القيود السلطوية على حرية الإبداع في اليمن

آراء حول ما ينبغي على المبدعين فعله لمواجهة القمع الفكري
عمران الحمادي
March 5, 2021

القيود السلطوية على حرية الإبداع في اليمن

آراء حول ما ينبغي على المبدعين فعله لمواجهة القمع الفكري
عمران الحمادي
March 5, 2021
© Photo by: Mohammed Alselwy

تتزايد أرقام ضحايا السلطات القمعية في صفوف العمليات الإبداعية يومًا بعد آخر، ولا تزال حتى اللحظة، في معظم البلدان العربية، ومنها اليمن. تستند الأنظمة الحاكمة في ممارسة القمع على مبررات من قبيل حماية الدين والنظام والآداب العامة، وتطلق على من يناهضها تهمًا، على شاكلة "الخروج عن الملّة" و"الإلحاد" و"الجنون"...، وما إلى ذلك من التهم التي عادة ما ترافقها حملات تشهير ضد الكاتب/ الفنان.

فتتهمه بالإلحاد والجنون عندما يمس خطوطها الحمراء المتمثلة بـ"الدين، الجنس، السياسة"، هذه القضايا تربكها وتزعزع عرشها عندما يصل إليها خبرٌ بأن كاتبًا ما أصدر رواية أو قصة أو أي نوع كتابيّ مطبوع تناول فيها إحدى تلك القضايا. وكثيرة أيضًا تلك الحملات المُشوهة التي تقوم بها ضد الإبداع لفرض قوانينها وإملاءاتها باستمرار وعلى الدوام، مما يشكل عائقًا لدى المبدع، فإلى أين تسير تلك القيود بالإبداع اليمني، وما الذي ينصح به بعض ممن كان له قصة نجاح في هذه الرحلة الطويلة. بالإضافة إلى بعض الإشكالات المتعلقة بهذه القضية نعرضها لك عزيزي القارئ في هذا الاستطلاع. فإلى النص:

في البداية يتحدث الكاتب والمفكر الكبير عبدالباري طاهر، عن قيود السلطة في الماضي، وصولًا إلى انقلاب سبتمبر/ أيلول في العام 2014، وكيف أسهمت الحرب في التضييق على الإبداع من خلال صراع السلطة مع حرية الرأي.

يقول عبدالباري طاهر، وهو نقيب أسبق لنقابة الصحفيين اليمنيين ورئيس تحرير أسبق لصحيفة الثورة الحكومية، إن القيود على حرية الإبداع في اليمن كانت مفروضة في الماضي، أي قبل تفجّر الحروب المعاصرة، مرورًا بحرب صيف 94 على الجنوب، وحروب صعدة الست، "وعشرات من الحروب القبلية من كل لون ونوع". هذه الحروب، بحسب طاهر، "بلغت المنتهى الكارثي بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014، فاليمن تشهد حربًا أهلية وحرب الصراع الإقليمي والدولي، اللتين حولتا اليمن إلى ساحة للقتال، وحولت اليمنيين إلى عُمال في حرب بالوكالة، وجعلت من اليمن أسوأ كارثة على وجه الأرض".

وفي سياق حديثه لـ"خيوط"، يضيف المفكر الذي عاصر عدة أنظمة حكم منذ ستينيات القرن العشرين: "هناك دائمًا صراع بين السلطة أيًّا كانت، حتى وإن كانت ديمقراطية، وبين حرية الرأي والتعبير والإبداع. يشتد الصراع بين السلطة وبين حرية الرأي بمقدار ميل الأولى إلى فرض الإرادة وكبت الرأي ومصادرة الحرية". غير أن الأمر مختلف في أزمنة الحرب بحسب طاهر، فهو يعتبر الحرب "قتلًا للحياة وإماتة للإنسان ووأدًا للحرية وخنقًا للإبداع، خصوصًا في حرب أهلية وإقليمية ودولية تقودها ميليشيات تعادي الحياة وتميت الحرية".

الحرب هنا تهدد الحياة وتغتال الحرية وتستهدف الابداع والمبدعين. ولأنه لا يمكن استئصال الحياة وقتل كل الناس، فإن رفض الحرب وإدانة تجارها وسماسرتها هو الرد الطبيعي

وبالنسبة للحرب العبثية والجائرة، فيرى طاهر أنها "تذهب بصاحب الرأي الأديب أو الصحفي، إما إلى القتل أو الإماتة بالجوع والتشرد وبالأوبئة الفتاكة، أو إلى الانزواء والموت صمتًا"، حيث تفضل "الغالبية العظمى [من الكتاب والمبدعين] السلامة، وينأون بأنفسهم عن جحيم المعارك وضراوة القمع".

وعن مدى قدرة السلطات القمعية على إعاقة الكاتب والمبدع، يرى طاهر أنها لا تعيقه فحسب، "بل تدفنه حيًّا بفرض الصمت والتواري". أما فيما يتعلق بما يجب عمله إزاء الممارسات غير القانونية التي تفرضها السلطات القمعية على الإبداع والحريات المكفولة دستوريًّا وقانونيًّا، فيقول إن "القيود السالبة للحرية والمصادرة للإبداع تُقاوم بالرفض وبالاحتجاج المدني وبالمقاومة السلمية. أما تحت دوي قصف الطيران وهدير المدافع وأزير الرصاص، فإن الحرب هنا تهدد الحياة وتغتال الحرية وتستهدف الإبداع والمبدعين. ولأنه لا يمكن استئصال الحياة وقتل كل الناس، فإن رفض الحرب وإدانة تجارها وسماسرتها هو الرد الطبيعي، وهو ما يقوم به المبدعون وأصحاب الرأي، وهو انتصار للحياة وللإبداع، لأنه أقوى من الموت". ويشدد المفكر صاحب التجربة الطويلة في مناهضة القمع السلطوي، على أن "المسألة لا تحتاج إلى وصايا أو نصائح، فالمبدعون اليمنيون نماذج تدهش العالم؛ كالبردوني والزبيري ومحمد عبدالولي وابن شهاب وآخرون". ويتابع أنه رغم الحرب الدائرة لا يزال عشرات المبدعين والمبدعات، وما يُكتب وما يُنشر، وفوز وتكريم العشرات من المبدعين وآخرها "جائزة الربادي" للقصة القصيرة للشباب، "دليل الحيوية والخصب والقدرة على التحدي".

اليمن جزء من المشهد الرديء

من جهته يرى القاصّ والروائي وجدي الأهدل في حديثه لـ"خيوط"، أن الكاتب العربي محدود الحرية ومسلوب الإرادة، ويستدل على ذلك بالقول: "قبل فترة كتبت تغريدة على منصة تويتر جاء فيها: القارئ العربي يُفضِّلُ قراءة الروايات الأجنبية، وهذا التفضيل لم يأتِ من فراغ، وإنما من يقينه بأن الروائي الأجنبي قد كتب روايته بحرية تامة". 

ويضيف أن القارئ العربي "يعلم أن الروائي العربي مسلوب الإرادة، وحريته محدودة، وليس مستقلًّا ليقول الحقيقة، وأن روحه ليست حرة ليعكس هذه الحرية على القراء". ويشير الأهدل إلى أن هذه التغريدة أثارت حينها "جدلًا ما بين مؤيد ورافض، ولكن المؤكد أن جميع البلدان العربية متشابهة في تقييد الحريات، واليمن هي جزء من هذا المشهد الرديء". 

ويتابع مؤلف رواية "أرض المؤامرات السعيدة" حديثه قائلًا: "على المبدع أن يتابع العمل بدأب ليل نهار على مشروعه الإبداعي، وألّا يبالي بالتقييد والقمع؛ لأن الإبداع خالد، وإذا لم ينشر اليوم، فسوف ينشر غدًا". كما أنه ينصح بالكتابة اليومية، لأن "الافتراض بأن هناك وقتًا مناسبًا أو زمنًا مناسبًا للكتابة هو وهْم؛ ففي جميع المراحل التاريخية كانت الرقابة حاضرة ومؤثرة، ونحن حتى هذه اللحظة لم نخرج من هذه المرحلة، ولن نصل إلى مرحلة الاستنارة التي بلغتها الدول الغربية إلا بعد قرون!".

الكاتب والمفكر حسين الوادعي، وهو أحد روّاد النقد التنويري في اليمن، يرى أن "السلطة القمعية حاضرة على الدوام في ذهن وعقل المبدع اليمني، وتتنوع تلك السلطات القمعية على الإبداع بين قوانين مكتوبة وبين ممارسات غير مكتوبة تتم خُفيةً عن طريق الاعتقال أو الإخفاء والمصادرة والملاحقة". غير أن الوادعي يرى في كل الأحوال أن "على الأديب/ الكاتب ألّا يستسلم لهذه الضغوط"، كما أن عليه من ناحية أخرى، ألّا يستسلم لإغراء المجازفة".

الوادعي: يجب ألّا يستسلم الكتاب والمبدعين، وألّا يسقطوا في فخ الخوف الشامل، فهناك دائمًا سقف معين للحرية قد يعلو وقد ينخفض، ومهمة الكاتب في أزمنة القمع، المحافظة على ارتفاع هذا السقف قدر الإمكان

ويضيف الوادعي في حديثه لـ"خيوط"، أنه "في فترات القمع والعنف يلجأ الكاتب إلى آليات مختلفة، كالترميز والإسقاط للمدافعة عن فكره وعن فنه أو لمناقشة قضايا عامة بغرض دفع القارئ لتطبيع النقاش على القضية الخاصة في المجتمع نفسه". كما يلفت إلى أن الكاتب "قد يضطر إلى الكتابة عن بلدان أخرى وتجارب أخرى بقصد أن يُلفت نظر القارئ إلى التشابه بين تلك التجارب وبين المعاناة والتجارب التي يعيشها في مجتمعه".

دعوة للتكاتف 

ويعتقد الوادعي، في سياق حديثه عما يفترض بالكتاب والمبدعين عمومًا فعله إزاء القمع وتضييق حرية التعبير، أن يتكاتفوا فيما بينهم "للحفاظ على أعلى سقف من الحرية". ويتابع: "يجب ألّا يستسلموا وألّا يسقطوا في فخ الخوف الشامل، فهناك دائمًا سقف معين للحرية قد يعلو وقد ينخفض، ومهمة الكاتب في أزمنة القمع، المحافظة على ارتفاع هذا السقف قدر الإمكان، والمغامرة المحسوبة، وتوسيع هذا الهامش رويدًا رويدًا بقدر ما تتيحه المرحلة والظرف".

 في السياق ذاته، يرى الروائي سامي الشاطبي، في حديثه لـ"خيوط"، أن "الكاتب اليمني مثل الجندي الواقع على خط النار"، مشيرًا إلى أن التشبيه "قد يبدو مبالغًا فيه، ولكن الحقيقة دائمًا كما يقال حامضة!"- حسب تعبيره.

ويضيف الشاطبي: "خلال ربع القرن الماضي، والذي عشته في الوسط الثقافي، ومن واقع تجربة، لم يكن الكتاب سوى العدو رقم 3 للسلطة، حيث كان العدو الأول العلم، والعدو الثاني الإعلام المكتوب والمرئي".

ويتابع: "قبل عصر الإنترنت كانت القيود قبل إصدار الكتاب كثيرة، منها موافقة الجهة التي تمنح رقم إيداع وموافقة دار النشر، أما بعد عصر الإنترنت، فقد حدث نوعٌ من التحرر للكتاب من قيود السلطة، لكنه تحرر قائم على مبدأ "اكتب ما تشاء، ونحن سنكتب ما نشاء". ويفسر هذا المبدأ بالتالي: "كلما صُدر كتاب تفاجأ السوق بصدور كتاب من نتاج السلطة، إما أن يعمل على ترسيخ القيم السلطوية أو المزاحمة على القراء". هذا من جانب، ومن جانب آخر، يضيف الشاطبي، أن السلطة كانت تضخ أموالًا طائلة لدعم كتّاب غير موهوبين وإصدار كتب رديئة المحتوى، دون أن يذكر تفاصيل أكثر عن المحتوى الرديء هذا، كون "الحكاية طويلة"- كما يقول.

 أما بخصوص ما يتوجب على المبدعين من الكتاب والفنانين فعله إزاء القمع وتضييق حرية التعبير، فيرى الشاطبي أن "على الكاتب كسر كل التابوهات مهما كانت التضحيات"، لافتًا إلى أن "قيود السلطة لم تعد معيقة بالدرجة التي يعيقها المجتمع نفسه؛ فالمجتمع الذي تعرض خلال عقود لغسيل أدمغة على يد السلطة لا يمكن أن يتقبل كتابًا يغرد خارج سرب السلطة إلا بتضحيات، والتضحيات دومًا تأتي على حساب الكاتب". 

كيف يتم إصدار الكتب في اليمن

إذا ما استثنينا دار عبادي قبل الحرب الدائرة منذ ست سنوات، يكاد يكون نشاط دور النشر في اليمن منعدمًا. حاليًّا لم تعد دار عبادي تصدر الكتب، لكن هناك مكتبات ضمت إلى أنشطتها التجارية إصدار الكتب، بينما أغلقت الدار التي طالما طبعت أعمال الكتاب، سيما الشعراء وكتاب القصة والرواية، أبوابها، وصارت تعرض ما لديها من كتب في أحد الأندية الترفيهية في العاصمة صنعاء.

غير أن الهيئة العامة للكتاب في صنعاء، لا تزال تمنح الكتاب أرقام الإيداع لمؤلفاتهم. لمعرفة الآلية التي تمنح بها الهيئة رقم الإيداع لأي كتاب، يقول وكيل الهيئة العامة للكتاب لقطاع النشر والتوزيع، الكاتب والناقد زيد الفقيه لـ"خيوط": "يأتي المؤلف إلى دار الكتب بصنعاء، ليسجل كتابه "إصداره" في سجل الإيداع فيمنح رقم الإيداع".

ويضيف الفقيه أنه لا توجد "عراقيل لمنح رقم إيداع لأي كتاب"، وأن مسألة جودة المحتوى لا تنظر فيها الهيئة العامة للكتاب، بل "تطلبها دور النشر التجارية التي تجني المال من طباعة الكتاب".

ويؤكد: "مهمتنا فقط، حفظ الحق الفكري للمؤلف، وعمل حصر للمطبوعات الصادرة في اليمن في كل عام".


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English