عودة محلج القطن في أبين

يمتلك قدرات تنافسية عالية
عبير علي
August 21, 2022

عودة محلج القطن في أبين

يمتلك قدرات تنافسية عالية
عبير علي
August 21, 2022

بعد أكثر من عشر سنوات على توقُّفِ العمل في محلجِ القُطْنِ الواقعِ بمنطقةِ الكَوْد، غرب محافظة أبين (جنوب اليمن)، في 24 يوليو/ تمُّوز، أعادَتِ السلطةُ المحلية تشغيل المُنشأة مرة أُخرى، وتمَّتْ عمليةُ حلج القطن الذي أعاد المزارعون زراعته، في مناطق مُتفرِّقة من المحافظة؛ استجابةً لدعواتٍ أطلقتها السلطاتُ المحلية متمثلة بالمحافظ، حثّتْ فيها المزارعين على ضرورةِ الاهتمام بزراعة القطن الذي اشتهرتْ أبينُ بزراعته لعقود، كأكثرِ المحاصيلِ النَّقدية المُساهِمة في دعمِ الاقتصاد الوطني.

لم تكن أبين وحدها من يزرع القطن وتصدره، وإنما أيضًا مجاورتها محافظة لحج، إذ كان قحطان الشعبي أول رئيس للجنة الزراعة التي زرعت وصدرت القطن اللَّحْجيّ في خمسينيات القرن الماضي، كما اشتهرت محافظة الحُديدة (شمال غربي اليمن) بزراعة القطن، والتي شكّلت سابقًا رافدًا لمصنع الغزل والنسيج في صنعاء الذي تعرّض للإهمال والإغلاق قبل أن تجري محاولات لإعادة تشغيله من جديد في نهاية العام 2019.

وتُقدّرُ مساحةُ الأراضي الزراعية في محافظة أبين بنحو 160 ألف فدانٍ، يُزرعُ منها حوالي 100 ألف فدان موزعةً بينَ دلتا خنفر ودلتا أحور، احتلّ القطن فيها النسبة الأكبر في العقود الماضية، حيثُ بلغتْ مساحة زراعته، بحسب إحصائيات وزارة الزراعة سنة 2009 -قبل توقُّفِ المحلج- 132250هكتارًا، بمعدلِ إنتاج بلغ 15071 طنًّا، إلا أنَّ هذه النسبة قد انخفضت بشكل كبير جدًّا خلال السنوات الماضية، حيث تقدر بيانات رسمية، اطلعت عليها "خيوط"، مساحته الزراعية حاليًّا للعام 2022، ما يقارب 300 فدانٍ فقط.

مخاض العودة

ظلَّت الرغبةُ في عودة نشاط المحلج مُلِحَّةً؛ خاصةً بعد أن كان للمحلج دور هامّ في التطورات والإصلاحات التي شهدتها محافظة أبين في مجالاتٍ عدة، وفي يوليو/ تموز سنة 2017 وجَّه المحافظُ اللواء الرُّكن، أبوبكر حسين، الإدارةَ الفنِّيةَ بالمحافظة إلى إعادة صيانة المحلج؛ للعملِ فيه، ولو بقدرةِ إنتاجية محدودة؛ حفاظًا على هذا الصرحِ الصِّناعي من التعطُّل الكُلِّي، إلا أنّ زراعةَ القطنِ في تلك الفترة كانت قد تضاءلت كثيرًا، وباتت محصورة بين مزارعين قلّة، وبمساحاتٍ محدودة جدًّا، بعد أن كان يحتلُّ أكثرَ المساحات الزراعية في المحافظة.

في هذا الصدد، يُؤكد إيهاب السَّقاف، الرئيس السابق لنقابة العمَّال في المحلج، لـ"خيوط"، أنَّ "المُزارعين كانوا أهمَّ الداعمين لاستئنافِ عمل المحلج، حيثُ عمدوا إلى توفير كمِّيّات لا بأس بها من القطن، الذي كانوا يحتفظون به، وقدّموها للمحلج دون مقابل؛ دعمًا منهم لإعادة تشغيل المُنشأة المُتوقِّفة".

يعزو مزارعو القطن في أبين أسباب عزوفهم عن زراعة القطن إلى جملةٍ من المشكلات التي يواجهونها وحدهم، في ظل ضعف دور مكاتب الزراعة، أهمها ارتفاع أسعار البذور والأسمدة والمبيدات، وكذلك أسعار المشتقات النفطية، وارتفاع أجور الأيدي العاملة، في مقابل انخفاض تسعيرة القُطن.

مؤخرًا، حاول مكتبُ الزراعة بالمحافظة تشجيع المزارعين على الاهتمامِ بزراعة القطن بتقديم المستطاع من الدعم؛ في محاولة منه لإحياء نشاطه من جديد وإعادة تصديره؛ الأمرُ الذي سيضمنُ رفد المحافظة والدولة عمومًا بالعملة الصعبة، إلا أنّ ذلك يتطلب جهودًا كبيرة جدًّا ومتضافرة.

يقول الدكتور حسين الهيثمي، مدير مكتب الزراعة بأبين، لـ"خيوط": "يحتاج المُزارع اليوم لدعم ٍ كبير للعودة إلى زراعة القطن بمساحات كبيرة كالسابق، إذ كان المزارعون يتلقون الدعم من قبل لجنة أبين الزراعية، وهيئة تطوير دلتا أبين، التي تقوم ُباستصلاحِ الأراضي ومنظومات الرَّي -الهيئات المعنية- وتُوَفِّرُ لهم البذور والأسمدة والمبيدات، إضافة إلى التوجيهات والإرشادات لضمان سلامة المحصول وجودته".

ويؤكد الهيثمي، على أنّ اللجنة الزراعية كانت تقف إلى جانب مزارعي القطن، وتُشرِفُ عليهم إشرافًا مباشرًا من بداية الموسم، حتى جني المحصول وشرائه منهم، وهو ما يفتقده المزارعون اليوم".

في يونيو/ حزيران الماضي، أعلنَ محافظُ المحافظة عن خطةٍ لإعادة تأهيل المحلج وتجديده بميزانيةٍ تصِلُ إلى مليونين ونصف المليون دولار، بدعم من المشروع السعودي لإعادة الإعمار، وطالب الإدارة الفنية بالمحافظة بإعداد دراسة جدوى حديثة تضمُّ كافةَ أقسامِ المحلج وإداراته؛ استعدادًا لتشغيله بصورة فعلية في المرحلة القادمة.

توقف المحلجِ وتراجعُ زراعة القطن 

تراجعَ عملُ المحلجِ الذي كان -حتَّى سبعينيات القرن الماضي- أهمَّ مُنشأةٍ صناعيةٍ في أبين، جرَّاءَ الكثيرِ من العوامل التي جعلته مُهملًا ومنسيًّا، كان أبرزُها التراجعَ الكبير في زراعة القطن، إضافة إلى الحروب والصراعات التي مرَّت بها المحافظة، إذ تعرَّض المحلج سنة 2011، للنهبِ والتدمير عَقب اجتياح عناصر تنظيم القاعدة لمحافظة أبين، الأمر الذي شلَّ العمل فيه بشكلٍ شبه تام، تلا ذلك اجتياح جماعة أنصار الله )الحوثيين) للمحافظة سنة 2015.

من جانبهم، يُرجِعُ عُمّال المحلج السبب في تعطُل عملهم إلى عدم وجود ميزانية تشغيلية للمحلج، وتوقُّف دفع أجور موظفيه؛ ما اضطرهم إلى توقيف العمل في الفترات السابقة.

ويروي السَّقاف معاناة العمَّال لـ"خيوط"؛ "عانينا على مدى عامين متواصلين من انقطاع المرتبات، الأمر الذي حال بيننا ومواصلة تشغيل المحلج، وبعد إعادة صيانة المحلج في 2017، أُطلقت رواتبنا، إلا أنّ ذلك لم يدُم طويلًا؛ كون اعتمادنا المالي يتبعُ لجنة الزراعة بالمحافظة لا وزارة الزراعة، الأمر الذي جعل معاناتنا مستمرة".

ويشيرُ السقَّاف، إلى إنّ موظفي المحلج ما زالوا حتى الآن يعانون انقطاع مرتباتهم، حيثُ تصرفُ بمعدل راتب واحدٍ لكل ثلاثة أشهر، كما أنّهم حُرموا من الزيادة التي أطلقتها المالية في فترات سابقة -زيادة أجور موظفي الدولة بنسبة 30٪- حيثُ يتقاضى الموظف 30 ألف ريال (قرابة 30 دولارًا).

مؤكّدًا على أنّ تشغيل المحلج لن يتمَّ بشكل فعليٍّ وناجعٍ إلا بعد معالجة الأمور المتعلقة بالمزارع والمحلج على رأسها أجور موظفيه.

ويعزو مزارعو القطن في أبين أسباب عزوفهم عن زراعة القطن إلى جملةٍ من المشكلات التي يواجهونها وحدهم، في ظل ضعف دور مكاتب الزراعة؛ أهمها: ارتفاع أسعار البذور والأسمدة والمبيدات، وكذلك أسعار المشتقات النفطية، وارتفاع أجور الأيدي العاملة، في مقابل انخفاض تسعيرة القُطن.

في سياقٍ مُتصل، يُعبِّر الدكتور الهيثمي لـ"خيوط"، عن أسفِ مكتب الزراعة لعجزِهِ أمام المزارعين؛ نتيجةَ تجاهُلِ وزارة الزراعة لمطالبه المستمرة، بإصلاح منظومة الرَّي التي دُمِّر الكثيرُ منها بفعل السيول التي تضرب المحافظة في المواسم، دون أيِّة حلول وإصلاحات، ومطالبه بدعم المزارع والتخفيف من معاناته. 

جودة قطن أبين

تمتاز أبين بزراعة نوعية محددة من القطن ذي الجودة العالية، يُعرف بطويل التيلة، المُنتج من بذرة مِن أصلٍ سوداني مصري، طُوِّرت وهُجِّنت في أبين، وأطلق على هذا الصِّنف "كود 4" نسبة إلى مركز أبحاث الكود، وصُدِّرت في ثاني موسم زراعيٍّ للقطن بكميات تجارية، وبعلامة تجارية عالمية عُرفتْ بـ"أبين بورد Abyan board"، ونافس "كود 4" الصِّنف المصري -آنذاك- "جيزة 36"، ثُمَّ طُوِّر بعد ذلك واستحدثوا صِنفًا آخر أُطلق عليه "مُعلِّم 2000" -نسبة إلى مُنتِجه سالم المعلم، الذي أنتجه في سنة 2000- حيثُ بلغت تيلتهُ 39.5 ملم، وهو صِنفٌ فاخرٌ ضاهى القطن المصري والسوداني والأمريكي الذي بلغت تيلتهم 40 ملم.

كما يُزرعُ في أبين القطن متوسط التيلة، في مناطق متفرقة من دلتا أبين، تمَّ تهجينه من مجموع أقطان الأبلاند الأمريكية، حيثُ أُطلق على الصِّنف المهجن منهُ مُسمّى أكالا.

وساهم إنشاء هيئة تطوير دلتا أبين في ستينيات القرن الماضي، في ازدهار زراعة القطن في أبين، حيثُ تُعدُّ تلك الفترة العهد الذهبي لهذا المحصول؛ كون زراعته في تلك الفترات كانت تتمُّ بطريقةٍ ممنهجة، وكانت تقدم للمزارعين القروض البيضاء، وتشرف عليهم إشرافًا مباشرًا من بداية الموسم حتى جني الثمار وشرائه منهم بمبالغ مُرضية، وأدّى غياب كل ذلك إلى تراجع إنتاج القطن الذي كان يصلُ إلى 22 مليون رطل في الموسم، فيما بلغ إنتاجه في هذا الموسم 10 آلاف رطل، وبلغ سعر الرِّطل الواحد منه 250 ريالًا، وهو مبلغُ زهيدٌ مقابل خسارة المُزارع الكبيرة، ما جعل المزارعين يعزفون عن زراعته، بحسب الهيثمي.

تاريخ المحْلج 

في مطلع العقد الخامس من القرن العشرين، تم إنشاء محلجَ القطنِ في مدينة الكود بمحافظة أبين (جنوب اليمن)، حيثُ كان أولَّ محلجٍ للقطنِ في شبه الجزيرة العربية والخليج كرافد اقتصادي مهم، وذلك بعد نجاحِ أوَّل تجربة لزراعته في محافظة أبين في العام 1948.

وكان لبيئة المحافظة الزراعية التي تمتلك ثلاثة أودية رئيسة (بَنا وحسَّان وأَحْوَر)، السبب الأبرز لاختيار محافظة أبين لتجربة زراعة محصول القطن النَّقدي، إضافة إلى حاجة المحصول لمناخ حار، وهو ما تتمتع به المحافظةُ أيضًا.

في الموسم الثاني لزراعته في العام 1949-1950، تمَّ تصدير المحصول وبيعه في الأسواق العالمية؛ لتصبح بذلك اليمن واحدةً من أكبرِ الدول العربية المنتِجة لأجود أنواع القطن.

وبعدَ نجاحِ زراعةِ القُطْن في محافظة أبين، وتصديرِهِ للأسواق العالمية، عملَتِ اللجنةُ الزراعيةُ في المحافظة -آنذاك- على إنشاءِ مركز أبحاثٍ زراعيٍّ في مدينة الكود في عام 1955؛ لإجراء الدراسات والبحوث اللازمة لتطوير الإنتاج الزراعي في المحافظة، ما جعل تلك المرحلة مرحلةً ذهبيةً بالنسبة للزراعة في أبين.

•••
عبير علي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English