تقاليدُ وطقوسٌ يمنيةٌ رمضانيةٌ راسخة

كيف يستقبل اليمنيون رمضان وكيف يودعونه
محمد الخليدي
May 21, 2020

تقاليدُ وطقوسٌ يمنيةٌ رمضانيةٌ راسخة

كيف يستقبل اليمنيون رمضان وكيف يودعونه
محمد الخليدي
May 21, 2020
عادات رمضانية - السنيدار|عادات رمضانية

تحرير: "خيوط"

   مع حلول شهر رمضان المبارك، تختلف مظاهرُ استقباله من بلدٍ إلى آخر؛ فكل بلدٍ له عاداته وتقاليده. ويحتفظ اليمن بموروثٍ ثقافيٍّ وتاريخيٍّ غنيٍّ في استقبال وإحياء رمضان، لم يتخلَّ عنه حتى وهو يمر بأسوأ أزمةٍ إنسانيةٍ في العالم، نتيجة الحرب المشتعلة منذ خمس سنوات.

   يحتفي اليمنيون في هذا الشهر بشكلٍ خاصٍّ ومقدسٍ، أسوةً بالشعوب الإسلامية؛ حيث يُبدون التزاماً أكبر في أداء فروضهم الدينية، ويُظهرون الإحسان، ويمايزون رمضانَ عن باقي العام بعاداتٍ وسلوكٍ خاصٍّ يقدِّر فريضة الصوم والشعور الروحاني.

   وتهيئ الأسر اليمنية لشهر رمضان أجواءً احتفائيةً، تعبر عنها بتنظيف وترميم البيوت، كما في الريف، وتوفير كل مستلزماتها واحتياجاتها خلال هذا الشهر. وتبرع النساء في تحضير الأكلات الخاصة والمتنوعة التي تعودتْ عليها أُسَرُهن في رمضان. لقد ارتبط حضورُ هذا الشهر بإعداد أطباقٍ نوعيةٍ لا تَحْضُر إلا فيه، ولا يتذوقها الصائم إلا في المواقيت الجديدة التي تفرضها تعاليم الصيام.

رائحة الطعام اليمني تفوح في بلدان العالم

   يتميز المطبخ اليمني بتنوعه الاستثنائي؛ فتشابُكُ الثقافات جعلَ من كل جهةٍ في البلاد متميزةً عن الأخرى. ففي الشمال، مثلًا، تجد أطباقاً تركيةً تعلّمها اليمنيون خلال فترات حكم الدولة العثمانية، ووضعوا على بعضها صِبْغتَهم الخاصة. أما الجنوب (عدن بالخصوص) فيوجد تنوعٌ ثريٌّ في الأطباق؛ حيث استقر الهنود والأفارقة واليمنيون من مختلف جهات البلاد. وتفضِّل الأسَرُ هناك المَقْلِيّات والأطباق الحارة. في الشرق (شبوة، حضرموت والمهرة)، يفضلون اللحم والذبائح، ويقدمون لضيوفهم عناقيد النخل من واحاتهم. يشكل هذا التنوع في الأكلات، وطرق تحضيرها، ثراءً في المطبخ اليمني وشعاراً في تقديمه للعالم.

   يصطحب اليمنيون الرائحةَ الآسرة التي تفوح من طعامهم، لتخطف جمهوراً من المعجبين في عددٍ من بلدان العالم؛ حيث افتَتَح العديدُ منهم مطاعمَ، أو عَمِل في مطاعمَ لرجال أعمالٍ تُقدم أصنافاً من الأطباق اليمنية بطريقةٍ جيدة.

   في رمضان، تزخر مائدة اليمنيين بأطباقٍ متنوعةٍ وفريدة. مع ذلك، هناك طبقان لا تخلو منهما أي مائدةٍ في عموم اليمن؛ هما: "الشَّفُوت" و"الشُّرْبة".

   فالأولى مصنوعة من "اللحوح" (نوع من الخبز الرقيق الليّن) مغطىً بمخفوق اللبن المخلوط بالثوم والنعناع، يقدم كمقبلاتٍ باردةٍ قبل وجبات اللحوم والأسماك. أما الشُّربة، فيتم إعدادها حسب الأذواق، إما من القمح المجروش بعد خلطه بالحليب والسكر، أو بمرق اللحم.

   ومن الأطباق الرئيسية الثقيلة، "الكَبْسة" واللحوم والأسماك، إضافة إلى "السَّلْتَة" و"العصيدة"، المشهورتين في أغلب الأراضي اليمنية.

   لا تكاد تخلو مائدةٌ يمنيةٌ، سواءٌ في رمضان أو بقية العام، من "السحاوق"، وهو صوصٌ خليطٌ من الطماطم المسحوق، الفلفل الحار، الثوم، كزبرة ونعناع، وبعض التوابل، يتميز بمذاقه الحار ويضيف للأطباق نكهةً مميزة.

   أما الحلوى اليمنية، فهي عديدةٌ، وأشهرها "بنت الصحن" و"الرواني" و"الكُنافة" و"البقلاوة" و"البسبوسة"، وغيرها.

عادات الفطور الصنعائي القديم مستمرةٌ وسط الشباب

   يحتفظ الشباب في مدينة صنعاء القديمة بعادة الإفطار الجماعي في مساجد وأزقّة المدينة، كجزءٍ من تراثٍ عتيقٍ راكمه أجدادهم على مدى مئات السنين، حيث يجلب المشاركون من بيوتهم ما يتوفر من إفطارٍ، كـ"الشفوت" و"الحامضة" (حلبة مخفوقة يضاف لها الخل والسكر ويغمس الفجل بداخلها)، إضافة إلى "السمبوسة" ومسحوق الطماطم والتمر والليمون، ويتم وضعها وسط حلقةٍ جماعيةٍ لتشكل وجبة إفطار الصائمين، وفقاً ليُسرى عبدالله شارب، إحدى سكان صنعاء.

   لم يمنع خطر انتشار فيروس كورونا آلاف اليمنيين واليمنيات من ارتياد المساجد في شهر رمضان، لأداء الصلوات ومخالطة المصلين. مع ذلك، تعتقد يسرى أن أعداد النساء اللاتي يرتدن المساجد تراجع كثيراً، خصوصا "منذ إلغاء جماعة أنصار الله صلاة التراويح، بحُجة أنها بدعة". وقالت لـ"خيوط"، إن الشباب يتجمعون بعد وجبة الفطور "لتعاطي القات ولعب الورق حتى موعد السحور"، فيما تتجمع النساء "لمشاهدة المسلسلات الرمضانية وتناول أطباق التحلية".

   استطاعت الحرب، التي تدور رحاها في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات، إخفاء العديد من العادات في بعض المدن اليمنية.

   في مدينة رَداع، عاصمة محافظة البيضاء (وسط اليمن)، يشكو رشيد الخالدي من اختفاء عاداتٍ، كالإفطار الجماعي؛ حيث "أثرت الحرب نفسياً، قبل تأثيرها مادياً، وزرعت اليأس والإحباط عند الكثير من الناس، وأورثت الأحقاد والضغائن بين المجتمع مناطقياً وقبلياً وحزبياً وطائفياً"، حسب قوله. وأضاف الخالدي لـ"خيوط"، أن الحرب تسببت في انعدام الفرص، "وقلّ الدخل وارتفعت أسعار السلع الأساسية بسبب تدني المستوى المعيشي وقلة فرص العمل؛ ما جعل الاحتفاء برمضان غير مكتمل". أما بالنسبة للأكلات، فمتنوعةٌ في رمضان، من "العصيد" و"الزوم" (المصنوع من حبوب الذرة والحليب)، و"المعصوب" (المصنوع من رقائق الخبز "الملوّح" مع السمن والعسل)، و"الشتيح"، وهي تكون في شكل "العصيدة" وتُحضّر من الذرة الصفراء مع السمن والعسل.

  وفي عدن، كسَرَت العديدُ من الأُسَر العدنية شروطَ الحرب وعادوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية، رغم القصف والحصار.

   يستقبل أهالي عدن شهر رمضان بإحراق إطارات السيارات (تواير)، تعبيرا عن ابتهاجهم؛ حيث يزور رمضان الأسر العدنية بعادته الجميلة، مثل أي جارٍ عدنيٍّ أصيلٍ، يتبادل مع جيرانه الأطباق والزيارات. تقول شيشان مجيد، من مدينة عدن: "كل جار يعطي الآخر من أكلهم، وهذي من أجمل العادات التي يحتفظ بها العَدَانيّة [سكان عدن] في رمضان". أما بالنسبة للمأكولات، فقد اشتهرت عدن بـ"المُدَرْبش" (عبارة عن دقيقٍ وملحٍ وبسباس أحمر وأخضر، تؤكل مع زبادي أو مسحوق طماطم بالجبن)، و"التعر" (عبارة عن عدس مع بطاط مخلوط بـ"الحُمَر" (التسمية المحلية للتمر الهندي)، وهذا مشهورٌ بكثرةٍ في رمضان)، و"الفتوت" (قطع الخبز تخلط بالحليب أو المرق، ويتم وضعها بالفرن ثم تناولها مع السمن والعسل)، وهذه مشهورةٌ جداً، إضافة إلى "المهلبية" و"الشربة" و"الشفوت" و"الزربيان" و"اللبَنية"، وغيرها.

   وما يميز ليالي رمضان في تعز، وفقاً للشاب محمد سلطان الأديمي، فهي "التواشيح الدينية التي ترافق السمرة والمسابقات ووضع جوائز، وسعيد الحظ من يحظى بجائزة مالية أو غيرها".

   أما بالنسبة للأكلات، فهي عديدةٌ. وقد اشتهرت منطقة التُّرْبة (جنوب غرب مدينة تعز) بـ"المُشَبّك" (نوع من الحلوى)، ونجد إقبالاً كبيراً عليها، بحيث لا تخلو مائدةٌ تعزيةٌ في رمضان منها، إضافة إلى "الباجية"، وهي مصنوعة من اللوبيا، حيث تنقع بالماء الساخن من اليوم الأول ثم تطحن وتقلى بالزيت. والبعض يتناولها مع "البسباس" المطحون، إضافة إلى "الشفوت" بـ"الحقين" (مخفوق حليب البقر).

   يحتفظ اليمنيون في رمضان على العادات الأصيلة التي توارثوها، بالرغم من مخاطر الحرب والأوبئة والأمراض، بل ومخاطر كورونا، لإحياء هذا الشهر كما يجب، ويتخذون منه فرصةً لتكريم أنفسهم بوجباته الخاصة التي سيفتقدونها مدة عامٍ كامل.

ومع انتهاء شهر رمضان، يودعه اليمنيون بطقوس عبادة مكثفة، ولكون العادات الرمضانية شديدة التأثير في النفوس، بما في ذلك مشاعر الألفة والطمأنينة، تسود النفوس مسحة كآبة مع اقتراب نهاية الشهر. ولتبديد تلك الكآبة، يبدؤون التحضير لطقوس عيد الفطر، كما ينبغي بوداع شهر كريم.

______________________

الصورة ل : علي السنيدار

•••
محمد الخليدي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English