شباب يمنيون يبتكرون جهازي تنفس صناعي

هل تبحث حكومتي صنعاء وعدن عن الحلول في العقول الشابة!
صامد السامعي
June 5, 2020

شباب يمنيون يبتكرون جهازي تنفس صناعي

هل تبحث حكومتي صنعاء وعدن عن الحلول في العقول الشابة!
صامد السامعي
June 5, 2020
جهاز التنفس الاصطناعي الذي صممه طلاب جامعة تعز

في سبيله لمحاربة فيروس كورونا، دخل العالم المعركة مدافعاً. اتخذ من التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات، والتعقيم استراتيجيات وقائية للحد من الانتشار المخيف للوباء. وإلى جانب محاولة السيطرة على ارتفاع درجة حرارة الجسم غير الطبيعية، لا تقدم المستشفيات حول العالم أي شيء للمصاب بالفيروس سوى محاولة إبقاء جهازه التنفسي يعمل بمساعدة جهاز تنفس اصطناعي. لذا وفي ظل استمرار الانتشار السريع للوباء، انصب تركيز العالم على أمرين أساسيين، إنتاج أكبر كمية من أجهزة التنفس الاصطناعي من أجل السيطرة على الوضع، ومحاولة تطوير لقاح للقضاء على الفيروس.

في اليمن-حيث تكاد تكون أجهزة التنفس الاصطناعي المتوفرة في البلد معدودة بالعشرات، تنبّه عدد من الشباب في صنعاء وتعز مبكراً إلى ضرورة القيام بشيء قد يساعد في مواجهة الأزمة، فقاموا بتصميم أجهزة تنفس اصطناعي، مستخدمين أدوات بسيطة وغير مكلفة.

في صنعاء جمعت الصدفة أربعة زملاء سابقين في كلية الهندسة جامعة صنعاء تخصص هندسة ميكانيكية في مقيل واحد، عندما كانت أخبار كورونا بدأت بالسيطرة على المشهد العالمي. وبينما كانوا يتابعون تطورات الوضع حول العالم والارتباك السائد في ظل عدم وجود حلٍّ فعال لمواجهة هذا الوباء، استشعر المهندسون الأربعة المسؤولية، فقرروا اختبار مدى قدرتهم على تصميم جهاز تنفس اصطناعي بأدوات متاحة في السوق المحلية. “كان من الواضح أن التنفس الاصطناعي سيبقى لفترة طويلة الأمل الوحيد للمتضررين بشدة من الفيروس، وكانت قد ظهرت بالفعل أزمة في عدد من دول العالم في توفير هذه المعدات بالعدد الكافي”. يقول أحدهم.

مطلع فبراير/ شباط المنصرم 2020، بدأ المهندسون الأربعة بتصميم الجهاز لقياس مدى إمكانية تحويل الفكرة إلى واقع، وعندمااكتمل التصميم وأصبح المخطط جاهزاً، فكروا بالأدوات التي سيحتاجونها لصناعة مكونات هذا الجهاز.

“عندما وجدنا أن إمكانية صناعة جهاز تنفس اصطناعي متوفرة، قررنا المضي قدماً”. قال عصام العديني لـ”خيوط”، وهو أحد المهندسين الذين عملوا على المشروع. وأضاف: “مباشرة بدأنا التفكير بمصادر التمويل حتى نكون قادرين على إنتاج عدد معقول من الأجهزة تساعد في مواجهة أزمة كورونا في حال انتشر في اليمن”. (كان ذلك قبل انتشاره بالفعل).

عرض الشبان الأربعة فكرتهم على شركة أدوية محلية. قابلوا مالك الشركة واستطاعوا إقناعه بجدوى وفاعلية المشروع، فساعدهم في تأمين تمويل بسيط عبارة عن مقر للعمل ونفقات لتوفير المواد اللازمة لصناعة الجهاز، وكان المحفز الأساسي للفريق حصولهم على وعود بالدعم وتبني الفكرة في حال نجاحها.

في منتصف رمضان المنصرم، كان الجهاز جاهزاً بعد أسابيع من العمل المتواصل عليه من قبل الشبان الأربعة. وبحسب العديني سيتم حالياً اختبار الجهاز على أحد المرضى، قبل أن يشرع الفريق في الإشراف على إنتاج نسخٍ منه.

أخذ تصميم الجهاز والاشتغال على الفكرة وقتاً طويلاً، وبعد أن أصبح التصميم جاهزاً، احتاج الفريق إلى وقت من أجل تحديد نوعية المواد التي ستدخل في الصناعة، وإلى وقت آخر من أجل توفير المواد والاشتغال عليها، إلا أن إمكانية إنتاج عدد أكبر من الأجهزة في وقت قصير ليس بالأمر الصعب.

يقول العديني لـ”خيوط”: “بعد أن أصبح التصميم جاهزاً وتم توفير المواد، احتجنا إلى 10 أيام من العمل، كون القطع التي يتكون منها الجهاز تم تصميمها وتعديلها في معامل وورش مختلفة، وكنا نتوقف أحيانا عن العمل بسبب تعديل بسيط لأننا نضطر لأخذ الجزء المطلوب تعديله إلى الورشة، إلا أنه في حال توفر مصنع أو معمل سيكون الإنتاج أسهل وأسرع”.

تم تصميم الجهاز وفقاً لمواصفات النظام الأمريكي، ويتكون بشكله الحالي من محركات، صمامات، فلاتر ودوائر كهربائية، وتم صناعة الهيكل وأغلب الأجزاء من مواد خشبية وبلاستيكية وسليكون. وبحسب العديني: “يمكن توصيل الجهاز إلى جهاز تحكم رقمي يساعد في ضبط والتحكم بكمية الهواء الداخل إلى الرئتين والخارج منها من أجل فاعلية أكبر”.

ولم تكن هذه المبادرة هي الوحيدة من نوعها في اليمن، ففي تعز قام خمسة من طلاب قسم الهندسة الصناعية بجامعة تعز بتصميم وصناعة نموذج لجهاز تنفس اصطناعي ميكانيكي الحركة.

وكتب حكيم الجابري وهو أحد أعضاء الفريق في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الجهاز تم تصميمه بمواصفات عالية ويتم تطويره حتى يكون مطابقاً لمواصفات النظام البريطاني للتنفس الميكانيكي، وقابلاً للاستخدام في الحالات الطارئة لمواجهة فيروس كورونا (كوفيد 19).

ويتميز الجهاز بقدرته على التحكم بكمية الهواء المتدفقة إلى الرئة، بالإضافة إلى إمكانية التحكم بعدد مرات التنفس في الدقيقة الواحدة، مع إمكانية التحكم بسرعة دخول الهواء إلى الرئة، ويتصل بشاشة LCD لعرض قيم المتغيرات المتحكم بها، كما يحتوى على دائرة للإنذار في حالة انقطاع التيار الكهربائي عن الجهاز بشكل مفاجئ.

جهاز التنفس الاصطناعي الذي صممه طلاب جامعة تعز
عالمياً يتسابق الجميع لتصميم وتصنيع أجهزة تنفس اصطناعي، حيث تشتد الحاجة إليها لمعالجة النقص في إمداداتها على مستوى العالم.

سباق عالمي

حثّت منظمة الصحة العالمية جميع البلدان على “تحسين توافر” معدات تهوية الرئة، التي تساعد أو تستبدل وظائف التنفس للمرضى المصابين بأمراض خطيرة، وتضخ الأكسجين في الدم للحفاظ على عمل الأعضاء. وقالت إن “العلاج بالأكسجين هو التدخل العلاجي الرئيسي للمرضى المصابين بـ Covid-19 الحاد”.

وعالمياً هناك تسابق لتصميم وتصنيع أجهزة تنفس اصطناعي، حيث تشتد الحاجة إليها لمعالجة النقص في إمداداتها على مستوى العالم. وعلى الرغم من تسابق الشركات المتخصصة في تصنيع المعدات الطبية من أجل توسيع أسواقها، إلا أن الأزمة أكبر من قدرة هذه الشركات على السيطرة عليها، لذا ظهرت بدائل في دول عدة.

في الولايات المتحدة الأمريكية، طلب دونالد ترامب، شركات عملاقة تعمل في تصنيع السيارات بينها “جنرال موتورز” و”فورد” بالبدء في تصنيع أجهزة تنفس اصطناعي، للمساعدة في تخفيف الضغط المتزايد على المستشفيات للعناية بمصابي كوفيد-19.

ولجأت حكومة المملكة المتحدة إلى حل “زمن الحرب“، حيث قامت بتجنيد الشركات المصنعة بما في ذلك مجموعة الفضاء والهندسة (رولز رويس) وشركة (دايسون) للمعدات الصناعية لإنتاج هذه المعدات الأساسية.

وفي مصر، تعمل واحدة من أبرز المؤسسات العلمية والتكنولوجية على أكثر من نموذج علمي، لصناعة أجهزة التنفس الاصطناعي، حيث كان رئيس قسم الطيران والفضاء بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، أعلن مطلع أبريل/ نيسان 2020، أنه يتم التخطيط، بالتنسيق مع عدد من الأطباء، لاختبار فعالية النموذج الأول من أجهزة التنفس الاصطناعي.

“المهم فيما نحاول القيام به، هو توفير عدد إضافي من أجهزة التنفس الاصطناعي بتكلفة بسيطة، كون ثمن هذه الأجهزة عالمياً مرتفعاً للغاية”.

مطلع أبريل/ نيسان 2020، أيضاً، أعلنت المغرب أن مهندسين يعملون على تطوير أجهزة تنفس اصطناعية محلية الصنع، لمواجهة تفشي فيروس كورونا في البلاد، بنيّة توفير 500 جهاز تنفس اصطناعي خلال 125 يوماً.

يقول عصام العديني أحد الشباب الذين صمموا جهازاً للتنفس الاصطناعي في صنعاء، إن “تصميم الجهاز ليس شيئاً جديداً، ولا أمراً يدعو للدهشة، كون آلية عمل هذه الأجهزة وطرق صناعتها معروفة”، مضيفاً: “المهم فيما نحاول القيام به، هو توفير عدد إضافي من أجهزة التنفس الاصطناعي بتكلفة بسيطة، كون ثمن هذه الأجهزة عالمياً مرتفعاً للغاية”.

نقص حاد وأسعار خيالية مقابل إمكانيات واعدة

كانت أسعار أجهزة التنفس الاصطناعي قبل أزمة كورونا تتراوح بين 25-30 ألف دولار للجهاز الواحد، لكنها ارتفعت بعد انتشار كورونا لتصل إلى ضعفي ما كانت عليه. الشهر الفائت قال تاجر معدات طبية لإحدى الصحف العربية المتخصصة بالشأن الاقتصادي أن “سعر السوق ارتفع لأنواع معينة من أجهزة التنفس خلال أسبوع من 27 ألف دولار إلى 96 ألف دولار”.

وتقريباً، لا يوجد دولة حول العالم مكتفية بأجهزة التنفس الاصطناعي التي تمتلكها، وقد اكتشفت كل الدول ذلك عندما اضطرت إلى مواجهة فيروس كورونا.

جاء في تقرير لمحطة (سي إن إن) الأمريكية، أنه في فبراير/ شباط 2020، عندما كانت مدينة ووهان بؤرة تفشي الفيروس التاجي، لجأت الحكومة الصينية إلى بقية العالم لطلب المساعدة في النقص الحاد. وأوردت المحطة عن إدارة المعدات الصناعية الصينية أنها أنتجت أكثر من 15 ألف جهاز تنفس صناعي وفتحت “قنوات عاجلة” لاستيراد المزيد.

وعلى الرغم من أن أمريكا تمتلك 200 ألف جهاز تنفس اصطناعي، إلا أنها وجدت أن هذا العدد على ضخامته ليس كافياً مقابل ما تحتاجه البلاد، والذي قدّرته جمعية الرعاية الطبية الحرجة بـ 960 ألف جهاز، حتى أن النقص وصل إلى مستوى دفع أحد المستشفيات في نيويورك بعدما فقد الأطباء فيه الأمل في وصول أجهزة جديدة، إلى وضع أكثر من مريض (من 2 إلى 4 مرضى) على جهاز واحد، رغم التحذيرات من أن الأمر قد يكون كارثياً.

في اليمن قال مصدر مطّلع على الوضع الصحي لـ”خيوط”، إن عدد أجهزة التنفس الاصطناعي المتوفرة بالعشرات. بينما قال رئيس الحكومة المعترف بها دولياً أمام مؤتمر المانحين 2020، إن عدد أجهزة التنفس الصناعي “على المستوى الوطني” لا يزيد عن 150 جهازا.

وإذا كانت دول مثل أمريكا والصين شهدت أزمة في أجهزة التنفس، فمن البديهي أن دولة مثل اليمن سيكون الأمر فيها كارثياً، كما يقول المصدر، الذي يعود للاستدراك: “إلا أن الصورة ليست قاتمة إلى ذلك الحد، الأمر يحتاج توجهاً حقيقياً سريعاً وجاداً من السلطات المعنية لإتاحة الإمكانيات أمام الشباب، وسيكونوا قادرين على مواجهة هذه الأزمة”.

يقول عصام العديني إن “تكلفة إنتاج جهاز واحد تصل إلى 300 ألف ريال يمني” أي ما يعادل 500 دولار أمريكي، وهي تكلفة لا تكاد تذكر حتى بالمقارنة مع أجهزة التنفس الاصطناعي الصغيرة المخصصة للاستخدام الشخصي، والتي تكلف آلاف الدولارات”.

وبالمجمل، فقد مرّ أكثر من 7 أشهر منذ تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا لامرأة في سوق سمك في مدينة ووهان الصينية، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، لم يستطع العالم التوصل إلى لقاح أو علاج للقضاء على هذا الوباء، كما أن إمكانية التوصل إلى لقاح قبل نهاية سنة 2020 شبه منعدمة كما تقول منظمة الصحة العالمية، لتبقى أجهزة التنفس الاصطناعي-إن استطاعوا الوصول اليها- أمل النجاة الوحيد أمام أولئك الذين يفتك بهم فيروس كورونا.

•••
صامد السامعي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English