عدن وكارثة أخرى مرتقبة

الانهيارات الصخرية تهدد مئات المساكن
رشيد سيف
October 17, 2023

عدن وكارثة أخرى مرتقبة

الانهيارات الصخرية تهدد مئات المساكن
رشيد سيف
October 17, 2023
.

تهدد الانهيارات الصخرية، حياة وممتلكات الأُسَر القاطنة في أحياء مديرية المعلا الخلفية وكريتر القريبة من منطقة "المعاشيق" مقر الحكومة المعترف بها دوليًّا في مدينة عدن.

ازدادت نسبة المخاوف بالتزامن مع تزايد التوسع العمراني والسكاني في تلك المواقع الجبلية الخطرة، خصوصًا مع اعتماد سكان تلك الأحياء في بناء منازلهم على شق الصخور والبناء بمنحدرات الجبال البركانية المتآكلة والمنفصلة.

وتسبّبت الحرب في اليمن منذ العام 2015، بحركة نزوح كبيرة إلى مدينة عدن، وانعكاس ذلك في التوسع العمراني الذي امتد ليشمل مناطق خطرة وغير صالحة للعيش والاستقرار، كما أنّ الضائقة المالية الناتجة عن الانهيار الاقتصادي والمعيشي، دفعت مئات الأُسَر إلى البناء في المناطق الجبلية الواقعة في مناطق "المعلا وكريتر" هربًا من ارتفاع الإيجارات التي باتت تشكّل أعباءً كبيرة على المواطنين، بعد اعتماد عملية دفعها بالعملة الصعبة؛ الدولار الأمريكي والريال السعودي.

وكشفت مصادر مطّلعة في الهيئة العامة للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية في عدن، أنّ المدينة على أبواب كارثة، محذرة من انهيارات صخرية وشيكة؛ الأمر الذي يتطلب القيام بإجراءات حماية عاجلة.

وخلصت دراسة ميدانية نفذها مشروع إنتاج خارطة مخاطر الغطاء الصخري، تابع لهيئة المساحة الجيولوجية، إلى أن مديريتي صيرة والمعلا، معرضتان لخطر الانهيارات الصخرية.

عشرات المنازل والأُسر معرضة لخطر الانهيارات الصخرية، وخاصة المساكن التي بنيت بشكل عشوائي على سفوح المنحدرات الجبلية في الخساف والعيدروس، خلال السنوات القليلة الماضية.

بحسب الدراسة التي تأكّدت منها "خيوط"، فإنّ الانهيارات الصخرية قد تحدث في أي وقت بسبب التكوين الجيولوجي لصخور هذه المناطق، والتي ترجع إلى ما يعرف ببركانيات اليمن الثلاثية، والتي تتميز صخورها بوجود التشققات والانقطاعات والفواصل.

تتخذ مئات الأسر النازحة والمهمشة بيوتًا من "الزنج" والصفيح والأخشاب في مناطق المعلا الخلفية وأحياء الخساف وشِعب العيدروس الجبلية؛ نتيجة ارتفاع تكاليف البناء وتدهور الأوضاع الاقتصادية الأخرى، الأمر الذي يهدد بكارثة إنسانية في حال حدوث انهيارات صخرية بركانية في هذه المناطق.

مسح يكشف الخطورة 

يشير الخبير الجيولوجي في قسم "الجيوتكنك" بهيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، بشار الطيب، في تصريح لـ"خيوط"؛ إلى القيام بإجراء مسح متكامل على مستوى مديريتي صيرة والمعلا شمل نحو 50 موقعًا، منها 8 مواقع تم تحديدها كمواقع شديدة الخطورة في مديرية صيرة، وموقع واحد في مديرية المعلا.

جاء ذلك -وفق الطيب- خلال النزول الميداني لمديريتي صيرة والمعلا في أطار مواصلة أعمال مشروع خارطة مخاطر الغطاء الصخري، الرامية لتقييم استقرارية المنحدرات والكتل الصخرية فيهما، إضافة إلى بلاغات مقدمة من مواطنين في هذه المناطق، والتي ناشدت فيها الجهاتِ المسؤولةَ في الدولة للنزول وعمل المعالجات المناسِبة؛ لتفادي حدوث كارثة إنسانية لا يحمد عقباها.

ساهم التوسع العمراني والحضري في المدينة باتجاه المناطق الجبلية في المدينة، في زيادة عدم استقرارية المنحدرات الصخرية، إذ دعت هيئة المساحة الجيولوجية في الحكومة المعترف بها دوليًّا لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجتها، بدءًا من إعادة تأهيل المنحدرات الصخرية لتقليل خطر الانهيارات، وإخلاء السكان من المناطق المعرضة للخطر، ووضع علامات تحذيرية في المناطق المعرضة للخطر، لمنع وقوع كوارث بشرية في هذه المناطق.

وقالت إنها وضعت خطة وطنية للحد من مخاطر الانهيارات الصخرية، كما أشارت إلى أنها تسعى لإنشاء نظامٍ للرصد وتوعية السكان بمخاطرها، ووضع تشريعات لتنظيم التوسع العمراني في المناطق المعرضة للخطر.

تم دراسة هذه المواقع و"التشييك" على باقي المواقع الأخرى، والتي حددتها خارطة المخاطر الصخرية، حيث تم تقسيمها إلى ثلاث نطاقات من حيث درجة الخطورة، والتي تعتمد على الكثافة السكانية وعدد المنازل في مناطق الانهيارات، ووضعية وعدد وأحجام الكتل الصخرية المتساقطة.

ويؤكّد الطيب أنّ عشرات المنازل والأُسَر معرضة لخطر الانهيارات الصخرية، وخاصة المساكن التي بُنيت بشكل عشوائي على سفوح المنحدرات الجبلية في الخساف والعيدروس، خلال السنوات القليلة الماضية.

يتابع: "وجود هذه الفواصل والتجاويف والتكهنات أسفل وعلى جوانب الكتل الصخرية، ساعد عوامل التعرية والتجوية على إيجاد مستويات وطبقات ضعيفة تتفاوت سماكتها من مكان إلى آخر في الصخور البركانية؛ مما أدّى إلى عدم استقرارية هذه الكتل الصخرية".

إهمال وانتهاكات

يؤكّد مواطنون من سكان هذه المناطق في أحاديث متفرقة لـ"خيوط"، أنّ هناك فوضى تجتاح هذه المناطق في ظلّ غياب تام للرقابة من قبل الجهات المعنية، مع توسع البسط والبناء العشوائي في هذه المناطق، إذ يعود آخر اهتمام للجهات العامة المحلية إلى ما قبل العام 2011.

عماد عبدالله، يعمل في القطاع الخاص، وأحد سكان منطقة شعب العيدروس في كريتر، يشير في حديث لـ"خيوط"، إلى تسبُّب الحرب والصراع في اليمن، وكذلك ارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات، في الزحف على هذه المناطق التي تعد مناطق شعبية وإيجاراتها مناسبة، مقارنة بمناطق أخرى في عدن.

في حين يضيف مواطن آخر، أنّ هناك تجار ومسؤولين يعملون على تأجير هذه المباني لمواطنين من محدودي الدخل ونازحين ممن لا يستطيعون تحمل تكاليف الإيجارات الباهظة للمساكن والعقارات في مناطق أخرى في المدينة.

ترصد "خيوط" تساقطًا مستمرًّا للصخور من وقت لآخر في هذه المناطق منذ العام 2015، وتسبُّبها في خسائر مادية، خصوصًا مع هطول الأمطار أو أثناء تكسير الأحجار من أجل البناء.

وكانت العديد من المنازل في هذه المناطق في يونيو/ حزيران من العام 2020، قد تضرّرت بشكلٍ كبير، خصوصًا الواقعة منها في مدينة كريتر، بسبب انهيارات صخرية من جبل "البوميس" المطلّ على شعب العيدروس.

لم تبادر السلطات المحلية في مدينة عدن لحل هذه المشكلة، بل مارست انتهاكات ضد ساكني تلك المناطق، تسبّبت في نزوح كبيرٍ للسكان، فضلًا عن اقتحام وإحراق منازل المهمشين في منطقة كريتر.

ويرى الخبير والمهندس الجيولوجي، بشار الطيب، أنّ للتدخل البشري دورًا أساسيًّا في زيادة عدم استقرارية المنحدرات الصخرية؛ وذلك نتيجة لزيادة التوسع العمراني والحضري في المدينة باتجاه المنحدرات، الذي يرافقه عمليات قطع عشوائية وبصورة مستمرة على أقدام وواجهة المنحدرات السفلية.

هذه العمليات تتم دون أي دراسة لمدى ملاءمة هذه المواقع للتوسع العمراني، وخاصة الدراسات الخاصة بالانهيارات الأرضية، وإذا لم يتم إيقاف هذا الزحف العشوائي فإن المدينة قادمة على كارثة حقيقية.

ولم تبادر السلطات المحلية في مدينة عدن لحل هذه المشكلة، بل مارست انتهاكات ضد ساكني تلك المناطق تسبّبت بنزوح كبير للسكان، فضلًا عن اقتحام وإحراق منازل المهمشين في منطقة كريتر، إذ توثق تقارير لمراكز ومنظمات مدنية وحقوقية، تعرُّضَ 200 عائلة تسكن جبل "الفرس"، خلال الفترة من 2 إلى 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، لانتهاكات متنوعة بين اعتقالات ومداهمات، وتدميرٍ وحرقٍ للمنازل وتهجيرٍ قسريٍّ.

تهيئة الانهيار والتساقط

وفقًا للتشخيص الجيولوجي فإنّ نسبة كبيرة من هذه الكتل، هي كتل صخرية منفصلة وشبه متحررة عن المنحدرات التي تتواجد عليها، ومحتمل سقوطها وانهيارها في أي وقت؛ بسبب التكوين الجيولوجي لصخور هذه المناطق، التي ترجع إلى ما يعرف ببركانيات اليمن الثلاثية، والتي تتميز صخورها بوجود التشققات والانقطاعات والفواصل.

بحسب الخبير الجيولوجي، بشار الطيب، فإن مديرية صيرة، تعتبر من المناطق المعرضة للانهيارات الصخرية بشكل عام؛ وذلك لطبيعة البنية الجيولوجية المكونة لها، مشيرًا إلى أنّ ما تم تحديده يعدّ الأشد خطورة على مديرية صيرة، وهذا لا يعني أنّ باقي المناطق آمنة.

وتتميز هذه المواقع بأنها منحدرات صخرية متشققة، يؤدي تشققُ الصخور فيها إلى فقدان تماسكها مع الصخر الأصلي على هذه المنحدرات؛ ما يسبّب التدحرج والتساقط الصخري والانقلاب للصخور، وهي تقع في نطاق الخطورة العالية لجميع المنشآت والمساكن الواقعة عند أقدام الحافات الجبلية، وفقًا للأكاديمي بجامعة لحج.

من جانبه، يُرجع أستاذ الجغرافيا بجامعة لحج، والمهتم بقضايا البيئة والزراعة، سامي رشيد، في حديثه لـ"خيوط"، أسبابَ الانهيارات المحتملة في المعلا وصيرة بعدن، إلى كون الطبقات الصخرية في هذا النطاق تعود إلى مجموعة الصخور البركانية التي تتميز بمنحدرات غير منتظمة، التي ينعدم فيها انتشار الغطاء النباتي، لافتًا إلى أنّ تاريخ نشوئها يعود لعصر "الميوسين" و"البليوسين".

يضيف أنّ جبال شمسان تعرف بسلسلة "كالديرا" وتعني جبال "العر"، التي تعتبر من أكثر الجبال المرتفعة المحيطة بعدن بل وأعظمها، حيث كان يعرف قديمًا باسم جبل "العُر"، ويبلغ ارتفاعه نحو 553 مترًا عند أعلى قمة فوق مستوى سطح البحر، وتتدرج هذه الكتلة الصخرية باتجاه الغرب.

ويشير هذا المختص البيئي إلى أنّ هذه الجبال برزت فيها مظاهر "لجيومورفولوجيـة"، ممثلة بالجروف والكهوف والفواصل الناتجة عن التعرية البحرية والريحية.

يتابع حديثه: "الانهيارات الصخرية التي تشهدها حاليًّا منطقتَا المعلا وصيرة، والتساقط الصخري في هذا النطاق، تداخلت فيها أسباب وعوامل مختلفة، فهذه المناطق غير مستقرة؛ بسبب انتشار مناطق الضعف الجيولوجي؛ الأمر الذي سهّل عملية تفكّك وتشقّق الصخور وتهيئة الانهيار والتساقط.

إضافة إلى أنّ عملية التصدع والانفصال الصخري، ساعدت في تكسير جسم الصخر وتجزئته إلى كتل صخرية متفاوتة، وتسببت في الصدوع والفواصل والشقوق المنتشرة في جسم الصخر البركاني، نتيجة ارتكاز بعض الكتل على طبقات ضعيفة وهشّة، فتكون أسطح زلقة، وتعرضها للرطوبة يؤدي إلى انزلاق هذه الكتل الصخرية عليها.

يرجع سبب بروز ظاهرة التساقط إلى تأثير عوامل مناخية متطرفة، من الرياح والحرارة والبرودة، فضلًا عن وقوع المنطقة في نطاق زلزالي ربما يعود سببه إلى هزات أرضية، فضلًا عن تعرض النطاق لنشاط بشري، في بناء المساكن والمنشآت والطرقات وإقامة المشاريع الاقتصادية والطرقات، دون دراسات بيئية وهندسية.

وتخلص "خيوط"، في رصدها الميداني وتحقّقها من كلِّ ما تم الحصول عليه من بيانات ومعلومات، إلى الحاجة العاجلة التي على الجهات المختصة سرعة العمل عليها، لرسم خارطة المخاطر المحتملة، من خلال العمل الميداني والصور الجوية، وارتباطها بالتوزيع السكاني وكثافته والأبنية والمشاريع الاقتصادية، والذي يتطلب في الوقت نفسه، الابتعادَ قدر الإمكان عن أقدام الجبال في النطاقات المعرضة للتساقطات الصخرية النشطة.

وذلك بعد القيام بمنشآت اقتصادية كبيرة في المجال الطبيعي غير المستقر بحدود 600 متر، والتعامل مع الجدار الصخري الذي يقلل من سرعة التدحرج للكتل الصخرية، من خلال تغطية هذه المناطق بطبقات من الطين والرمل حتى يقلل من الطاقة الحركية للكتل الصخرية عند تدحرجها.

•••
رشيد سيف

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English