موسم الجحيم والظلام في عدن

مشكلة الكهرباء تتفاقم عامًا بعد آخر وسط وعود "عرقوبية"
ناصر الزيدي
May 17, 2024

موسم الجحيم والظلام في عدن

مشكلة الكهرباء تتفاقم عامًا بعد آخر وسط وعود "عرقوبية"
ناصر الزيدي
May 17, 2024
.

تظلُّ عيشة محسن (60 عامًا)، إحدى قاطنات مدينة كريتر، تنظرُ إلى ساعة الحائط حتى عودة التيار الكهربائي إلى منزلها، بعد مرور أكثر من 12 ساعة من الانقطاع، معاناةٌ يومية شاقة أرهقت كاهل "عيشة" وجميع المواطنين في عموم مديريات محافظة عدن (جنوبي اليمن)، وسط صمتٍ حكوميٍّ غير مبرر، تجاه هذه المشكلة التي باتت تزداد سوءًا، عامًا بعد آخر، خاصةً في فصل الصيف شديد الحرارة.

الحاجَّة عيشة عاجزة تمامًا عن الصمود أمام درجات الحرارة المرتفعة في ظل الانقطاعات المتواصلة للتيار الكهربائي، لتلجأ مؤخرًا إلى شراء ألواح طاقة شمسية بثمن باهظ، رغُم الحالة المادية الصعبة التي تُمر بها وأسرتها المكونة من 12 شخصًا، باحثةً عن نسمة هواء تلطف حرارة الجو المهلِكة، ونور يُضيء منزلها بعيدًا عن الظلام الدامس الذي يعمّ المدينة وحَيّها السكني في كريتر على وجه الخصوص، ساعاتٍ طوال.

ألواح بديلة

"تعبنا كثيرًا من الأعذار والتبريرات الكثيرة المتعلقة بخدمة الكهرباء في عدن، التي تنهار بشكل كبير مع بداية فصل الصيف من كل عام، دون وضع أيّ حلول لهذه المشكلة التي أنهكتنا وضاعفت من معاناتنا اليومية، ما اضطرنا للجوء إلى ألواح الطاقة الشمسية"، بهذه الكلمات التي تحمل في طياتها معاناةً كبيرة، يصف سكان عدن الوضع المُزري لمنظومة الكهرباء وتبعاتها التي حوّلت حياتهم إلى جحيم لا يختلف عن لهيب وجحيم الصيف وما يرافقه من ارتفاع درجة الحرارة إلى مستويات قياسية.

توضح عيشة في حديث لـ"خيوط"، أنّ خدمة الكهرباء ازدادت سوءًا خلال الآونة الأخيرة، ممّا جعلت حياتها وحياة الكثير من الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة، عرضةً للخطر في ظل ارتفاع درجات الحرارة الشديدة ومعدلات الرطوبة.

كبار السن والأطفال والذين يعانون من الأمراض المزمنة تكالب عليهم حر الصيف مع انعدام الكهرباء، ما جعل معاناتهم مضاعفة، في ظل وعود عرقوبية بصيف بارد، في حين تشكو جهات معنية من عجز الحكومة عن توفير كميات كافية من الوقود لتشغيل "محطة الرئيس" كليًّا، وكذا توفير نفط خام ومازوت لكي يتم تشغيل الـ200 ميجا الأخرى في المحطة، لإدخالها إلى الخدمة.

بدوره، يؤكّد المواطن محسن صالح، أحد قاطني مدينة الشيخ عثمان، شمالَ محافظة عدن، لـ"خيوط"، أنّ معاناتهم مع استمرار مسلسل الانقطاعات المتزايدة للتيار الكهربائي "سيناريو تديره أيادٍ خفية" لحرمانهم واحدةً من أهم الخدمات الأساسية، بعد فقدانهم جزءًا كبيرًا من الخدمات الأخرى، بحسب تعبيره.

ويضيف: "تمر ساعات طوال ونحن منتظرون على أحرّ من الجمر، عودة التيار الكهربائي إلى منازلنا، وسط لهيب درجة الحرارة المرتفعة والرطوبة الشديدة، ما يدفعنا في أوقاتٍ كثيرة للخروج إلى الشوارع برفقة أطفالنا للبحث عن نسمة هواء باردة".

عجز حكومي

مدير مكتب إعلام كهرباء عدن، نوار أبكر، أكّد في تصريح لـ"خيوط"، أنّ "حجم الطلب على الطاقة خلال الفترة الحالية وصل إلى 680 ميجا، ومن المتوقع أن يصل إلى 730 ميجا، بينما حجم التوليد المتاح 280 ميجا"، مشيرًا إلى "خروج 200 ميجا عن الخدمة بسبب عدم توفر وقود كافٍ لمحطة "بترومسيلة"، المعروفة في عدن باسم (محطة الرئيس) الواقعة في مدينة الشعب، لكي تدخل الخدمة كليًّا، فبات حجم العجز فيما يُقارب 300 ميجا أو 400 ميجا، الأمر الذي أدّى إلى تدهور منظومة الكهرباء".

وبيّنَ أبكر أنّ "الحكومة المعترف بها دوليًّا عجزت عن توفير كميات كافية من الوقود لتشغيل "محطة الرئيس" كليًّا، وكذا لم تستطع توفير نفط خام ومازوت لكي يتم تشغيل الـ200 الأخرى في المحطة لإدخالها إلى الخدمة".

كما أنّ "مشكلة الكهرباء في عدن مستمرة منذُ سنوات، ولكن ليست مثل ما تمرّ به في الوضع الراهن الذي ارتفعت فيه ساعات الانقطاع بشكل كبير، عكس ما كانت عليه سابقًا.

ويرى مدير مكتب إعلام كهرباء عدن أنّ "وضع الكهرباء سيتضاعف أكثر وأكثر مع السنوات القادمة، في ظل عدم وجود حلول آنية مستعجلة أو حلول مستقبلية، لتوفير محطات توليد طاقة تعمل بكلفة أقل وبدور أكبر، من خلال محطات تعمل بالغاز أو الطاقة المتجددة، أو طاقة الرياح، أو الطاقة الشمسية".

وخلال الآونة الأخيرة تصاعدت مناشدات المؤسسة العامة للكهرباء في عدن للحكومة، بالتدخل العاجل لحلّ مشكلة توفير كميات كافية من الوقود لمحطات توليد الكهرباء، ولكن كل تلك المناشدات ذهبت أدراج الرياح، وباتت منظومة الكهرباء في انهيار شبه تام.

مشكلة مستديمة

يقول الناشط الاجتماعي صالح العلواني، لـ"خيوط"، إنّ "الحديث عن معاناةِ أهالي عدن مع الكهرباء يطول، غير أنّ مختصرَه أنّ هناك جهاتٍ لا تريد لهذه المدينة أن تخرج من هذه الأزمة، فكم من وعودٍ أُطلقت بخصوص حل مشكلة الكهرباء، غير أنّه على أرض الواقع، لا جديد يذكر".

وتتفاقم معاناة سكان عدن بسبب الكهرباء إلى مستويات قياسية، وسط انقطاعات متكررة تستمر معظم فترات اليوم بمقابل وعود عرقوبية، إذ يأتي صيف ويذهب آخر والمعاناة هي نفس المعاناة، مقارنة بالوضع في المحافظات المجاورة التي تعاني هي الأخرى من تدهور الكهرباء إلا أنّ وضعها لا يشبه حال العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا.

يضيف العلواني أنّ "الصيف في عدن على أشدّه، وساعات انقطاع الكهرباء تزداد باستمرار، في ظل فشل ذريع من كافة الجهات المسؤولة، في مقدمتها الحكومة والمجلس الانتقالي والمجلس الرئاسي، الذين تنصّلوا من الالتزامات التي على عاتقهم تجاه هذه المدينة التي كانت لا تعرف الظلام".

ويشكو المواطنون في مختلف مديريات محافظة عدن، من تردٍّ كبير في خدمة الكهرباء، حيث وصلت ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى أكثر من 12 ساعة مقابل ساعتَي تشغيل، نتيجة النقص الحاد في الوقود، الأمر الذي أرهق كاهلهم، وزاد كثيرًا من معاناتهم اليومية، يأتي ذلك في ظلّ وضع اقتصادي ومعيشي صعب يمُرّون به خلال الفترة الحالية.

جحيم سنويّ

في السياق، توضح الناشطة مريم محمد، من سكان منطقة خور مكسر في عدن، لـ"خيوط": "لا جديد يُذكر، وكأنه قد قُدِّر على مدينة عدن أن تعيش كل صيف بشكل أسوأ من الذي قبله، في ظلّ الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة، ممّا فاقم من معاناة السكان الذين باتوا يبحثون عن بصيص ضوء أو نسمة هواء باردة لعلها تبرد أجسادهم التي لفحتها حرارة الجو، وفعلت ما فعلت فيها من حروق وطفح جلدي والتهابات".

مريم أكّدت أنّ "كبار السن والأطفال والذين يعانون من الأمراض المزمنة، تكالب عليهم حرُّ الصيف مع انعدام الكهرباء، ما جعل معاناتهم مضاعَفة، في ظل وعود عرقوبية بصيف بارد، وصمت حكومي تجاه هذه الأزمة المستمرة التي باتت تؤرق المواطنين وتدفعهم للتساؤل: متى سيصدّق الساسة ولو مرة وينقذون المواطن من جحيم الدنيا؟! أم أنّ نعيم ثرائهم قد أعمى أبصارهم فأصبحوا لا يرون معاناة المواطنين؟!".

وشهدت مناطق متفرقة في محافظة عدن خلال الفترة القليلة الماضية، احتجاجات ليلية غاضبة في الشوارع العامة، تنديدًا بتدهور خدمة الكهرباء وارتفاع ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى أكثر من 12 ساعة مقابل ساعتَي تشغيل فقط، وسط صمت وتجاهل الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا.

يرافق فصل الصيف هذا العام في محافظة عدن، مسلسلٌ طويل من الانقطاعات للتيار الكهربائي، الأمر الذي دفع الكثير من الأسر إلى ترك منازلها والتوجه نحو الفنادق، وبعضهم الآخر يرتاد الشواطئ، هربًا من موجة الحر والرطوبة الشديدة التي سبّبت لهم ولأطفالهم الكثير من المتاعب.

•••
ناصر الزيدي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English