"مصافي عدن" شاهدة على الانحدار

من أكبر مصفاة إلى منشأة بائسة؛ بسبب الفساد!
علي التويتي
September 7, 2023

"مصافي عدن" شاهدة على الانحدار

من أكبر مصفاة إلى منشأة بائسة؛ بسبب الفساد!
علي التويتي
September 7, 2023
.

يشار بالبنان إلى دولة الكويت كنموذج خليجي في التطور والنهوض الاقتصادي وما تتّبعه من خطط ومنهجية لاستغلال ثرواتها الطبيعية والصناعات النفطية في التكرير وغيره، حيث قامت ببناء "مصفاة الزور" عام 2008 وطورتها لتصبح ثاني مصفاة بالمنطقة، وتاسع مصفاة بالعالم بالنظر إلى قدراتها الإنتاجية التي تصل إلى نحو 615 ألف برميل يوميًّا من زيت الوقود؛ الصنف المعروف بالمحتوى الكبريتي المنخفض.

كما تعتبر من أهم المصافي في المنطقة، ومحط أنظار العالم والمزود للوقود والزيوت لأغلب الدول، متفوقة على الهند التي كانت تزود كثيرًا من الدول في الخليج والشرق الأوسط وفي قارة أوروبا، وتخطط الكويت لتوسعة المصفاة لكي تكون من أكبر المصافي بالعالم.

القصد من استلهام تجارب بعض الدول كالكويت في هذا المدخل، هو بهدف معاينة وضع اليمن الذي يمر بأوضاع صعبة وانحدار يطال جميع القطاعات والمؤسسات الاقتصادية وغيرها في حين كان السباق في المنطقة في البناء المؤسسي وفي بعض المشاريع والمؤسسات والكيانات الاقتصادية، منها على سبيل المثال "مصفاة عدن" التي تم تدشينها في العام 1954، حيث وصلت قدراتها في تكرير النفط إلى نحو 100 ألف برميل يوميًّا وقتذاك.

لكن المشكلة أنّها ومنذ إنشائها وهي تراوح مكانها، بل وتشهد انحدارًا متواصلًا وانخفاضًا في قدراتها الإنتاجية والتشغيلية، مع وصول الأمر إلى توقفها بشكل تام، كما أنّ هذه المنشأة اليمنية العملاقة لم تخضع لأي أعمال صيانة وتجديد وتحديث لتطويرها، بالرغم من موقعها المهم في المنطقة. ولو كان هناك إدارة ناجحة للدولة لأصبحت أكبر مصفاة تكرير في العالم.

الجميع ضد الجميع

يبقى السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الخصوص؛ ما الذي ينقصنا ويمنعنا عن التطور والنهوض بمؤسساتنا وقدراتنا وشركاتنا ومنشآتنا ومؤسساتنا لتنافس مثيلاتها في دول المنطقة والعالم، حيث تتميز اليمن بمقومات وموقع استراتيجي يجعلها الأقرب لخط الملاحة الدولي؟ ما الذي يدفع السفن إلى أن تبحر من أمام موانئنا إلى الخليج العربي لكي تتزود بالوقود والزيوت وغيرها من الخدمات؛ بينما اليمن، هذه الدولة بتاريخها وإرثها ومقوماتها وإمكانياتها، تتفرج على كل هذه الإمكانيات والموقع الاستراتيجي، ولم تسعَ في أي وقت لاستغلالها وتطوير بعض منشآت البلاد مثل المصافي، وإنشاء شركات متخصصة في الشحن البحري وخدمات السفن وغيرها من ميدي إلى المهرة؟ 

نحن من بين دول قلائل تنحدر فيها المؤسسات الاقتصادية والقطاعات والناتج المحلي الإجمالي، لكننا الأكثر تسارعًا في هذا الانحدار: الفقر في اتساع، والجوع ينهش ملايين السكان. الزراعة التي تعتبر المشغل الأكبر للأيدي العاملة، يخسر فيها العاملون بسبب تقلص الأسواق وقطع الطرقات وارتفاع تكاليف النقل.

ثمة دول كثيرة في الخليج والمنطقة، صحيح أنّ بعضها منتج كبير للنفط والغاز الطبيعي المسال؛ لكنها نهضت من خلال استغلال قدراتها المؤسسية وتطوير منشآتها الاقتصادية، فالإمارات تمتلك 4 شركات طيران هي من بين الأفضل في العالم، ولديها مصافٍ لتكرير النفط تخضع لاهتمام كبير لتكويرها وتحديثها، وهناك ميناء جبل علي الذي يعتبر من أهم الموانئ الإيرادية لهذه الدولة بعائداته التي تزيد على 200 مليار دولار سنويًّا. كما تمتلك دولة واحدةً من أفضل شركات الطيران في العالم، إضافة إلى أكبر أسطول لنقل الغاز في العالم، ولم تكتفِ بإنتاجه وبيعه، لكنها سعت لتطوير قدراتها وإمكانياتها في هذا المجال.

هناك سلطنة عمان، الدولة المجاورة لليمن، تعتبر نموذجًا في استغلال موقعها في الملاحة الدولية من خلال الاهتمام بالنقل البحري، حيث تعتبر موانئها من أهم الموانئ في العالم، والحديث يطول كذلك عن السعودية التي يعرف الجميع إمكانياتها وقدراتها الاقتصادية.

لم تكن هذه الدول قد اكتشفت النفط عندما كان لدى اليمن منشآت اقتصادية نموذجية في المنطقة كمصفاة عدن وغيرها، لكن مع الأسف تم تدمير هذه المنشأة الاقتصادية العملاقة لتكرير النفط، وأصبحت أرباح وعائدات مصفاة "الزور" الكويتية تفوق بمراحل صادرات اليمن بالكامل.

أما اليمن، فالشيء الوحيد الذي نلاحظ ما بذلناه من جهد لتطويره وتحديثه هو الصراع، والحروب والتقاتل فيما بيننا، والمشكلة لا أحد يدري على ماذا نتقاتل أو نتصارع، وما الذي جنيناه لنرى ونشاهد كل هذا الدمار الذي حل بالبلاد جراء هذه الصراعات والنزاعات والحروب، فالجميع ضد الجميع، في الوقت الذي تنتابنا الحسرة على بلادنا، نشعر بالحسرة على التقدم الذي تحرزه الدول الأخرى وتركيزها على البناء والتنمية في كافة المجالات.

مستقبل مجهول

نحن من بين دول قلائل تنحدر فيها المؤسسات الاقتصادية والقطاعات والناتج المحلي الإجمالي، لكننا الأكثر تسارعًا في هذا الانحدار: الفقر في اتساع، والجوع ينهش ملايين السكان. الزراعة التي تعتبر المشغل الأكبر للأيدي العاملة، يخسر فيها العاملون بسبب تقلص الأسواق وقطع الطرقات وارتفاع تكاليف النقل.

كان المزارع اليمني سوقه الرئيسي اليمن، وأيضًا يصدر منتجاته إلى دول الخليج وغيرها. الآن مع تراجع الإنتاج، بالكاد يستطيع المزارع تسويق منتجاته في الأسواق المحلية بالنظر إلى صعوبات النقل وتباعد خطوط السير وقطع الطرقات مع ارتفاع تكاليف النقل إلى مستويات قياسية مقارنة بالمستورد؛ الأمر الذي تسبب بخسائر فادحة للمزارعين والزراعة في اليمن بشكل عام. 

اليمن يعيش في كوكب آخر لا صلة له بكوكب الأرض الذي فيه 200 دولة. العالم يتطور ويبني خططه لعشرات السنوات، بينما اليمن يرجع للخلف ويصبح مجرد مستهلك يعتمد على المساعدات وتحويلات المغتربين؛ لذا فالمستقبل بسبب كل هذه العوامل مجهولٌ في ظل وجود نخب وأطراف لا تعرف سوى مصلحتها وتسيطر عليها ثقافة الفيد والنهب، في حين تعمل على حرمان الشعب من راتبه وأبسط حقوقه، حيث جعلت اليمنيين الشعبَ الوحيد بالعالم الذي يعيش بلا رواتب ويدفع كل أنواع الجبايات من ضرائب وزكاة وعشرات الإتاوات المختلفة، والشعبَ الوحيد الذي لا يجد فرص عمل، وتتصارع على رواتبه، وهو يكتوي بنار معيشة هي الأغلى على مستوى العالم.

•••
علي التويتي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English