أبو بكر بن شيخ الكاف

رجل أعمال وسياسي ومصلح اجتماعي
خيوط
November 30, 2022

أبو بكر بن شيخ الكاف

رجل أعمال وسياسي ومصلح اجتماعي
خيوط
November 30, 2022

(1305-1385هـ/ 1888-1965م)

وُلد أبو بكر بن شيخ الكاف في سنغافورة، لأسرة حضرمية هاجرت من تريم أواسط القرن الثامن عشر، واشتغلت بالتجارة والعقارات فراكمت ثروة عظيمة، وحينما عاد إلى موطن آبائه وأجداده مطلع العشرينيات بكامل إرثه، مارس أيضًا مهنة التجارة، إلى جانب حضوره الاجتماعي الفاعل في وادي حضرموت إجمالًا قبل أن يمتد تأثيره إلى مدن الساحل الحضرمي، ومنها العاصمة المكلا.

كان منزله مفتوحًا للوافدين والغرباء؛ إذ كان كريمًا مضيافًا، ذاع كرمه وسخاؤه في جميع مدن حضرموت، وقد قرّر مرتبات سرية للعائلات الفقيرة، وبعض الأشخاص من جيبه الخاص، وكان شخصية سياسية مشهورة، له مساعٍ خيرة للإصلاح بين القبائل، والسلطنات المتفرقة، ومن تلك المساعي الإصلاح بين سلطنة تريم، وآل العيدروس، وحلّ الخلافات الناشبة بينهم.

كما كان له إسهام بارز في عقد المؤتمر الحضرمي في مدينة المكلا سنة 1928م، ومن أدواره البارزة إجراء أول تعداد سكاني لمدينة تريم، وتعبيد وشق طريق يربط حضرموت الداخل بحضرموت الساحل، وإشرافه شخصيًّا على ذلك العمل، وسيأتي الكلام عليه لاحقًا.

كانت له علاقات اجتماعية وسياسية مع شخصيات مشهورة داخل اليمن وخارجها، وقد أقام لديه زمنًا طويلًا الشيخ الطيب الساسي المكي- أحد الشخصيات المغربية المشهورة، والمهندس الحضرمي محمد بن صلاح الدين النجار- أحد المرافقين لبعثة الطيارين الألمان إلى اليمن، وكذلك بعض الشباب المصريين، وبعض أبناء المدينة المنورة. 

لم يبخل المثريّ الكاف بماله وجهده في سبيل بناء وطنه والنهضة بقطره وأهله، وأمثاله قليلون جدًّا في هذا الوطن الكبير. 

دوره في الإصلاح بين القبائل المتناحرة

كان أبو بكر الكاف ميّالًا منذ صغره، إلى حلّ مشكلات الناس، فنشأ بفطرته مُحِبًّا للإصلاح، وكثيرًا ما كان يستطلع حالة البلاد العامة، ويعمل على الإصلاح بين القبائل. ففي عام 1934م، تم إرسال هارلد إنجرامس في زيارة استطلاع وتحرٍ لحضرموت، كما عاد إليها مرة أخرى عام 1936م، ليعمل مع أبي بكر وسلطاني حضرموت القعيطي والكثيري في إقناع القبائل التي تعيش في دائرة الاقتتال والحروب، بالقَبول بهدنة عامة لمدة ثلاث سنوات، وقد أدّى التأثير القوي لشخصيته، مع إنفاقه السخي، الدورَ الأساسي لإنجاح المفاوضات التي قادت إلى تحقيق الصلح العام، والهدوء في أنحاء القطر الحضرمي، وإرساء دعائم أمنه واستقراره الاجتماعي.

ولا تقف أيادي السيد أبوبكر بن شيخ الكاف عند هذا الحدّ، فقد اختصم المستشار المقيم في المكلا المستر إنجرامس في ذلك الوقت مع قبائل حضرموت: الحموم، ونوح، ونهد، والخامعة، والحالكة؛ وبسبب هذه الفتنة، نسفت الطائرات هذه القبائل، فلم يقف السيد أبوبكر بن الشيخ الكاف مكتوفَ الأيدي، بل توسّط بين القبائل، والحكومة، وقالت قبائل الحموم، إنّها لا تقبل التوسّط، إلّا إذا جاء إليهم بنفسه السيد أبوبكر بن شيخ الكاف، فذهب السيد أبوبكر بنفسه إليهم، وأصلح الأمر فحال دون نسف الطائرات.

أعماله

لما حلّت المجاعة في العام الثلاثين من القرن الماضي، لم يقف الكاف مكتوف الأيدي والجوع يفتك بالبلاد، بل هب لمساعدة الناس؛ فأنشأ المطابخ للمصابين بالمجاعة، كما كان عاكفًا على تحسين وتيسير أداء المستشفى والمدرسة التي أسّسها آل الكاف في تريم، لتقدّما الرعاية الصحية المجانية والتعليم المجاني للسكان المحليين.

طريق الكاف

رأى أبو بكر وعورة المسالك من ساحل حضرموت إلى داخله، فأنشأ من جيبه الخاص طريقًا معبّدة تمتد من تريم إلى ريدة المعارة بلغت تكاليفها 150 ألف ريال، في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو أول طريق يعبّد بحضرموت لمرور السيارات يقوم به فرد واحد على نفقته الخاصة، فالطريق المعبد (طريق الكاف) كان في ذلك الوقت محفوفًا بالمخاطر؛ لأنّه يمرّ بالقرب من قبائل البادية التي لها نفوذ في مواقعها، فاتصل بهم وأرضاهم، وتعاقد معهم، وقدّم لهم المعونات، وحفر لهم الآبار، وكتب عليهم الوثائق؛ لكي يحافظوا على سلامة السالكين لهذا الطريق. كان يشرف شخصيًّا على أعمال التعبيد، وقد وضعت للطريق خرائط حسب طلبه من ثلاث نسخ، وكان القائم المباشر لأعمال التعبيد رجل يلقب بــ"الإنقريز"، وعملت خرائط أخرى بطلبه، للطرق.

رفيق الإمبراطورية (C.B.E)

في العام 1938م، منح السيد أبوبكر بن شيخ الكاف، لقب رفيق الإمبراطورية (companion of the British Empire- C.B.E)؛ نظير خدماته العامة، وعن أهمية دوره في عملية صنع السلام بحضرموت، وقد وقّع 99 شخصية من وجهاء الحضارمة في عريضة في تاريخ مبكر من عام 1938م، تشهد بدوره الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بحضرموت، وقد أجّل سفره للخارج عام 1938م، تخوّفًا من احتمال أن يتسبّب غيابه في الخارج بتعريض الصلح والسلام الذي ساهم فيهما شخصيًّا، للخطر.

فارس الإمبراطورية (K.B.E)

كان السيد الكاف يتمتّع بروح استقلالية، ولا يتردّد عن الصدع برأيه، ويتجلى ذلك عندما رفض تسليم لقبه السابق (CBE)، عندما قُلِّد بوسام فارس الإمبراطورية (KBE)، وذلك وَفقَ ما تقتضيه البروتوكولات المتبعة للحكومة البريطانية معلقًا بقول: (إنّكم -أيّ الإنجليز- تعطون بيد، وتأخذون باليد الأخرى، أمّا نحن إذا أعطينا فلا نستردّ عطيتنا)؛ فاستثني بقرار خاص، وحاز أبو بكر الكاف كلا الوسامين (CBE) و(KBE)، كما ظهر كلا الوسامين على الترويسة الخاصة لمطبوعات مؤسسته التجارية. كذلك منحته الملكة إليزابيث الثانية في نفس الاحتفال ميدالية تحمل اسمها وصورتها.

27 أبريل 1954م

عندما زارت صاحبة الجلالة الملكة إليزابيث الثانية، وصاحب السمو الملكي دوق أدنبره عدن في 27 أبريل 1954م، كان السيد أبوبكر بن شيخ الكاف في استقبال جلالة الملكة، وكان بصحبة السلطان الكثيري حسين بن علي، كلٌّ من: السيد أبوبكر بن شيخ الكاف، والسلطان عبدالله بن محسن الكثيري، والسلطان حسين بن صالح الكثيري، والسيد صالح بن علي الحامد، والمقدم عبدالله بن مرعي بن طالب، والشيخ الأمين عبدالماجد، والسيد عمر المحضار بن علوي الكاف. وقد وصل بصحبة السلطان العلامة صالح بن غالب القعيطي- سلطان المكلا والشحر كل من الوجهاء: الشيخ قدّال باشا، والشيخ جهان خان، والشيخ أبوبكر بارحيم، والمشايخ: أحمد باصرة، ومسلم بلعلا، وأحمد بن ناصر البطاطي، وعمر باسويد، والسيد أحمد العطاس، وجرى الاحتفال رسميًّا بمنحه وسام الإمبراطورية (K.B.E) من قبل جلالة الملكة إليزابيث الثانية خلال زيارتها الأولى والوحيدة لعدن عام 1954م، وفي الحفل تمّ استثناؤه مِن شرطٍ من شروط البرتوكول يقضي بالركوع أمام جلالتها، فقد وضّح للجميع مسبقًا بأنّه كمسلم لا يستطيع الركوع إلا لله وحده.

المصادر:

(أعلام وأمجاد حضرمية)

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English