مشردو صنعاء في مرمى كورونا

لا سلطات ولا منظمات إغاثية تهتم لأمرهم
مبارك الباشا
June 7, 2020

مشردو صنعاء في مرمى كورونا

لا سلطات ولا منظمات إغاثية تهتم لأمرهم
مبارك الباشا
June 7, 2020

ينزعج صالح حميد (67 سنة) من التقاط صور له بينما يمكث في بقعة صغيرة على رصيف يضم بعض الأغطية المهترئة -يتخذ منها لحافاً – أمام مطعم أبو خالد في شارع العدل.

تمر الأيام ثقيلة على حميد ومثله العشرات من مشردي المدينة مع حلول موسم الأمطار في صنعاء، ذلك أن المياه المتدفقة تحيل مواضع نومهم على الأرصفة إلى برك ماء موحلة، في توالٍ مستمر لفصول المأساة التي قذفت بهم إلى الشارع ابتداءً؛ تضاعفت المخاطر المحتملة مع تفشي وباء كورونا منذ أبريل/ نيسان 2020،،  خاصةً مع تردي إجراءات الوقاية، الأمر الذي يضع حياة أكثر من مليوني مواطن يقطنون العاصمة على المحك، في مقدمتهم المشردون؛ الفئة الأكثر انكشافاً أمام الوباء بالنظر إلى حياتها المقذوفة دوماً في أتون الخطر.

حياة مهدورة

لا يكترث حميد، المنتمي لمحافظة المحويت، لاحتمال إصابته بفيروس كورونا، ويقول لـ”خيوط” إن الجائحة لن تشكل فارقًا في حياته المنذورة للتشرد منذ خمس سنوات؛ فهو يضطر لمخالطة الناس على الدوام، الأمر الذي يضعه وسط الخطر بشكل دائم، لكنه لا يبدي اهتماماً حيال الأمر.

يواصل حميد ممارسة عمله في تنظيف شارع العدل، وهي مهنة ابتدعها لنفسه منذ أن وعى على مصيره كمشرد ملقى في الشارع العام 2015، تدر عليه دخلاً يومياً بسيطاً يأتيه من مالكي المحلات التجارية (حيث يقوم بالتنظيف)، لكن شرطية البقاء هذه، تضعه وغيره من المشردين في صنعاء أمام خطر الإصابة المحدق.

تدهور معيشي

تشرد حميد قبل خمس سنوات، بعد خسارته لزوجته ومصدر رزقه كعامل حرّ، وقد أمضى سنين فارقة من حياته في الأشغال الفلاحية بضواحي مدينة صنعاء، كان يجني خلالها دخلاً يومياً، فقده لاحقاً بسبب تضاؤل فرص العمل وتقدمه في السن. ونتيجة الحرب المشتعلة بين قوات الحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وبين جماعة أنصار الله (الحوثيين) التي انقلبت على السلطة في سبتمبر/ أيلول 2014.

 فاقم النزاع المشتعل منذ خمس سنوات الأوضاع الإنسانية في اليمن متسبباً في تقليص فرص العمل على نحو غير مسبوق. الحاج حميد ضمن آلاف  اليمنيين الذين تأثروا بشكل مباشر بالصراع، فقد حميد زوجته وفرصة عمله ومنزله في صنعاء بعد عجزه عن سداد الإيجار وغياب من يسنده نظراً لكونه بلا أبناء.

يقول حميد لـ”خيوط” إن خسارته لزوجته خلّفت خراباً كبيرًا في حياته وأفقدته الرغبة في مواصلة الحياة، إضافة إلى فقدان المأوى الذي شكل مأساة إضافية لحياته، وهو لا يحلم الآن سوى بالحصول على غرفة تؤويه من النوم على الأرصفة.

تزايدت ظاهرة التشرد بشكل كبير خلال الخمس السنوات الأخيرة بسبب الآثار النفسية الناجمة عن الحرب التي أثرت بشكل مباشر على الآلاف من اليمنيين خصوصاً في العاصمة صنعاء.

الحرب تضاعف الظاهرة

على مدى الأعوام الخمسة الماضية، شهدت صنعاء ازدياداً ملحوظاً لأعداد المشردين نتيجة الحرب، التي أفقدت المئات من اليمنيين مصادر دخلهم، وقذفت بهم في أتون البطالة والآثار النفسية السيئة التي قادتهم بدورها إلى الضياع.

تقول الدكتورة لمياء الإرياني، باحثة اجتماعية وحقوقية، إن ظاهرة التشرد تزايدت بشكل كبير خلال الخمس السنوات الأخيرة بسبب الآثار النفسية الناجمة عن الحرب التي أثرت بشكل مباشر على آلاف اليمنيين خصوصاً في العاصمة صنعاء، ذلك أنها حرمتهم من فرص العمل والحياة الكريمة، مؤكدة أن الأسباب النفسية هي السبب الأول لتنامي ظاهرة التشرد.

وتؤكد الإرياني لـ”خيوط” أن النزاع المتواصل دفع بالآلاف من اليمنيين إلى اليأس، وألحق الضرر بمعيشتهم اليومية التي كانت هشة قبل ذلك، الأمر الذي ضاعف من حالات الإصابة بالأمراض النفسية في ظل غياب الرعاية الحكومية.

وبحسب تقرير للأمم المتحدة صدر في العام 2019، فإن ملايين الأسر في اليمن تضررت سبل معيشتها بسبب الحرب، حيث أشار التقرير إلى أن نحو 20 مليون يمني يعانون نقصاً حاداً في الغذاء بعد فقدان أعمالهم ومصادر دخلهم، الأمر الذي وضع الكثيرين منهم على حافة التشرد.

باتت فئة المشردين اليوم وجهاً لوجه أمام تفشي كورونا في المدينة، باعتبارها الفئة الأكثر ترشيحاً للإصابة ولنقل الوباء نظراً  لأختلاط أفرادها المباشر بالناس في المطاعم والأسواق دون وسائل وقاية.

نفي اجتماعي

لا توجد إحصائية رسمية لأعداد المشردين في اليمن، بيد أن مراقبين يقدرون أعدادهم بعشرات الآلاف، يتركز غالبيتهم في العاصمة صنعاء، ويشكلون فئة اجتماعية تعيش في الهامش، ولا تحظى باهتمام السلطات الحكومية ومنظمات الإغاثة العاملة في اليمن.

في أمانة العاصمة صنعاء يعيش المئات منهم دون أدنى مقومات الحياة، يعتمدون في طعامهم بشكل أساسي على هبات المحسنين ومالكي المطاعم، وينامون في العراء على أرصفة الشوارع، فيما يعاني أغلبهم من مشاكل نفسية وصحية بالغة.

باتت هذه الفئة اليوم وجهاً لوجه أمام تفشي وباء كورونا في المدينة، ذلك أنها الأكثر ترشيحاً للإصابة بالوباء نظراً  لطبيعة الحياة المكشوفة التي يعيشها المشردون في الشوارع، وحركتهم الدائمة التي تجعلهم على اختلاط مباشر بالناس في الأسواق والطرقات دون وسائل وقاية، الأمر الذي يهدد حياتهم بشكل مباشر لاستحالة حصولهم على الرعاية الصحية كأي مريض آخر في حال طالهم الوباء، فهم منفيون خارج التزامات السلطات والمجتمع على السواء.

تعجز دار الرعاية الاجتماعية في صنعاء التي تعاني من شحة التمويل، عن استيعاب كافة مشردي المدينة الذين يقدر عددهم بالمئات، ويفتقرون للرعاية اللازمة من قبل الدولة، خصوصاً في ظل استمرار النزاع في اليمن، وتعدد السلطات الحاكمة، وذلك وفق مصدر ذي علاقة تحدث لـ”خيوط”، فضل عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام.

تخلت الدولة عن مسؤولياتها تجاه المشردين منذ وقت بعيد، على الرغم من وجود قانون في الدستور اليمني يكفل حقوق هذه الفئة، وهو قانون الرعاية الاجتماعية الذي يضمن في بنوده حصول المشردين على الرعاية الاجتماعية والنفسية.

مخاطر جديدة

في الوقت الراهن يحتاج المشردون للرعاية الاجتماعية والصحية أكثر من أي وقت مضى بسبب مخاطر جائحة كورونا، على الرغم من بقائهم خلال السنوات الماضية خارج اهتمام السلطات الحكومية ومنظمات الإغاثة الدولية العاملة في اليمن، وإلى اليوم لا يزال المشردون منسيين من قبل الجميع لأسباب كثيرة أبرزها تخلي السلطات عن مسؤولياتها القانونية تجاههم، إضافة إلى أن برامج الاستجابة الإنسانية لمنظمات الإغاثة الأممية لا تشمل فئة المشردين، على الرغم من كونها فئة تضاعفت مؤخراً بفعل استمرار الحرب.

قد يشكل المشردون بحكم تنقلهم الدائم بؤراً خطيرة لتفشي كورونا في صنعاء، من خلال تحولهم إلى نواقل اجتماعية للفيروس بسبب اختلاطهم المتواصل بالناس في الأماكن المزدحمة بالمدينة، الأمر الذي يجعلهم أكثر عرضة لالتقاط الفيروس من ناحية، ويضاعف من احتمال تحولهم إلى نواقل اجتماعية للوباء من ناحية أخرى.

مناشدات

الحقوقية لمياء الإرياني ناشدت كل السلطات المعنية والمنظمات، بضرورة حماية المشردين من التعرض للإصابة بفيروس كورونا في صنعاء، على اعتبار أنهم الفئة الأكثر انكشافا أمام الوباء، الأمر الذي قد يجعلهم الأكثر تضرراً منه في حال تفاقمت الجائحة، لافتقارهم وسائل الحماية الذاتية والاجتماعية.

 وطالبت الإرياني المنظمات الإغاثية بالعمل على توفير مراكز إيواء ورعاية للمشردين، والتكفل بتوفير احتياجاتهم على غرار القطاعات الأخرى في المجتمع، وضمان حصولهم على حقهم في الحياة خصوصاً أنهم باتوا يمثلون اليوم فئة كبيرة في المجتمع.

 يبدو الحديث عن توفير رعاية صحية للمشردين ضربًا من المثالية في الوقت الذي تُرك فيه المجتمع بكافة أطيافه دون وسائل تقيه الوباء، خصوصاً في مناطق تتكتم فيه السلطات على انتشار الوباء، علاوة على القيام بواجباتها، هذا ما يجعل الالتفات لهذه الفئات وتسليط الضوء عليها ضرورة ملحة، ليس فقط بوصف ذلك حقاً لهذه الفئة، ولكن لحماية المجتمع ككل من انتشار وتفشي الوباء عبرها للآخرين .

•••
مبارك الباشا

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English