أوقفوا الحرب

ما يفترض أن يتمسك به جميع اليمنيين لإحلال السلام
عبدالباري طاهر
February 3, 2021

أوقفوا الحرب

ما يفترض أن يتمسك به جميع اليمنيين لإحلال السلام
عبدالباري طاهر
February 3, 2021

عندما انطلقت ثورة "الربيع العربي" في العام 2011، ابتداءً من تونس، فميدان التحرير في مصر، وعم مطرها وسيلها الأرض العربية كلها - كان الشعار الرئيس هو "الشعب يريد إسقاط النظام". الملايين العطاش المشرئِبّة - كتعبير الزبيري- رددت الهتاف، فكان رد طغاة الأرض الحرب.

مثلت الحرب في المنطقة كلها الثورة المضادة؛ الحرب في العراق، وسوريا، وليبيا، والسودان، واليمن- في المبتدأ والمنتهى، ثورة مضادة في مواجهة الاحتجاجات المدنية السلمية، حتى وهي –أي الحرب- تعلن الانضمام للثورة.

منذ هابيل وقابيل وسبرتاكوس، والحرب سلاح الطغاة وملاك العبيد ورموز الإقطاع والرأسمالية.

منتصف القرن الثامن عشر، وتحديدًا في 1848، أطلق ماركس وإنجلز بيانهما الشيوعي مذيّلًا بنداء عالمي: "يا عمال العالم اتحدوا". ردد عمال العالم النداء في تضامن أممي لقرون. 

في أوروبا القرن التاسع عشر كانت الشيوعية هي الشبح الذي يتهدد رأس المال. وفي القرن العشرين غدت الثورات الشعبية، وحركات التحرر الوطني، وحتى الانقلابات العسكرية، هي التهديد والخطر الذي يواجه الاستعمار والأنظمة التابعة. 

الانتخابات وصناديق الاقتراع في عالمنا الثالث وما بعد الرابع، لا تمثل للأنظمة أي مشكلة؛ فهي تستطيع صناعتها على المقاس لمرات ومرات، وتنجح دومًا بنسبة 99.9%، ولكن رهان حكام هذه البلدان الأساس، ومنها وفي قلبها البلدان العربية، على القوة، وشرعيتها الغلبة، وليس الانتخابات الزائفة؛ فموازنة الجيش والأمن تتفوق على كل موازنة من موازنات الوزارات الخدمية والمشاريع التنموية، وكان اعتقادهم أن القوة التي أوصلتهم إلى الحكم هي نفسها الكفيلة ببقائهم فيه أو إزالتهم منه -"لا سمح الله"، ولم يكونوا يتوقعون أو يتصورون أن يأتي شباب من طلاب الجامعة والثانويات العامة أو العاطلين عن العمل يهتفون: "الشعب يريد إسقاط النظام". 

عندما سمع الهتاف حسني مبارك قال لحاشيته: "خلوهم يتسلوا"، ورد علي عبدالله صالح على هتاف: ارحل.  "من يرحل؟!" كان يعتقد أنه أكثر رسوخًا من جبال عيبان والنبي شعيب وسمارة، ورحل الجميع بعد أن احتكموا إلى الحرب؛ شرعيتهم الوحيدة ووسيلتهم الفضلى للاستنقاع في الحكم. 

الحرب على الربيع العربي من الماء إلى الماء تقودها جيوش الأنظمة البائدة، وأحزاب الحكم؛ ففي العراق تقودها الأحزاب الطائفية، وجماعة الدولة الإسلامية ومفرداتها الكريهة، والأمريكان وإيران وتركيا يتقاتلون والضحية الشعب العراقي واحتجاجاته السلمية، وفي سوريا الأمر أكثر خطورة وأشد تعقيدًا؛ فالنظام وحلفاؤه والقوى الإرهابية المتعددة المدعومة من تركيا والممولة من بعض الدول الخليجية وإسرائيل، لا هدف لها غير القضاء على الثورة السلمية، وتمزيق وحدة سوريا. وفي السودان قائد الجنجويد (قوات التدخل السريع)، وقائد جيشه عبدالفتاح البرهان انقلبا على زعيمهم البشير، فنحوه جانبًا مبقين على تركته العسكرية والأمنية؛ لتستمر أدوات القمع كثورة مضادة، أما في ليبيا، فإن الحرب المفروضة من روسيا وتركيا والممولة والمدعومة من الأنظمة في مصر وقطر والإمارات وبعض البلدان الأوروبية، هي أساس الحرب وهي عائق السلام. 

التلاعب في الحوار بقضية الجنوب، واستبعاد ممثليه الحقيقيين، واستبدالهم بأتباع لعبدربه منصور -رئيس الجمهورية، والموقف من الأقاليم، وعدم هيكلة الجيش، والتلاعب في قضية الحريات وبناء الدولة، هو ما يؤكد أن الرهان على الحرب كان هو الأساس

أما في اليمن، فإن علي عبدالله صالح وأحزاب اللقاء المشترك- أحزاب الحكم، لم يكونوا مع ثورة الربيع العربي، وكانت المساومات المعلنة والمستترة تدور من حول إشراكهم في الحكم، ومنحهم بعض المزايا والعوائد، ولكنه كان متصلبًا معهم؛ فاحتكموا سرًّا وعلانية للسلاح، وكان الحوار في موفمبيك بمثابة استراحة محارب.

حرب الحصبة، وقصف منزل الأحمر، وتفجير مسجد الرئاسة، وهناك حروب في مناطق الحيمتين والقَفْر وعُتمة، وفي مناطق عديدة، شاهد رهان كل الأطراف على الحرب. 

كان الحوار بالنسبة للحكم وأحزاب الحكم، خصوصًا الإصلاح والمؤتمر، ورقة تكتيكية؛ فرهانهما والأحزاب التابعة، على القوة لا على الحوار، وهو ما تجلى في انقلاب 21 سبتمبر 2014، الذي قاده تحالف صالح وأنصار الله (الحوثيين). 

التلاعب في الحوار بقضية الجنوب، واستبعاد ممثليه الحقيقيين، واستبدالهم بأتباع لعبدربه منصور-رئيس الجمهورية، والموقف من الأقاليم، وعدم هيكلة الجيش، والتلاعب في قضية الحريات وبناء الدولة، هو ما يؤكد أن الرهان على الحرب كان هو الأساس، وأن الحوار ذر للرماد في العيون. 

عدم هيكلة الجيش كان وراءه الإصلاح والمؤتمر، اللذان يسيطران على القوة العسكرية ويدخرانها للمواجهة. وقد تقدم عدد من ضباط الجيش والأمن بخطة هيكلة ميدانية لرئيس الوزراء لكي يسلمها لرئيس الجمهورية عبدربه منصور، لكن لم يتم منها شيء. 

خيار الشباب والشابات المحتجات والمحتجين كان بناء الدولة المدنية الديمقراطية، بينما خيار قوى الحرب هو الاستنقاع في الحكم وبالقوة.

بعد ستة أعوام من الحرب التي أهلكت اليمن واليمنيين، وحولت اليمن إلى أسوأ كارثة تشهدها البشرية؛ فإن شعار ونهج وسلوك "أوقفوا الحرب" يصبح هو شعارنا القادم؛ لإسقاط زبانية الحرب وتجارها ومرتزقتها؛ فوقف الحرب هو البوابة الرئيسية لإحلال السلام في ربوع اليمن كلها، وهي الأرضية المناسبة لتلاقي كل الفرقاء والأطراف لمناقشة الأوضاع.

التفاهم والحوار قبل بدء التفاوض هو ما فطن إليه ودعا له جماعة "نداء السلام"، التي كان شعارها الرئيس منذ البدء "أوقفوا الحرب".

المجتمع الدولي الآن وقواه الخيرة تعلن انحيازها للسلام مرددة: "أوقفوا الحرب". فالسبيل الوحيد الآمن والسليم أمام أمتنا وشعبنا هو فرض خيار السلام، والخلاص من الحرب وصناعها؛ فمنذ مطلع القرن العشرين الماضي، رفع اليساريون الحقيقيون في مصر وبلاد الشام شعار: الحرية، والخبز، والسلام، كمفردات آتية من البيان الشيوعي الذي صاغه وأصدره ماركس وأنجلز في باريس منتصف القرن الثامن عشر، ولا يزال أثره عميقًا.

ويقيناً، فإن الاحتجاجات المدنية السلمية هي الشبح الذي يتهدد الإمبراطوريات الكبرى في أمريكا والصين وسوريا وفرنسا وبريطانيا والهند، وهي أيضاً الشبح المحدق بالفساد والاستبداد في بلدان العالم الثالث، وبالأخص في المنطقة العربية كلها، وهي الوسيلة المثلى للقضاء على حكم الغلبة والقوة وتسعير الحروب.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English