اليمن..تجاور لصيق للحياة والموت

أفراح وأحزان كورونا بتكاليف منخفضة
هلال الجمرة
July 11, 2020

اليمن..تجاور لصيق للحياة والموت

أفراح وأحزان كورونا بتكاليف منخفضة
هلال الجمرة
July 11, 2020

عايش اليمنيون فترة وباء كورونا منذ بدايتها، بمزيج من الفرح والحزن. مع إعلان السلطات الصحية بصنعاء رسمياً عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في 8 مايو/ أيار 2020، كان عدد الجنازات يطغى على مواكب الأعراس. لكن الوضع انعكس مؤخراً، بعد شهرين فقط، حيث صار سماع الزغاريد والألعاب النارية يطغى على النواح، كما لو أن الوباء تجاوز ذروته.

مثلما زار الموت كُلّ حارات العاصمة تقريباً، باتت السعادة الآن تتسرب إليها عبر أعراس شبه يومية؛ حفلات بسيطة وبلا كلفة مالية كبيرة، في زمن كورونا.

 خلال شهرين، توفي في أحد أحياء المدينة السكنية بسعوان (شمال شرق العاصمة صنعاء)، ستة أشخاص أغلبهم تزيد أعمارهم على الـ50 سنة. وحسب أقاربهم، فجميعهم بدت عليهم أعراض إنفلونزا، ولم يخضع أي منهم لاختبار (PRC)، لكن عائلات بعضهم أصيبت كلها بالعدوى.

 في مفارقة لهذا المشهد، استقبل ذات الحيُّ سبع عرائس، منذ النصف الثاني من يونيو/ حزيران 2020. جميع هذه الأعراس تمت بدون حفلات زفاف، وبلا دعوات للضيوف ولا حضور تلقائي بدافع الواجب، ويبدو أنه لولا هذه العوامل، لما تحمّست أربع أسر لتزويج أولادها. إذ أن كلفة حفل الزفاف غالباً ما تكون عائقاً أمام إقامة العرس.

ومع مرور موكب زفاف في هذا الحيّ قبل يومين، كان رجل خمسيني يدعو الله “ألَّا ينهي كورونا” قبل أن يجد لابنه، ذي الـ17 عاماً، زوجةً مناسبة، ويزوجه على الفور بدون حفلة زفاف.

منذ شهرين، تحولت صنعاء إلى ساحة صراع حقيقي بين الحياة والموت: نهاراً يشيّع عدد قليل من الناس أحبتهم الذين يفتك بهم الوباء إلى مثواهم، بأسى صامت. بينما تضجّ الشوارع ليلاً بزغاريد وأبواق راقصة لمواكب الزفاف.

انتهجت حكومة أنصار الله (الحوثيون) “مناعة القطيع” كسياسة غير معلنة، في مواجهة كورونا. وأعلنت عن جملة إجراءات احترازية، بينها إغلاق صالات الأفراح والمناسبات، وعدد من أماكن التجمعات، للحد من انتشار كورونا. غير أنها استثنت بعض الأماكن المزدحمة عادة، مثل الأسواق والجوامع، رغم ما تمثله من مخاطر في نقل العدوى.

لم تصنع هذه الإجراءات الاحترازية فارقاً كبيراً في تخفيف عدد الضحايا والمصابين بكوفيد-19. ومنذ اللحظة الأولى لانتشار الفيروس، رفضت السلطات في صنعاء الإعلان عن عدد الحالات المصابة، واعتمد الناس على مراقبة الجنازات والتعازي، كمؤشر لانتشار الفيروس وانحساره.

تعايش اليمنيون بصمت مع كورونا وقسوة الفقد المباغت على تزايده، ورضوا بالموت “قضاءً وقدراً”، بينما ذهب بعضهم بعيداً، فاعتبروه فرصة مناسبة لزواج ميسّر وغير مكلف. ففي كل الأحوال، على الحياة أن تستمر.

الزواج في زمن كورونا قد يمثل تجربة وفرصة لإعادة النظر في عادات الزفاف في اليمن، خصوصاً المبالغة في تكاليف إقامة الأعراس والحفلات

أسقط كورونا الحرج عن الناس وأعفاهم من التزامات ثقيلة، مع الأصدقاء والأحباء، محكومة بالأعراف والتقاليد. وجعل حفلات الزفاف مقتصرة على مستوى الأسرة، وخفف عنها تكاليف كانت تذهب لصالات الأعراس، والدعوات ومتطلبات المدعوين. كما أثبت كورونا في نفس الوقت، أن مستوى الحفلات وعدد المدعوين ليس معياراً للسعادة الاجتماعية.

وبالنظر إلى ما رصدته خلال شهرين من كمية التعازي والتهاني، التي شاركها الأصدقاء على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك” و”واتس اب”، فإن إجراءات الحجْر لم تقلل من الكلفة البشرية للوباء، بالقدر الذي خَفّضَته من الكلفة المالية للراغبين في الزواج أو بالنسبة لمراسم العزاء.

 والحاصل، أن إغلاق صالات الأعراس، خلال هذه الفترة التي تمثّل عادة موسماً سنوياً شديد الازدحام لحفلات الزفاف، يعدّ ضربة قاصمة لملّاك الصالات والعاملين في خدمات الأفراح والمناسبات الأخرى وأبرزها واجب العزاء.

 وحتى يعاد فتح الصالات مجدداً، سيظل الإقبال على الزواج أمراً مغرياً، خصوصاً للفئات الفقيرة ومتوسطة الدخل، لكنه قد يمثل تجربة وفرصة لإعادة النظر في عادات الزواج في البلاد، خصوصاً المبالغة في تكاليف إقامة الأعراس والحفلات.

•••
هلال الجمرة

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English