11 فبراير

لم يكن يومًا هامشيًّا في زمن اليمنيين
محمد زياد
February 13, 2024

11 فبراير

لم يكن يومًا هامشيًّا في زمن اليمنيين
محمد زياد
February 13, 2024
الصورة لـ: محمد الشيباني

لم يكن الحادي عشر من فبراير مجرد يوم عادي وهامشي في حسابات الزمن خرجت فيه الجموع للتنزه في الشوارع والساحات، بل كان يومًا للشعب، ليطلق صرخته العاتية لاجتثاث سلطة الفساد. لم يكن اليمنيون قبل فبراير في رغدٍ من العيش، ليندموا اليوم على خروجهم ولسان حالهم يقول: لو عاد فبراير لعدنا.

هل نجحت الثورة التي حلم بها اليمنيون؟ سؤالٌ لا يزال يعتمل في أذهان الجميع، والإجابة عليه تقول، بلا شك؛ إنها كانت في طريق النجاح، لكنّ المتربِّصين بها كانوا أكثر مكرًا في تقويضها منذ اللحظة الأولى. 

خرجنا إلى ميادين الحرية ونحن نحلم بمستقبل أفضل وحياة كريمة، خرجنا بعد أن بلغ الاستبداد مداه، وتمدّد الفساد طولًا وعرضًا في حياة الناس.

لقد حاولنا وفشلنا في إيصال الثورة إلى مبتغاها، ليس لأننا أخطأنا التوقيت أو استعجلنا، وإنما لأننا تعاملنا مع أحزاب الساحات بعفوية وطيبة، وهذا الشيء الوحيد الذي يستحق أن نندم عليه.

استعجلنا بمصالحتنا مع أركان النظام الهاربين إلى أحضان الثورة، دون أن نفكر بنتائج انتقام النظام برمته، التي أوصلتنا إلى هذه الحالة بعد تسليم الدولة على طبق من ذهب لأعداء الحياة والثورة انتقامًا من الشعب لأنه جاهر بكلمة "ارحل".

لن نظلّ قابعين عند حائط المبكى نتذمر ونتماهى مع أناشيدنا الثورية، بل سنبحث عن طرق أخرى أكثر وعيًا لمواصلة درب النضال على خطى فبراير، وسنتعلم من أخطاء ثورة أجدادنا الأحرار، ما سيُمكِّنُنا من إصلاح اختلالات هذه الثورة، ولنا في الثورة الدستورية ١٩٤٨، ألفُ درسٍ للثبات، وألف قصة لصناعة القدر المحتوم لوطننا.

منطق الثورات أنّها تستولد انبعاثها الذاتي في الديمومة، وتستمر في تهيئة الظروف الذاتية والموضوعية حتى تنتج فعلها المكتمل لتطلقه في زمن قياسي ومفاجئ، أمّا الفشل الذي يصاحب الثورات فيصير مع الوقت، دافعًا قويًّا يُسرِّع من عجلتها المتحررة من القيود الداخلية والحسابات الخارجية.

فبراير لم يكن وليد اللحظة حتى نحملّه المآلات الناتجة عنه، وإنما وليد القدر المسير لسننية الكون القائم على التغيير والتحويل، ولم يكن فبراير إلا مثل سيلٍ بلغ المدى، نتيجة أخطاء تراكمت ليصبح في مدلولاته القطرةَ التي أفاضت الكأس بعد سنين عجاف سببها سياسيون انتهازيون اشتبكت مصالحهم بمصالح بنى السلطة. 

فبراير بريء من إفرازات الواقع المَعيش حاليًّا، ومن يشك في ذلك عليه بتحسس ذاكرته، فالخلل في الرأس وليس في الكأس، وقد قيل قديمًا إنّ فساد السمكة يبدأ من رأسها.

صحيح أنّ ثورة فبراير استوعبت جميع الأطياف دون استثناء، ومنحتهم حلمًا جميلًا، لكنها لم تمنحهم سلاح دولة ومدرعات جيش. لم تقطع دابر النظام، وتسامحت مع أركان حكمه ومنحتهم حَصانة.

هناك من يُحمِّل فبراير شقاء اليمنيين اليوم، وكأننا كنا نعيش في كوكب آخر لا نعي أو نفقه شيئًا منه، فالمنطق يقودنا، بالإيمان القطعي، أنّ لكل سبب نتيجة، وفبراير كان نتيجة لتراكمات وانسدادات بنيوية، وليس سببًا لها اليوم، ولا ينكر هذه الحقيقة سوى المتعامِين وأصحاب الذاكرة المثقوبة التي تذبل سريعًا؛ لكونهم يقرَؤُون وقائعَ الأمور وأسبابها بسطحية عابرة دون النظر في عمق المشكلة وتراكماتها.

فبراير قاد إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي لَمّ شمل اليمنيين، لكن الذين أدمنوا السلطة أو رأوها حقًّا لا ينازعهم فيها أحدٌ، لم ترُق لهم مخرجاته، ففجّروا حربًا لا يزال يكتوي بنيرانها اليمنيون.

تحدثوا ما شئتم عن فبراير، فهو في النهاية روح تسري في قلوب الأحرار، والأرواح لا تلتبس ولا تحل بنقائضها، وهي أيضًا لا تسرق حتى من الأموات. وشهداء فبراير هم من يملكون الحق في تمدد هذه الأرواح في كل زمان ومكان.

صحيح أنّ ثورة فبراير استوعبت جميع الأطياف دون استثناء، ومنحتهم حلمًا جميلًا، لكنها لم تمنحهم سلاح دولة ومدرعات جيش. لم تقطع دابر النظام، وتسامحت مع أركان حكمه ومنحتهم حَصانة، وفتحت صفحة جديدة حفاظًا على الدولة وعلى النسيج الاجتماعي من التمزق والتفكك، وأبَوا إلا تأديب الشعب، وبيّتوا النيّةَ السيئة، ورقصوا على رؤوس الأشهاد ابتهاجًا بالثورة المضادة وبالجرعة المميتة، فتجرعوا وبال أمرهم من حيث لا يعلمون.

استوعبت ثورة فبراير 60 ألف وظيفة جديدة للعاطلين من خريجي الجامعات بعد سنوات من الوعود المتبخرة، وحافظت على قيمة العملة في فترة تمثيلها الرمزي ببعض الوزارات بالحكومة، وأوقفت مستحقات المشايخ المالية، وابتعثت الكثيرَ من الطلبة للدراسة خارج اليمن وجامعاتها، وافتتحت مشاريع المدن الطبية والرياضية والسكنية، وانتزعت ميناء عدن من دولة الإمارات التي أرادت تعطيلها لصالح موانِئها، وأوقفت اتفاقية بيع الغاز المسال، وانضمّت اليمن إلى منظمة التجارة العالمية، والقائمة تطول لذكر جميع الإنجازات في زمن قياسي رغم كل محاولات التخريب والتشويه. وحلّقت الثورة بعيدًا بجناح واحد، بينما الجناح الآخر من الحكومة كان كل عمله مكرسًا لقصقصة ريش ثورة فبراير ومشروع حلم ثورتهم.

لقد أنتجت ثورة فبراير وعيًا مجتمعيًّا، ونضجًا سياسيًّا وحراكًا شعبيًّا في المجتمع، وقرّبت الجميع من حقوقهم وواجباتهم، وفتحت أمامهم أُفقًا نحو بناء دولة مدنية تضمن الحقوق والحريات للجميع، وجيّشت الشعب للانطلاق باتجاه التنمية المستدامة، والانتقال إلى مرحلة بناء الدولة اليمنية الحديثة برؤية مستقبلية واعدة. غير أنّ بنية السلطة العميقة ومصالحها، عملت كل شيء لإجهاض الثورة، وإغراق اليمن في أتون الحرب والفوضى التي تطحننا حتى اليوم.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English