عيد أبين.. شبه فرحة بلا متنفسات

طقوس يعجز الأهالي عن ممارستها
عبير علي
July 10, 2022

عيد أبين.. شبه فرحة بلا متنفسات

طقوس يعجز الأهالي عن ممارستها
عبير علي
July 10, 2022

يأبى أهالي أبين إلا الفرح رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها، حيث تستقبل المحافظة الواقعة جنوب اليمن، عيدَ الأضحى بالعديد من الطقوس التي تشترك فيها والكثير من محافظات البلاد، بدءًا بتهيئة المنازل وتزيينها، وشراء مستلزمات العيد من الملابس والحلويات والمشروبات، وإعداد كعك العيد، وشراء الأضاحي، التي أصبحت طقسًا يعجز الكثيرون عن شرائه.

غير أن ممارسة هذه الطقوس -التي كان يتلهف عليها الناس- أضحت باهتة ومحدودة في أبين، التي تقول تقاريرُ رسميةٌ إنّ نسبةً كبيرةً من سكانها كغيرها من المدن والمحافظات اليمنية باتوا يعيشون تحت خط الفقر.

يتميز موسم العيد بارتفاع مستوى العرض والطلب في الأسواق المحلية مع تحول مثل هذه المناسبات إلى عبء للكثير من الأسر التي باتت عاجزةً عن توفير احتياجات العيد، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الملابس بمعدل 100٪ عن الموسم السابق من العام الماضي 2021، إذ قارب سعر الطقم الواحد للطفل (مكوّن من قميص وبنطلون) 30 ألف ريال كحد أدنى، فضلًا عن بقية المستلزمات، ما جعل هذه المناسبة همًّا يوّرق أرباب الأسر، رغم تحسن العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.

الموظف وسيم صالح، يعيل طفلين، وهو من سكان أبين، يصف وضعه لـ"خيوط"، بالقول إنّ راتبه من الحكومة كموظف مدني، والذي لا يتجاوز 60 ألف ريال، لا يكفي لشراء ملابس جديدة لطفليه؛ بسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في الأسواق.

ما يميز صبيحة يوم العيد في المناطق الريفية من محافظة أبين هو وجبة الفطور التي تعتمدها النساء التي تكون عادة وجبة "الهريش "، وتسمى في أماكن أخرى "الهريس" المكونة من حبوب البُرّ المجروشة التي تطبخ مع اللحم وتسقّى بزيت السمسم

يتابع صالح: "لا تكفينا الرواتب في الأشهر العادية لتوفير احتياجاتنا، فكيف بمواسم الأعياد التي تضاف إليها كسوة العيد، والأضحية، والعديد من المتطلبات الأخرى التي لم يعد أحد يستطيع توفيرها".

كثير من الآباء والأمهات عزفوا عن الاهتمام بأنفسهم وتوفير احتياجاتهم في مثل هذه المناسبات، مكتفين بتوفير جزءٍ من مستلزمات أطفالهم في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة.

 تقاليد خاصة

"الله بعوده سالمين من حق رب العالمين"، "العيد جانا من أحور جاب الجُعيبة تحدور"، بهذهِ العبارات المتوارثة، الملحّنة على المقام الفرائحي "الكراتشي" يبدأ أطفال الكثير من المناطق في محافظة أبين -خاصة الريفية- ابتهاجهم بالعيد في اليوم الذي يسبقه، حيث يُطلق على هذا اليوم مُسمى "الله بعوده"، يجتمعُ فيه أطفالُ الأحياء، وهم بكامل زينتِهم، يباشرون زيارة منازل الحي تباعًا، وهم متماسكو الأيدي، مرددين تلك الأهازيج القديمة، كدلالة على مطالبتهم الأهالي بإعطائهم العيديات. وما يزال هذا الطقس باقٍ في المناطق الريفية من أبين، رغم غيابه من مدن المحافظة.

في يوم العيد تستيقظ النساءُ قبل الجميع؛ ليقمن بتجهيز المنازل وترتيبها، وتبخيرها، ثم يقمن بتجهيز أطفالهن وأزواجهن؛ استعدادًا للخروج إلى صلاة العيد التي غالبًا ما تبدأ في الساعة السادسة صباحًا، في مساجدَ وميادين المدن والقرى، ومن ثم العودة إلى المنازل لمعايدة الأهل والأقارب والقيام ببقية العادات العيدية.

إلا أنّ ما يميز صبيحة يوم العيد في المناطق الريفية من محافظة أبين هو وجبة الفطور التي تعتمدها النساء "وجبة الهريش"، وتسمى في أماكن أخرى "الهريس" المكونة من حبوب البُرّ المجروشة التي تطبخ مع اللحم وتسقّى بزيت السمسم الأبيَنيّ، وتؤكل مع العسل، حيث تعد وجبة رئيسية لصباح العيد في الكثير من المناطق.

منى محمد، مواطنة من أبين، تقول لـ"خيوط": "في صباح العيد نقوم بتجهيز أكلة الهريس التي تعد وجبة خاصة ومتميزة تعتمدها غالبية البيوت في أول أيام العيد، حيث نطبخها بعناية ونُكثر اللحمة فيها، بحيث تكون ذات قوام ثقيل، نقدمها لأهل البيت كوجبة رئيسية للفطور".

أما في مدن المحافظة فإن الوجبة الرئيسية للفطور تتكون من "الكبدة"، والخبز "الملوّح" (خبز الطاوة)، والشاي الملبّن (شاي بالحليب).

ثاني أيام العيد له ميزةٌ خاصّةٌ في محافظة أبين، حيث يعتمده غالبية أهالي المنطقة يومًا لزيارة النساء المتزوجات لعائلتهن رفقة أزواجهن وأطفالهن، ما يضفي على هذا اليوم أجواء تسودها الألفة والتقدير، حيث تستعد الأمهات لاستقبالِ بناتهن اللاتي يأتين صباحًا من مناطق متفرقة في أبين أو المحافظات القريبة -عدن ولحج- فيجتمعن الأخوات لإعداد وجبة الغداء للعائلة. 

ويعد طبق الزربيان الوجبة الرئيسية للغداء في هذا اليوم -خاصة في المدن- إضافة إلى فَتَّة خبز الدخن مع المرق والسمن البلدي، والحنيذ. 

واعتاد أهالي أبين إقامة الأعراس في أيام العيد؛ نظرًا لعودة الأهل- الذين يعيشون خارج المحافظة، لقضاء أيام العيد في مدنِهم وقراهم الأصلية، إضافة إلى استغلال شراء الناس لملابس العيد وارتدائها في الأعراس، ما يوفر على الأهالي شراء ملابس جديدة، وهي عادة قديمة لزمها أهالي أبين، إلا أنها أصبحت لا تجدي، خاصة أنّ الكثيرَ من الأسر أصبحت غير قادرةٍ على توفير مستلزمات أطفالها للأعياد، وبهذا تصبح هذه المناسبات همًّا يُضاف إلى جملةِ الهمومِ التي يعاني منها المواطن في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة.

غياب للمتنزهات

تعاني محافظة أبين من غياب المتنزهات، لذلك تكتفي الكثير من الأسر بزيارة الأهل والأقارب لعدم وجود أماكن ترفيهية، وساحة الألعاب الوحيدة موجودة في مدينة زنجبار (جنوبي محافظة أبين)، فيما تفتقر بقية مناطق المحافظة للحدائق والمتنزهات.

الطفلة ملك علي (12 سنة)، من محافظة أبين، تقول لـ"خيوط": "لا نجد أماكن للتنزه في العيد، نخرج الصباح مع الأهل في الزيارات الخاصة، والعصر نلعب جنب المنزل".

وعلى الرغم من أن أبين محافظة ساحلية إلا أن سواحلها لم تستغل بشكل أمثل لإيجاد بيئة ترفيهية مناسبة للتنزه؛ الأمر الذي يجبر الكثير من المواطنين الذهاب إلى محافظة عدن المجاورة للاستمتاع بأيام العيد.

في هذا السياق، يقول المواطن فضل عسكر، من سكان أبين، لـ"خيوط"، إنّ الظروف الاقتصادية الصعبة أجبرت الكثير التخلي عن هذا التنقل إلى عدن لقضاء أيام العيد.

كان أهالي محافظة أبين يعوضون افتقارهم لغياب المتنزهات بالذهاب إلى محافظة عدن -تبعد عنها بمسافة 30 كيلو مترًا- التي يتميز فيها العيد بأنه موسم للمهرجانات والمسرحيات، إلى جانب وجود الحدائق والمنتجعات السياحية، والملاهي التي يقصدها الأطفال والكبار على حدٍّ سواء، إلا أنّ ارتفاع أسعار الوقود كان السبب الأبرز الذي حال دون ذهاب الكثير إلى عدن، حيث تكلف الرحلة الواحدة نحو 50 ألف ريال، قرابة 50 دولارًا كحدٍّ أدنى، دونًا عن بقية احتياجات النزهة.

•••
عبير علي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English