تعز تفقد ذاكرتها التاريخية:

آثار المدينة تندثر وتُنهب وسط صمت ولامبالاة
خيوط
April 7, 2020

تعز تفقد ذاكرتها التاريخية:

آثار المدينة تندثر وتُنهب وسط صمت ولامبالاة
خيوط
April 7, 2020

مَثّلَ "باب موسى"، على مدى مئات السنين، مصدرَ أمانٍ لسكان مدينة تعز القديمة؛ لكنه اليوم تحوّل إلى مصدرِ خطرٍ وقلقٍ للسكان وللزائرين لهذه المدينة، التي يفوح منها عبقُ التأريخ، لكثرة المعالم الأثرية التي تحويها، والتي تتعرض لعملية تجريفٍ واسعةٍ من النهب والتدمير. فوضى المدينة لم تهدِّدْ فقط سَكينتَها ومدنيّتَها، بل اقتربتْ من تهديد فقدان ذاكرتها التاريخية والأثرية.

    مصادرُ مطلعةٌ أفادت "خيوط" عن حجمٍ كارثيٍّ لسرقة ونهب الآثار في تعز؛ أكثر من 130 قطعةً أثريةً كانت موجودةً في المتحف الوطني بالمحافظة طوال الفترة (2015ـ 2019).

    ومهّدت الحربُ الدائرةُ في اليمن منذ خمسة أعوام لعمليةِ نهبٍ وسرقةٍ واسعةٍ لكنوز تعز الأثرية. وطال القصفُ الجويُّ لطيران "التحالف العربي"، بقيادة السعودية والإمارات، مواقعَ وقلاعاً تاريخيةً عدة. كما لم يَسْلَمْ متحفُ تعز من الغارات الجوية، التي -كما يبدو- "تعمّدت" افتتاحَ مرحلةِ تدميرِ آثار تعز، ونزعَ ذاكرتها والمساسَ بمدنيّتها التي ميّزتْها عن باقي مناطق ومحافظات اليمن.

   جميعُ الفصائل والأطراف المتحاربة في المدينة ليست بمنأىً عن المسؤولية في اتخاذ هذه المواقع الأثرية ثكناتٍ ومخازنَ عسكريةً، وفي استهدافها بقذائف المدفعية والأسلحة المتوسطة والخفيفة، بمن فيهم جماعة أنصار الله (الحوثيون).

معالم مدمرة

   أحدثت الحربُ، التي دارت في تعز العام 2015، دماراً هائلاً في المباني والمنشآت العامة والخاصة، ودمرت الكثيرَ من البنى التحتية، خصوصاً مؤسسات الدولة. وزادَ من فداحة ذلك التدمير الفراغُ الذي عانت منه المحافظة وغيابُ  السلطة المحلية والمكاتب التنفيذية؛ حسَبَ ما قال لـ"خيوط" عبد الحكيم عون، وكيل محافظة تعز في الحكومة المعترف بها دولياً.

  عون أشار إلى أن من ضمن المؤسسات التي تم استهدافها وتدميرها مواقعَ أثريةً تعود إلى عصر الدولة الرسولية، بالإضافة إلى المتحف الوطني، الذي كان يضم المئات من القطع الأثرية والوثائق والمخطوطات وغيرها.

عون: "قريباً سنعلن عن نتيجة هذه المطابقة، ومعرفة الكمية المفقودة والمتبقية من القطع الأثرية الخاصة بالمتحف الوطني بتعز"

  ويضيف: "بعد عودة السلطة المحلية للعمل، سارعت إلى إعادة تفعيل غالبية المؤسسات والمكاتب التنفيذية بالمحافظة؛ من ضمنها الجهات المعنية بالآثار. حينها، قامت السلطة المحلية بتعز، وبالتعاون مع وزارة الثقافة، بتكليف لجنة خاصة  بحصْر وجرْد وتصنيف الآثار الخاصة بالمتحف الوطني وتحريزها وتوثيقها، ثم حفظها في مكان آمن".

 ولم يحدد عون المكان الذي تم حفظ الاَثار فيه، واكتفى بالقول بأنها "في مكان سري بعهدة الجهات المسؤولة على الاَثار في تعز"، منوهاً إلى أن لجنة حصر وتصنيف الآثار المشار إليها، قطعت شوطاً كبيراً في مرحلة المطابقة بين القطع الأثرية التي تم حصرها وتحريزها وحفظها، والقطع الأثرية التي حوتها السجلات السابقة للمتحف الوطني.

   ويتابع عون: "قريباً سنعلن عن نتيجة هذه المطابقة، ومعرفة الكمية المفقودة والمتبقية من القطع الأثرية الخاصة بالمتحف الوطني بتعز".

عَقْدُ الباب

   قبل عامٍ تقريباً، وفي خِضَمِّ المعارك العنيفة التي شهدتها مدينة تعز القديمة بين جماعة "أبو العباس" (قائد سلفي يتبع الحكومة المعترف بها دولياً)، وبين قواتٍ عسكريةٍ وفصائلَ أخرى، تابعةٍ أيضاً للحكومة نفسها، تعرّض العَقْد الخاص بـ"باب موسى" إلى دمارٍ جزئيٍّ جعله آيلاً للسقوط في أية لحظة إذا لم يتم إعادة تأهيله بشكلٍ عاجل.

   ويُعدّ "باب موسى" (أشهَرُ أبواب مدينة تعز القديمة البالغ عددها 9 أبواب)، المَدخلَ الغربيَّ لمدينة تعز القديمة. وتشير مصادر تاريخية إلى أنه كان عبارةً عن مَنْفَذٍ صغيرٍ تم بناؤه مع سور المدينة. واستمر الحالُ على ما كان عليه حتى عهد الوالي العثماني محمود باشا (968- 972هـ)، الذي أمر بتوسعته إلى ما هو عليه حالياً، وشَيّدَ في أعلى الباب نوباتِ حراسة.

   يقول أحمد جسار، مدير مكتب الآثار في فرع الهيئة العامة للآثار بتعز، لـ"خيوط"، إن الأضرار تزداد يوماً بعد يومٍ، ويزداد ضغط الأحمال على العَقد؛ مما يؤدي إلى زيادة توسع الشروخ والتشققات وهبوطها.

   وكان مكتب آثار تعز أعدّ دراسةً خاصةً بإعادة تأهيل "باب موسى"، بعد الأضرار التي تعرض لها، بتكلفة ثلاثة ملايين ريال. لكن عملية التأهيل لم تنفذ حتى الآن -حسب جسار، الذي تابع حديثه لـ"خيوط" بالقول:

"تم إعداد الدراسة وتقديمها إلى السلطة المحلية لتمويل المشروع، وتمت إحالة الدراسة من قبل وكيل أول محافظة تعز إلى مدير مديرية المظفر؛ لكن مدير المديرية يتهرب من المطالبة بميزانية إعادة التأهيل، رغم أن المبالغ المرصودة في الدراسة المعدة سابقاً لم تعد تكفي الآن، نظرا لتوسع الأضرار بشكل أكبر من ذي قبل".

   وحاولتْ "خيوط " التواصلَ مع مدير مديرية المظفر بمدينة تعز، سمير عبد الإله؛ لاستيضاح ما جاء في حديث مسؤول الآثار، لكن دون جدوى.

   وتعرضَ عددٌ من المعالم الأثرية بمدينة تعز القديمة للتدمير والنهب، خلال الحرب التي تشهدها المدينة منذ خمس سنوات، وأبرز هذه المعالم قلعة القاهرة والمتحف الوطني وقصر صالة.

   وحسب مدير الآثار، فقد "بلغ عدد المعالم الأثرية التي تعرضت لدمارٍ كليٍّ وجزئيٍّ، بالإضافة إلى المعالم التي تعرضت للعبث والإهمال، حوالي 15 مَعْلماً أثرياً من إجمالي 50 معلماً، أبرزها: قلعة القاهرة، قبة الحسينية، متحف تعز، قصر البدر، حمام النعيم، جامع المظفر، مدرسة الأشرفية، مدرسة المعتبية، حمام المظفر، قبة الشيخ عبد الهادي، استراحة المؤيد، قبة المتوكل، مسجد سيدي عبده، المدرسة الأتابكية، قصر صالة...".

  ويزيد عددُ المعالم الأثرية في محافظة تعز عن 300 مَعْلم، بحسب عمليات المسح القديمة التي قام بها فرع الهيئة العامة للآثار قبل سنوات من الحرب.

المعالم والشواهد، التي شكلتْ ذاكرة تعز التاريخية، تتعرض اليوم للإهمال واللامبالاة والاستهتار، من قبل أفراد ومسؤولين؛ الأمر الذي ينذر بخطر

خطط الحفاظ على الآثار

   إزاء ما تتعرض له المعالم في مدينة تعز من خرابٍ ونهبٍ وإهمالٍ، "لم يقف مكتب الآثار مكتوفَ الأيدي رغم الإمكانيات الشحيحة التي يعاني منها، وأبرزها عدم وجود نفقات أو ميزانية تشغيلية"، كما يقول أحمد جسار.

   وقال جسار إن الهيئة قامت بإعداد الخطط والدراسات والبرامج الكفيلة بالحفاظ على المعالم التاريخية الثابتة والمنقولة، من خلال العمل على توثيق أغلب المعالم التاريخية المتضررة والآيلة للسقوط قبل اندثارها، لتتمكن من إعادتها، بالإضافة إلى إعداد الدراسات الأثرية والهندسية لأغلب المعالم بغرض الترميم والصيانة للأضرار التي لحقت بها، إلى جانب التواصل مع المنظمات العالمية المعنية بالحفاظ على الآثار، بغرض الاستعانة بها في دعم وتمويل أعمال الترميمات، مؤكداً في هذا الصدد أن هيئة الآثار نجحت بالفعل، وتم التنسيق مع الصندوق العالمي للحفاظ على الآثار، وتم تمويل أول مشروع؛ وهو ترميم المتحف الوطني على مراحل، كما تم البدءُ بترميم قبة الحسينية بدعمٍ من الصندوق العالمي أيضاً. وهناك عدة مشاريع قادمة في هذا المجال، مثل مشروع ترميم قصر البدر، ومسجد المظفر وحمام المظفر، ومدرسة المعتبية، وغيرها من مشاريع الترميم التي تم إعداد الدراسات لها والتنسيق بشأنها مع المنظمات الداعمة.

خطر الاندثار

   يعود معظم المعالم الأثرية بمدينة تعز القديمة إلى عهد الدولة الرسولية، التي حكمت اليمن خلال الفترة (1229 – 1519)، واتخذت من المدينة عاصمةً لها.

  مصادرُ محليةٌ تتحدث عن عمليةٍ منظَّمةٍ لتدمير ذاكرة تعز والعبث بتاريخها وآثارها وطمس هويتها.

   بنى الرسوليون، خلال فترة حكمهم، العديدَ من المعالم الشاهدة على دولتهم، والتي تُعدُّ الآن أبرزَ المعالم الأثرية في مدينة تعز، وجامع ومدرسة المظفر والمدارس (الأسدية والجبرتية والمعتبية والياقوتية والأشرفية)، وغيرها.

   لكن هذه المعالم والشواهد، التي شكلتْ ذاكرة تعز التاريخية، تتعرض اليوم للإهمال واللامبالاة والاستهتار، من قبل أفراد ومسؤولين؛ الأمر الذي ينذر بخطر اندثارها، بحسب الناشط المجتمعي محمد عبدالإله.

   ويوضح عبدالإله لـ"خيوط"، أن من أبرز تلك الآثار التي تتعرض لخطر الاندثار المباني القديمة، كالمساجد والقباب والأبواب التاريخية، مضيفاً أن بعض تلك المعالم دُمر نهائيا، مثل قبة "عبد الهادي السودي"، وبعضها الآخر تعرض للإهمال مثل قبة "سيدي عبده" وقبة "الحسينية"، ومنها ما تعرض للتدمير الجزئي، مثل "باب موسى"؛ المعلم التاريخي الذي لم تبذل السلطة المحلية حتى الآن أي مَساعٍ لإصلاحه وترميمه، حسب قوله.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English