العزابي، وهذا ما انتظره شباب المدينة طيلة هذا العام، وجميعهم يحمل في نفسه توقًا للغناء والرقص والتحرر من حالات الكآبة والقهر التي خلقتها الأزمات المتوالية على البلاد.

    مساء الخميس في "الساحل الذهبي"، وفي اللحظات الأولى للغروب، توافد الشباب من مختلف أحياء المدينة، حاملين تذاكرهم وأمتعتهم، وابتسامات يبعثها هواء البحر، بينما تأتي القوارب من بعيد لتنقلهم إلى الجزيرة. كان الطريق إليها -في عرض البحر- حافلًا بالمخاوف بالنسبة لمن لا يجيدون السباحة، لكن الوصول إلى الجزيرة بددها. 

    امتلأ المكان بالحاضرين، افترشوا الأرض أمام مسرح الفعالية، وامتلأت الزوايا قرب الجبل، وافتتح المذيع ذاك التجمع الكبير السامر بالقول: "الحياة تستحق أن تُعاش، وهذه عدن تعلمك كيف تعيشها". لم تتوقع إدارة "المجلس العزابي" ذلك الحضور، بحسب رئيس المجلس محمد إيهاب، الذي قال لـ"خيوط": "كان الأمر أشبه بالصدمة؛ عدد التذاكر الرسمية 1600، وعلى هذا العدد أخذنا بتجهيزات المهرجان، أضف إلى ذلك 100 شاب في لجنة النظام والفريق الإعلامي والفنانين، كما أتيح للجميع الدخول إلى الجزيرة بعد حين من بدء الفعالية دون تذاكر". وأضاف: "كنا قد وزعنا 1700 وجبة، وذلك عن طريق التذاكر، حيث بلغت قيمة التذكرة الواحدة 8000 ألف ريال يمني، وأضفنا بعد ذلك 400 وجبة، ووصلت عدد الوجبات إلى 2200 وجبة؛ أي إن عدد الحاضرين كان أكثر من 1600".

في حضرة الموسيقى، صمت الجميع، وغنّى الفنانون أولى أغنيات الرحلة "حبي لها". كان إيقاعها مشحونًا بمشاعر الحب والوطنية، ثم أطفئت الأضواء، وحمل الجميع هواتفهم للإنارة، وغنوا بصوت واحد على موسيقى بديعة "يا سُمار ما يحلى السمر إلا بصوت الدان".

مساء الجزيرة 

    في حضرة الموسيقى، صمت الجميع، وغنى الفنانون أولى أغنيات الرحلة "حبي لها"؛ كان إيقاعها مشحونًا بمشاعر الحب والوطنية، والجلوس أثناء أدائها أمر لا يتحمله السمر الضاج بالحياة والحركة. وقف الجميع، ولم يكن لأي شيء أن يعيقهم عن الرقص غير ازدحامهم، ومع ذلك، رقصوا دون أن يشعروا بالزحمة أو بالمضايقة.

    بعدها، أعلن رئيس مجلس العزاب، بدء الوقت لتناول العشاء، وتم توزيع الوجبات على جميع الحضور، ثم عادت الأغاني للصدوح، وفي تلك الأثناء كانت ما تزال القوارب تتوافد إلى الجزيرة وعلى متنها الكثير من الشباب. 

    في مشهد مسائي بديع، أطفئت الأضواء وسط المهرجان الفني الصاخب، فحمل الجميع هواتفهم للإنارة، وغنوا بصوت واحد على موسيقى بديعة "يا سُمار ما يحلى السمر إلا بصوت الدان يا سُمار".

    عرض المهرجان العديد من الفقرات الفنية، وتوالت الأغنيات بألوانها اليمنية وغيرها من الأغاني العربية، ومثلها الرقصات والهتافات الصاخبة، وكان للمسرح حضور كوميدي بمشاركة الممثل "ريدان باسل" بفقرة حوارية مع الجمهور ومشاركة بعض الشباب في المسرح الكوميدي، وفي جوّ فكاهي يجيد العدنيون خلقه بطابعهم الخاص. 

أحاديث السَّمَر 

    كان للحديث في هذه الأجواء شكل آخر، إذ عبر الكثير من الشباب عن مدى ابتهاجهم لحظة انتهائهم من الرقص، والغناء، أو التصوير. 

    لم يكن هنالك أي مجال للحديث عن متاعب الواقع، إذ لم يشارك أحد في هذه الرحلة إلا للخروج من دوامة الأزمات التي تشهدها البلاد، ودورات العنف المتكررة من وقت لآخر. آخر الأزمات هو انهيار الريال اليمني أمام العملة الأجنبية، وفي هذه النقطة تحديدًا عبر أحد الشباب عن استيائه من حديث أحدهم عن سعر الصرف لهذا اليوم: "دعونا من هذا الحديث، نحن جئنا إلى هنا لنحتفل وننفس عن أرواحنا من ثقل هذه الأزمات". 

    أما لحظات الفواصل بين كل أغنية وأخرى، فكان الحديث فيها يأخذ مجالًا ضيقًا، فما إن ينتهي الفنان من أغنيته، حتى يأخذ أحد الحاضرين طبلة، ويدق إيقاعًا شعبيًّا تتردد الصفقات على أثره بشكل صاخب وحماسي.

    المثير في الأمر، أن المشاركة في "رحلة الرحلات" هذه، لم تقتصر على الشباب الذين لديهم اهتمام بالغ في الفنون بمختلف أشكالها، فهؤلاء لم يكونوا ليفرطوا بهذه الرحلة، لكن الحضور شمل أيضاً بسطاء وكادحون، وعدداً كبيراً من الشخصيات الاجتماعية والأكاديمية؛ الأمر الذي يعكس وجهًا بديعًا عن مدينة عدن التي يؤمن سكانها بالتعايش والحياة، ولا شيء آخر غير الحياة. 

الفجر أولى النهايات 

    في اللحظة الأولى من الفجر، توقفت الأغاني وما أن انتهى السَّمَر حتى كان للشيشة صوتها، وللفجر نسماته وزقزقاته وغناؤه الطبيعي، وللدخان رقصته، وللقوارب انتظار العودة، وللبحر كل ذلك.

    أُطلقت الألعاب النارية معلنة نهاية المهرجان، ودنا الضياء في ساعة الإشراق، وسبح كثيرون في البحر بمتعة غامرة، بينما اصطف البقية على شاطئ الجزيرة لتنقلهم القوارب إلى الساحل الذهبي، حيث طريق العودة إلى المدينة الكونية.


•••
صلاح الحقب

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English