"الحضور البهي"

أوراق من حياة ثلاثة فنّانين
خيوط
December 10, 2022

"الحضور البهي"

أوراق من حياة ثلاثة فنّانين
خيوط
December 10, 2022

بعد كتبه التي توثّق للمشهد الموسيقيّ في اليمن ورواد هذا المشهد وأعلامه: "سعودي أحمد صالح؛ حياتي وفنّي"، و"الموسيقى والفن؛ مدخل ببليوغرافي"، و"محمد عبده زيدي؛ كبير جاء في زمان الكبار"، و"بلبل اليمن؛ عوض أحمد"، و"فضل كريدي؛ فنان من بيت فنّ"، و"الأصوات الغنائية النسوية في اليمن 1950-2000"، و"فرقة الإنشاد في اليمن الديمقراطي؛ مسيرة حافلة"- أصدر مؤخرًا الدكتور يحيى قاسم سهل، كتابَه الثامن الذي حمل عنوان "الحضور البهي؛ أوراق من حياة الفنانِين الزبيدي والعزاني والميسري"(*)، متتبِّعًا فيه محطات من تجارب الفنّانين الثلاثة، والذين يمثّلون حالات خاصة لتنوع المشهد الموسيقي في اليمن عمومًا، ومناطق عدن ولحج وأبين على وجه الخصوص.

يقول المؤلف في مقدمته للكتاب:

"وربما يتساءل القارئ: ما الذي يجمع بين هؤلاء الثلاثة ليضمّهم كتاب واحد، وهو بحق سؤال له وجاهته؛ فأحمد يوسف الزبيدي يمتاز بالحضور والبهاء، على المسرح يشد المتلقي، وهي سمة يتسم بها الفنان محمد عزاني والفنان محمد علي ميسري، إضافة إلى ذلك يلتقي الفنانون الثلاثة في المثلث الجميل، البحر والوديان والشعر الغنائي واللحن، وأقصد: عدن، لحج، أبين" (ص5).

من استرجاعات الفنان الراحل أحمد يوسف الزبيدي، وينقلها المؤلف من كتاب الباحث الموسيقي عبد القادر قائد "نشوء وتطور الأغنية اللحجية"، يقول:

"في صبيحة كل عيد، كنّا نصحو مبكّرين ونلبس ملابسنا الجديدة ونتسابق إلى بيت القمندان لنقف تحت بيته ونستمع إلى الأغاني الجميلة المرتبطة بالمناسبات، مثل الأعياد والزواج والحصاد وغيرها، وكنتُ في طفولتي مرهف السمع، هاويًا لسماع الأغاني الجديدة ومُحِبًّا للغناء، وأذكر أنّ الأمير فضل بن علي -آخر سلاطين لحج- كان يدرك هذا الولع، بل وإجادتي للدان الحضرمي، فكان يعمل على تحفيظي بعض القصائد التي كان يكتبها الشاعر الكبير صالح فقيه، ويجعلني أغنّي تلك القصائد بصوت الدان اللحجي، ممّا دفعني إلى السير في مجال الغناء، فحفظت الكثير من أغاني القمندان، وكنت أردّد دائمًا أغنية (هيثم عوص قال)، وأغنية (وا بو زيد) وغيرها من أغاني القمندان" (ص8).

في الصفحة 94 من الكتاب، يورد المؤلف استشهادًا مطوّلًا منقولًا عن الفنان والكاتب الموسيقي عصام خليدي عن الراحل محمد صالح عزاني:

"كان الفنان محمد صالح عزاني يمتلك صوتًا جميلًا عذبًا أخاذًا ممزوجًا بخليط من المشاعر والأحاسيس والانفعالات الإنسانية والفنية، وكان من الفنّانين القلائل الذين يتمتّعون بحضور إبداعي (غنائي مســرحي فنّي) قويّ ومؤثّر على كافة المستويات، في توصيل الأغنية، فيصل في كثير من الأحيان إلى (حالة من التوحد الوجداني والإبداعي) مع المستمع والمتلقي لأعماله وأغانيه (فينصهرا) ليشكّلا معًا مشهدًا غنائيًّا منسجمًا متناغمًا، قوامه الصدق في ملامح وتعابير ونبرات صوت العزاني، وقوة وسلامة مخارج الألفاظ التي تُمكّنه من إقناع كلِّ مَن يستمع إليه بأنّه بالفعل يعاني من (حالة إنسانيةٍ ما وجدت في سياق ومضمون النص الغنائي الذي يتعاطاه)، وللعزاني حليات صوتية حباه الله بها في غاية العذوبة والسلاسة والوضوح تمكّنه من القيام بعملية أشبه ما يمكن أن نطلق عليها (عملية تنويم مغناطيسي) يصل إليها في دروة أدائه لأغنياته الرائعة مع المستمع والمتلقي الذي يجد نفسه لا يستطيع أن ينصرف بعينيه وبأذنيه عن متابعة أداء العزاني الساحر والأخاذ، ومن هنا يأتي سر نجاح العزاني في شفافية وروعة أسلوب وحرفية وصدق وعبقرية غنائه وأدائـه العـــميق لأعمــاله الفنــية التي نتــــذكر منها: "تسألني كيف الحال/ ظن إني نسيته/ اتفقنا إنـنا ما نــتفـق/ بــعد إيــه ترجــع لحبــي/ ساعة ما نظرتك/ فين التقينا/ مستحيل أنساك/ اشتقت لك/ مثل الآمال/ أنا وهو انظلمنا/ خلاص بنساك..."، وغيرها". 

وفي تناوله لمسيرة الفنان محمد علي ميسري الفنية، يتّخذ من كتاب محمد ناصر العولقي (تاريخ الأغنية في عدن ولحج وأبين) مرجعًا لعرضها، ومنه قول العولقي:

"الفنّان العذب محمد علي الميسري كيان فنّي له مكانته في فضاء الأغنية اليمنية، وبالأخص الأغنية اليمنية المعجونة بروائح الريف الأصيلة، وعبق المدينة النفّاذ، وحبّ الإنسان وقوة انتمائه لأرضه، ومن يستمع لأغاني الميسري يستمع إلى صوت مدهون بمزيج من العذوبة والبراءة، وموشى بنسيج من الحنان والاشتياق، ومصنوع من خلاصة التوهج والحزن المحفز للإبداع" (ص117). 

الكتاب احتوى على نصوص الأغاني الذائعة التي صدح بها المطربون الثلاثة.

___________________

(*) مكتبة ومركز الصادق للطباعة والنشر والتوزيع، صنعاء، الطبعة الأولى 2022.

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English