لقمة عيش من عصارة الصبار

ابتكار المهن من أجل البقاء
خيوط
March 9, 2020

لقمة عيش من عصارة الصبار

ابتكار المهن من أجل البقاء
خيوط
March 9, 2020

  في شارع حدة بالعاصمة صنعاء، يجلس محمد درويش ليستخلص عصارة الصبار، بصبر لا يلين. يجلس على مصطبة بارتفاع وعرض متر تقريبًا، أمام بناية مجاورة لمركز الكميم التجاري، ويعرض برطمانات الصبار بحجمين: الصغيربـ500 ريال، والكبير بـ1000 ريال.

  لمحمد قصته التي تختلف في بعض تفاصيلها، لكنها ضمن قصص الكفاح من أجل البقاء، مثله مثل ملايين اليمنيين الذين يعيشون تحت وطأة الحرب منذ خمس سنوات.

عندماوصل محمد صنعاء، نازحًا من الحرب في الحديدة، وجد نفسه بلا مأوى ولا عمل، لكن روحهالعصامية دفعته للبحث عن عمل في محيطه وفي العالم الافتراضي (الانترنت)، وبمساعدةتسجيل في "يوتيوب" التقط فكرته.

  تعود بداية محمد مع الصبار إلى ما قبل ثمانية أشهر تقريبًا، عندما نزح من محافظة الحديدة. لم يكن أمامه سوى النزوح بعد أن وصلت الحرب إلى منطقته "الكدن" (20 كم شرق مدينة باجل).

  عندما وصل صنعاء، وجد نفسه بلا مأوى ولا عمل، لكن الروح العصامية التي يتحلى بها دفعته للبحث عن عمل، ليس في صنعاء وحسب، بل في العالم الافتراضي (الإنترنت). ذات يوم بينما كان يتصفح موقع "يوتيوب" وجد تسجيلًا يعرض فوائد عصارة صبار "الألوفيرا"وطرق استخلاصها. التقط محمد الفكرة، لكن كل المحاولات تعثرت بسبب نقص الخبرة العلمية. بعدها تواصل محمد مع شقيقته التي ذهبت إلى المملكة المغربية لدراسة الصناعات الغذائية. لقد كانت من أوائل الجمهورية قبل حوالى 6 سنوات، ولذلك استحقت هذه المنحة. استلهم منها بعض الأفكار التي من ضمنها إمكانية استخراج مستحضرات العصارة الهلامية ذات اللون الزجاجي، من صبار الألوفيرا. تحدث محمد عن فكرته فوجد شخصًا على استعداد ليجلب له قرون الألوفيرا من البراري اليمنية، وكانت تلك بداية محمد مع عصارة الصبار.

  على تلك المصطبة، يفترش محمد درويش الكرتون المقوى؛ على جانبيه بعض أكياس البلاستيك التي تحوي مستلزمات عمله، وأمامه قرون الصبار مرصوصة بشكل متجاور، وسكين، وملعقة، وبرطمانات زجاجية يعبئ فيها عصارة لقمة العيش. تلك كل أدواته للعمل، لكن ما يحتاجه أكثر من أي شيء، هما "الإرادة والصبر"، وكلاهما متوفران لديه.

  كل يوم يمر المئات من الرجال والنساء أمام محمد، منهم من يكتفي بالنظر لهذه المهنة الجديدة، ومنهم من يسأل عن هذه العصارة الهلامية، فيوجه البائع الأسمر كل اهتمامه للرد على الزبون المحتمل؛ صوته الهادئ والممتلئ بالثقة والإصرار يقنع بعض المستفسرين ليتحولوا إلى زبائن فعليين. بتلك النبرة الهادئة قال لـ"خيوط": "أبذل أقصى جهدي لشرح فوائد الصبار وطرق استعماله، ولا ألح على الناس من أجل الشراء. وعلى مدى أربعة أشهر تفاجأت بأن كثيرًا من الناس يعرفون فوائده، ويقررون الشراء". هكذا يكسب محمد درويش رزقه بنقاء ابن تهامة الذي لم يرضخ لخذلان الزمن والقسوة المفرطة للحرب.

  لا يتذمر محمد من مشقة العمل ومتاعب الحياة؛ فقد اعتاد ذلك منذ صغره. عندما دخل إلى السعودية أول مرة لم يكن قد تخرج من الثانوية العامة. أجبرته ظروف المعيشة الصعبة على ذلك، خاصة بعد وفاة والده. قال: "كنا ندخل السعودية كلما ضاقت أحوالنا في بلادنا. أحيانًا كنت وأصدقائي نتحمس لدخول السعودية في نهاية مقيل نناقش فيه أوضاع حياتنا. نبقى هناك للعمل لشهرين أو ثلاثة ونعود". ثم قرر محمد أن يتوقف عن دخول الأراضي السعودية عن طريق التهريب على إثر وفاة والدته، كما قرر إكمال دراسته.  وعلى الرغم من أنه حصل على نسبة 86% (القسم العلمي)، إلا أنه لم يتمكن من مواصلة تعليمه في الجامعة، فاضطر للاستمرار في العمل الحر. ومع بداية الحرب في 2015، وتضاؤل فرص العمل، ذهب إلى حضرموت وعمل في محل ملابس بمدينة الشحر.

درويش:أدخر كل يوم مبلغًا محدد لتسديد الإيجار، وأوفر لقمة العيش بما تبقى. الحمد لله؛لا دائن ولا مستدين لا أريد أكثر من ستر الحال في ظروف كهذه.

   لأسباب لم يأت محمد على ذكرها، عاد إلى منطقته (الكدن)، وتزوج، قبل أن تصل الحرب إلى منطقته. وبسبب قرب المنطقة من خطوط التماس وتعسر الحصول على فرص للعمل، نزح إلى صنعاء مع زوجته وابنه، فيما كان ينتظر مولودهالثاني. مطلع يناير الماضي، استقبل ابنه الثاني، وصار لديه "لؤي" (سنةوثمانية أشهر) و"نضال" (شهرين).

  يستمر محمد درويش في تطوير مهنته بالتزامن مع تطوير معرفته بتفاصيلها؛ مثلًا، بات يعرف أن صبار المناطق الحارة أكثر جودة من صبار المناطق الباردة، وورقة الـA4 التي علقها جواره تفيد بكونه لا يكف عن البحث في تفاصيل صبار الألوفيرا. رغم ذلك، لم يكتف بما تشرحه الورقة، بل يستمر في الرد على استفسار الزبائن المحتملين والفعليين، بنفس الاهتمام والهدوء والثقة؛ "الناس يثقون بالمستحضرات المعلبة الممزوجة بالكيماويات أكثر مما يثقون بالخلاصة الطبيعية". قال محمد بدون أي ملمح لليأس أو الأسف. فهو يكيف نمط حياته واحتياجاته على ما يكسبه: "أدخر كل يوم مبلغًا محدد لتسديد الإيجار، وأوفر لقمة العيش بما تبقى. الحمد لله؛ لا دائن ولا مستدين. لا أريد أكثر من ستر الحال في ظروف كهذه." أضاف.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English