سقوط أخر الرموز السيادية في اليمن

الريال يفقد 150% من قيمته و8 محافظات خارج نطاق تداوله
محمد راجح
March 15, 2020

سقوط أخر الرموز السيادية في اليمن

الريال يفقد 150% من قيمته و8 محافظات خارج نطاق تداوله
محمد راجح
March 15, 2020

  تعاني اليمن انهياراً متواصلاًللعملة الوطنية في ظل حرب وصراع طاحن تشهده البلاد منذ خمسة أعوام؛ كرة نار متدحرجةتفجرت شظاياها في كل الاتجاهات، وجعلت اليمن دولة منكوبة بأكبر أزمة إنسانية في العالمحسب تصنيف الأمم المتحدة.

    تدحرجت كرة النار بالتوازيمع تقويض السلطات الرسمية في كل مناطق الصراع، وتعويم استيراد المشتقات النفطية، وتجميدالبنك المركزي اليمني بعد نقله من صنعاء إلى عدن، بالإضافة إلى نفاد الاحتياطي من النقدالأجنبي، واستخدام العملة التالفة، وطبع نقود بدون غطاء.

  ومنذ بداية الحرب الدائرة في اليمن تم إفراغ البنكالمركزي اليمني من الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر بنحو 5 مليار دولار، وأكثر من تريليونونصف من العملة الوطنية، بينما فقدت العملة وفق تقارير رسمية 150% من قيمتها .

  ومع تلاشي العملة الوطنية في كل المحافظات بمقابلتوفر كبير في العملات الأجنبية مثل الدولار والريال السعودي، وصل الأمر إلى أن أصبح"الريال العربي" التسمية المعروفة للعملة السعودية بصورة غير مباشرة، عملة"تداول رسمية" في كل التعاملات التجارية والمصرفية في 8 محافظات يمنية، أهمهاحضرموت وأربع محافظات جنوبية ومأرب والجوف وصعدة.

أدى انهيار العملة وأزمة السيولة الحادة إلى ارتفاع التضخّم في اليمن لنحو 40%، إضافة إلى ارتفاع كلفة سلة الغذاء 60% وزاد متوسّط أسعار المواد الغذائية بنحو 150%.

  واعتبر خبراء "إنقاذ العملة اليمنية وإيقافالانهيار الاقتصادي أهم من إيقاف الحرب ". وتؤكد الأمم المتحدة في تقرير "خطة الاستجابة الإنسانيةفي اليمن 2019،  اطلعت عليه "خيوط"،أن الريال اليمني فقد 150% من قيمته، ما وضع اليمن على حافة المجاعة، وعجزت عشرات الآلافمن الأسر المعوزة عن شراء المواد اللازمة للبقاء على قيد الحياة.

  وتصاعدت وتيرة الصراع على العملة مع نهايةالعام الماضي بعد قرار سلطة أنصار الله (الحوثيين) بوقف التعامل بالعملة المطبوعة مؤخراًمن قبل الحكومة المعترف بها دولياً، والقيام بحملات مكثفة لمصادرتها، الأمر الذيأدى، حسب خبراء، إلى تمزيق العملة اليمنية بين طرفي الحرب. إذ تتعامل صنعاء ومناطقسيطرة أنصار الله (الحوثيين) بالعملة القديمة، بينما تتداول عدن ومناطق سيطرةالحكومة المعترف بها دولياً، العملة الجديدة المطبوعة بعد نقل البنك المركزي إلىعدن.

  في هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي أحمد حجر،وكيل وزارة المالية الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين) أن الانقسام أداة رئيسيةفي الحرب الاقتصادية. ووفقاً لرؤيته، فإن النظام المالي في عدن "عبارة عنوهم، وأداة سياسية أكثر من كونها اقتصادية"، لأنه "لم يحدث في التاريخ  أن يكون هناك حكومة موزعة في كل دولالعالم"- حسب تعبيره.

  وأضاف حجر في حديثه لـ"خيوط" أنالبنك المركزي في عدن "لا يستطيع أن يوحد فروعه في المحافظات الواقعة تحتسلطته المالية والنقدية، إذ أن كل فرع للبنك في تلك المحافظات مستقل بذاته، لهذالا يمكن لبنك بهذه الوضعية أن يدير سياسة نقدية ومالية متكاملة".

  وأشار إلى أن "الأرصدة المالية والعملياتالمحاسبية والإجراءات النقدية كلها تتم في البنك الأهلي السعودي"، وأن ذلكيعني وفقاً للأنظمة والمعايير النقدية والمالية الدولية أن البنك المركزي في حكمالمودع في البنوك السعودية". كما اتهم حجر إدارة النظام المالي في عدن بتحويلالبنك المركزي إلى "أداة لغسل الأموال". وربط ذلك بكشف تورط إدارة البنكبالمضاربة بسعر العملة، وما سماه "غسل عائدات النفط والغاز" خلال الثلاثسنوات الماضية، لصالح مسؤولين ونافذين في الحكومة المعترف بها دولياً.

    من جانبه، حدد الخبير الاقتصادي الدكتور علي البحر،رئيس بنك الإسكان السابق، ثلاثة أسباب رئيسية قادت إلى انهيار العملة اليمنية: "نفادالاحتياطي من العملات المحلية والأجنبية، تقويض عمل المؤسسات المالية، والطبع النقديالذي ساهم كثيراً في اضطراب العملة".

  وقال البحر في حديثه لـ"خيوط" إنالوضع الذي خلقته الحرب وقرار نقل البنك المركزي وانهيار العملة، أثار فزع القطاعالبنكي والمصرفي، "ما جعل الجميع يتخلص من العملة الوطنية من خلال مبادلتها بالعملاتالأجنبية والاحتفاظ بالنقود بعيداً عن القنوات المالية والمصرفية الرسمية".وحسب البحر، أدى ذلك لانتشار محلات وشركات الصرافة التي "امتصت أموالالمودعين واحتياطيات البنوك"- حسب تعبيره.

  وكانت الحكومة المعترف بها دولياً قامت، في2016، بطباعة نحو 700 مليار ريال من العملة الوطنية من مختلف الفئات لمواجهة أزمة السيولةالحادة- حسب تبريرها لطباعة النقود بدون غطاء.

  ويعتبر البحر طباعة النقود الجديدة "خطوة غيرمدروسة وتمت بعشوائية"، لأن العملة تمت طباعتها "بشكل مختلف عن العملةالورقية المتداولة لأسباب غير معروفة"، لافتاً إلى أن "طبع النقود له حدودويرتبط بالناتج القومي والمحلي"، وأن طباعة النقود بأكثر مما مستوى الإنتاج، "خطأكبير وله انعكاسات كارثية، كالتي نراها في الوضع الراهن للعملة اليمنية".

اقتصادالطوائف

شكلت أزمة سعر الصرف التي وصلت ذروتها بين منتصف سبتمبر ومنتصف نوفمبر 2018، مع وصول الدولار إلى نحو 700 ريال، أبرز العوامل المستجدة التي أثرت سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطنين في البلاد.

  وشهدت العملة اليمنيةتدهوراً غير مسبوق منذ نهاية العام 2018، حيث لم يستقر الريال على سعر ثابت مقابل العملاتالأجنبية، نتيجة للمضاربة المتواصلة بالعملة في السوق المصرفية وانقسام المؤسسات الماليةالحكومية.

فيهذا الإطار تتبعت "خيوط" حركة العملة اليمنية صعوداً وهبوطاً منذ بدء الانهيارالكبير في شهر سبتمبر 2018. إذ شكلت أزمة سعر الصرف التيوصلت ذروتها بين منتصف سبتمبر ومنتصف نوفمبر 2018، مع وصول الدولار إلى نحو 700 ريال،أبرز العوامل المستجدة التي أثرت سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطنين في البلاد.

ورغمالانخفاض النسبي في سعر الصرف فيما بعد، إلا أنه لم يستقر. فخلال العام الماضي، تصاعدسعر الصرف الموازي في المتوسط من 537 ريال/ دولار في يناير 2019، إلى أكثر من 570 ريال/دولار في نوفمبر وديسمبر من نفس العام.

  وبذل البنك المركزي اليمني- حسب مصادر حكومية- جهوداًكبيرة لاحتواء أزمة سعر الصرف، بما في ذلك تمويل واردات الوقود والسلع الغذائية الأساسيةبسعر صرف تفضيلي، وتفعيل النظام البنكي الخاص بإدارة المراكز المالية للبنوك، وتنشيطوظيفة الرقابة والتفتيش على البنوك، وتحسين إدارة النقد الأجنبي وشئون الصرافة، فضلاًعن إعداد تقارير التعرض لمخاطر النقد الأجنبي.

  ومع ذلك، تصاعد سعرالصرف الموازي تدريجياً حتى بلغ 584 ريال/ دولار في أغسطس 2019، وتجاوز في سبتمبر حاجزالـ600 ريال للدولار الواحد مرتفعاً بحوالي 172% مقارنة بما كان عليه بداية 2015.وفي ديسمبر 2019، أصبحت العملة بمثابة عملتين، بعد قرار سلطات أنصار الله (الحوثيون)منع تداول العملة المطبوعة حديثاً، ما أحدث تفاوتاً في سعر صرف الريال بين صنعاءوعدن. وصار سعر الصرف الراهن في شهر مارس، 595 ريالاً/ دولار في صنعاء، مقابل 640ريالاً/ دولار في عدن.

  وأدى ذلك إلى زيادة معدل تضخم أسعار المستهلك، وإضعافالقوة الشرائية للعملة الوطنية. وبالتالي، تخفيض القيمة الحقيقية للمدخرات والدخل والاستهلاك،وتفاقم مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية خاصة أن اليمن يعتمد علىالاستيراد في تغطية معظم احتياجاته الغذائية وغير الغذائية.

  كما أدت الحرب إلى "لبننة" الاقتصاد اليمني،إذ كونت ما يشبه اقتصاد الطوائف، حسب وصف الباحث الاقتصادي بجامعة صنعاء ياسين القاضي.ويرى القاضي أن "ما حدث في لبنان في الحرب الأهلية مطلع الثمانينات من القرن الماضي،يتم تنفيذه في اليمن منذ بداية هذه الحرب في مارس من العام 2015، خصوصاً فيما يتعلقبالجانب الاقتصادي وتدمير العملة الوطنية".

  وأضاف القاضي: "انظر إلى الوضع في اليمن الآنمن تدهور اقتصادي مريع وانهيار كلي للعملة التي فقدت قيمتها بنسبة كبيرة، وإلى التفتيتالحاصل في البلاد، و"الكيتونات" التي تشكلت بدلاً عن الدولة التي تم تقويضهالصالح الفئات العسكرية والمليشاوية"- حسب تعبيره.

تأجيلالانهيار

  تسبب الانخفاض السريع لقيمة الريال اليمني وتلاشيهوانحساره مقابل العملات الأجنبية واقترانه بالقيود المفروضة على الائتمانات والإيرادات،بجعل ملايين الأشخاص في اليمن معرضون لمزيد من الأخطار والصدمات، مع تفاقم الأزماتالمعيشية وتوقف صرف مرتبات القطاع العام وانهيار الأمن الغذائي، إذ أصبح نحو 17مليون شخص في دائرة الفاقة والعوز ولا يجدون وجبتهم التالية- حسب تقرير صادر عنبرنامج الغذاء العالمي.

  وكان تدخل السعودية في هذا الصدد، بهدف دعم الريالاليمني حين تعرضه لانهيار تجاوز حاجز 700 ريال للدولار الواحد في 2018. لكن هذا الدعملم يكن على شكل منحة، بل جاء على شكل وديعة.

ديون

وارتفع الدين الخارجي لليمن من 6 مليارات و765 مليون دولار عام 2014، إلى 9 مليارات دولار العام الحالي 2019، بينما ارتفع صافي الدين الداخلي من 3 تريليون إلى 6 تريليون ريال.

  وحسب الخبراء الذين تحدثوا لـ"خيوط"،فإن سياسة التحالف في اليمن تسببت بانهيار العملة والاقتصاد اليمني وإغراق البلد بالعبثوالفوضى والديون.

  وارتفع الدين الخارجيلليمن- حسب تقرير صادر عن قطاع الدراسات الاستراتيجية في وزارة التخطيط والتعاونالدولي، من 6 مليارات و765 مليون دولار عام 2014، إلى9 مليارات دولار العام الحالي 2019، بينما ارتفع صافي الدين الداخلي من 3 تريليون إلى6 تريليون ريال.

وحملمصرفيون، التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وأطراف النزاع المحلية، مسئوليةانهيار العملية اليمنية، إضافة إلى فشل حكومة المعترف بها دولياً، في تشغيل البنك المركزيبعد قرار نقله إلى عدن، وفشل البنك في القيام بوظائفه خصوصاً في الارتباط بفروعهوفي مرتبات التشكيلات العسكرية. واعتبروا أن التحالف ينتهج "سياسة تدميرية واسعةأضرت بالاقتصاد اليمني"، وساهمت في النيل من العملة الوطنية بتقويض أداء الحكومةاليمنية المعترف بها دولياً، وعدم تمكينها من منافذ التصدير ومواقع إنتاج النفط والغاز.

  واستناداَ لتشخيص هؤلاء المصرفيين، فإن "العملةتم إخراجها إلى السوق أو بالأصح إلى الشارع"، وأن "نهب مال الدولة"أدى لانقطاع الدورة النقدية تماماً حتى [الأوراق] الممزقة تم إخراجها وقد كانت معدةللإتلاف".

  في هذا السياق يقول عضو جمعية الصرافين اليمنيينعبدالقادر العمري لـ"خيوط"، إن ما تشهده العملة اليمنية من اضطراب"يعود إلى توقف الدورة النقدية بعد نقل البنك المركزي إلى عدن في سبتمبر 2016،والانقسام في المؤسسات المالية والنقدية بين بنكي صنعاء وعدن". يضاف إلى ذلك-وفقاً للعمري- "تعطيل عمل البنوك بتجميد الأرصدة وانتشار محلات الصرافة وزيادةعمليات المضاربة"، الأمر الذي جعل انهيار الريال اليمني أمام العملات الاجنبيةمستمراً.

•••
محمد راجح

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English