الشباب اليمني.. مخاطر على طريق الهجرة

قصة 12 مهاجرًا خرجوا بالتزامن مع تفشي كورونا
حافظ الهياجم
October 4, 2021

الشباب اليمني.. مخاطر على طريق الهجرة

قصة 12 مهاجرًا خرجوا بالتزامن مع تفشي كورونا
حافظ الهياجم
October 4, 2021
Photo: Independent A

"استخدم العسكر الإسباني القوة لإعادتنا إلى المغرب بعد أن تعرضنا لمخاطر الموت والتيه في الصحراء والحبس في موريتانيا للوصول إلى منطقتَي سبتة أو مليلة المغربيتين، اللتين تخضعانِ للاستعمار من قبل إسبانيا".

كان هذا جزءًا من حديث مهاجر يمني لـ"خيوط"، عن رحلته الشاقة والمحفوفة بالمخاطر من اليمن إلى القاهرة فموريتانيا وصحراء مالي والجزائر، وصولًا إلى المغرب، التي يسعى من خلال بوابتها المشتركة مع مناطق خاضعة للحكم الإسباني، الدخول إلى إسبانيا وتقديم طلب اللجوء.

قال و. ع (27 سنة)، من محافظة إب، إنه غادر بلاده مطلع يناير/ كانون الثاني 2020، متوجهًا إلى مطار القاهرة الدولي كمحطة ترانزيت أولى ينطلق بعدها إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط. هناك سيلتقي بالمهرِّب الذي سيأخذهم إلى المغرب، ثم سيذهبون بدورهم إلى بوابة "الناظور" الواقعة بين المغرب ومدينة مليلة الخاضعة للحكم الإسباني.

يقول و.ع: "قبل التحرك من القاهرة قمنا بالتواصل مع المُهرِّب في موريتانيا، ويدعى حبيب الله. أرسلنا إليه صور الجوازات والتذاكر، وكان بانتظارنا في نواكشوط شخص استقبلنا من المطار وأوصلنا إلى الفندق".

مشكلة في العبور

عندما وجد (و.ع) ورفاقه الـ12 أنهم تأخروا في الإقامة بالفندق، تواصلوا مع المهرّب "حبيب الله"، لكنه أخبرهم بأنه يواجه مشكلات في العبور، وطلب منهم مزيدًا من الصبر. وبعد مُضيّ أسبوع وهم في مكانهم، قال لهم إن بعض معارفه أخبروه بأن هناك مهرب آخر اسمه أحمد لبات، تمكّن من عبور الصحراء الغربية.

توصل الشاب اليمني (و.ع) ومن معه في هذه المغامرة، إلى تفاهم مع حبيب الله على أن يكون وسيطًا بينهم وبين زميله المهرب أحمد لبات، لأخذهم عبر الطريق الذي نجح في اجتيازه، على أن يتم دفع نصف المبلغ المُتفق عليه للمُهرب مقدمًا، والنصف الآخر فور وصولهم المنطقة المنشودة.

وصل أحمد لبات بحافلة وأخذ المهاجرين إلى منطقة اسمها "الزويرات"، وتقع في أقصى الشمال الموريتاني على الحدود مع مناطق الصحراء الغربية. مكثوا معه 10 أيام في العراء وبين الرمال حتى تهيأت الأجواء لعبور الحدود المغربية مع موريتانيا- بحسب (و.ع).

في قبضة شرطة الحدود

"بدأنا بالمشي لما يقارب 12 ساعة؛ من وقت المغرب حتى صباح اليوم التالي"، يقول المهاجر الشاب، مبديًا أسفه كون المُرشد المُتعاون مع أحمد لبات، كان يتحرك عكس السهم الظاهر على الـGPS، وعندما طلع الصباح وقد نال منهم التعب بسبب المشي دون طعام أو شراب، هرب مُرشد الطريق خوفًا على نفسه، وترك المجموعة تواجه مصيرها. ويستطرد: "ما هي إلا دقائق حتى هرعت إلينا المصفحات التابعة لشرطة المغرب الحدودية، والتي أمرتنا بالانبطاح بعد توجيه أفواه البنادق إلى رؤوسنا".

موقف إنساني

بعد أن قبضت شرطة الحدود على المهاجرين التائهين، وجّه لهم أفرادها عددًا من الأسئلة، وبعد أن عرفوا أنهم من اليمن، قدموا لهم الاعتذار.

يتابع (و.ع) روايته لقصة الوقوع في يد الشرطة المغربية: "اعتذروا منا وقدموا لنا الماء والطعام، وأبدوا تعاطفهم معنا، ثم أقلونا بالعربات الخاصة بهم إلى الحدود الموريتانية". وفي تلك الصحراء بقي المهاجرون يبحثون عن مخرج حتى التقوا بسيارة تتبع هيئة القطار الموريتانية، وطلبوا من سائقها أن يساعدهم في الخروج إلى أحد الخطوط. غير أن السائق قام بإبلاغ الشرطة الموريتانية، وتم احتجازهم إلى الصباح، حيث تم إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى نواكشوط.

في إحدى المحاولات، ركب شرطي متخفٍّ في حافلة المهاجرين، اقترح على السائق التوقف عند فندق مجاورة لقسم شرطة، وفي الصباح، استيقظوا والشرطة تنتظرهم، حيث اقتادوهم إلى السجن لمدة أسبوع تعرضوا خلاله لمعاملة قاسية

الاحتجاز في نواكشوط

بعد العودة إلى نواكشوط، تواصل المهاجرون مع المهرب حبيب الله، وعاد المهرب الآخر أحمد لبات، لإخبارهم بأن سبب إخفاقه في عبور الحدود يرجع لخطأ ارتكبه المرشد الذي استعان به، وهكذا أقنعهم أنه يعرف طريقًا آخر نحو الحدود المغربية دون الحاجة إلى المشي على الأقدام.

وبالفعل تحركوا مع لبات حتى وصلوا إلى البوابة الحدودية، لكن شرطيًّا متخفيًا ركب معهم في الحافلة، واقترح على سائقها التوقف عند أحد الفنادق المجاورة لقسم شرطة. "ما أن طلع الصباح حتى كان جنود الشرطة بانتظارنا أمام الفندق، حيث احتجزوا جميع المهاجرين وأعادوهم إلى شرطة نواكشوط، التي احتجزتهم لمدة أسبوع تعرضوا خلاله لمعاملة سيئة وقاسية"، يقول (و.ع).

سفارة الجمهورية اليمنية

يستمر (و.ع) في رواية مغامرة البحث عن الفردوس، مفيدًا بأنهم تواصلوا مع أكثر من حكومية دون جدوى، الأمر الذي دفعهم للتواصل مع المستشار السابق في سفارة اليمن لدى موريتانيا، عبدلله عسلان. بادر عسلان بالذهاب إليهم وإخراجهم من حجز الشرطة، واستضافتهم على وجبة غداء في أحد المطاعم اليمنية في نواكشوط، وزودهم ببعض النصائح.

 في حديثه لـ"خيوط"، قال المستشار السابق عبدالله عسلان، أن مشاكل الوافدين اليمنيين على موريتانيا كثيرة، خصوصًا الذين يقصدونها بغرض العبور منها إلى المغرب أو إلى أي بلد آخر. وأضاف: "واجبي هو متابعة شؤون المغترب اليمني والسعي لحل مشاكله في البلد التي أعمل فيها كمسؤول في السفارة، واليمنيون في ظل هذه الظروف يحاولون البحث عن مخرج".

وفي السياق نفسه، تحدث لـ"خيوط"، القنصل اليمني الحالي في نواكشوط، رضوان النعامي، لافتًا إلى أن "قضية المهاجرين الـ12 الذين تم احتجازهم مطلع العام الماضي (2020)، تم حلها في حينها، وإخراجهم جميعًا من سجن الشرطة".

وتعليقًا على سؤال نقلناه له عن مهاجرين يمنيين أفادوا بأن السفارة قدمت للسلطات الموريتانية طلبًا بإيقاف إصدار تأشيرات لليمنيين، وذلك في ضوء تكرار مشكلات الهجرة، قال النعامي: "السفارة لا يمكنها تقديم طلب كهذا يضر المواطن اليمني". وأوضح أن "كل ما في الأمر، هو أن السلطات الموريتانية طلبت تصريحًا أمنيًّا للقادم إلى أراضيها، ومنح المواطن اليمني تأشيرة دخول من المطار".

إلى الجزائر

بعد أن قام المستشار السابق عسيلان بإخراج المهاجرين اليمنيين من سجن شرطة نواكشوط، توجهوا إلى منزل المهرب حبيب الله في مقاطعة "باسكنو" الواقعة في الجنوب الشرقي لولاية الحوض الشرقي، أقصى جنوب شرق موريتانيا. استغرقوا لوصولهم إلى هناك 25 ساعة سفر، وبحسب (و.ع) استراح المهاجرين الـ12 هناك لمدة يوم واحد، ثم بدؤوا مشوار الهجرة، ولكن هذه المرة عبر الجزائر.

تحرك المهاجرين من مقاطعة "باسكنو" لمدة يومين على طريق صحراء "مالي"، وتوقفوا في إحدى المناطق على طريق الرحلة لتناول العشاء. انتظروا هناك حتى قدمت إليهم سيارتان (نوع صالون) لمواصلة الطريق إلى الجزائر عبر مهربين آخرين. انطلقت السيارتان بسرعة جنونية لما يقارب 12 ساعة، حيث وصل مؤشر السرعة إلى 200 كم في الساعة أثناء عبور الحدود الجزائرية، حتى وصلوا إلى ولاية "تمنراست"، وهي عاصمة "الهقار" في الجزائر، وتقع على مسافة 1981 كيلومترًا جنوب الجزائر العاصمة.

بعد نجاحهم في عبور الحدود المغربية، أقام المهاجرون الـ12 قرابة العام ونصف العام في مدينة "الناظور"، وتحديدًا بالقرب من بوابتها المشتركة مع مدينة "مليلة" الخاضعة للحكم الإسباني

خلاف بين المهربين

 أقام المهاجرون اليمنيون الـ12 في "تمنراست" عشرة أيام، بسبب خلاف بين المهرب محمد الجزائري وحبيب الله، على السعر، حيث كانت أجرة التهريب لا تزال بحوزة الأخير في موريتانيا. وبعد تسوية الأمر، تحركوا لمدة كاملة من "تمنراست" إلى "عين صالح" التابعة للولاية نفسها، حيث كان باستقبالهم رجل يدعى جمال. قدّم جمال واجب الضيافة للمهاجرين الـ12، وجلسوا عنده إلى مغرب ذلك اليوم، ثم تابعوا رحلتهم إلى منطقة "الغرداية" شمالي صحراء الجزائر، والتي عبروا إليها بواسطة السيارة، ثم مشيًا على الأقدام لمدة أربع ساعات في طريق اضطرتهم للصعود والهبوط عبر الجبال.

المغرب

يقول (و.ع): "بعد وصولنا إلى "الغرداية" استقبلنا شخص يدعى أيمن في منزل يوجد فيه نحو 30 مهاجرًا أفريقيًّا، وبعد أن استرحنا لأقل من يوم في المنزل، تحركنا إلى منطقة "سبدو" الجزائرية التي تبعد عن الحدود المغربية ما يقارب 40 كم". وبسبب التشديد الأمني في الحدود، خاصة مع بدء تفشي فيروس كورونا حينها، لم يتمكن (و.ع) ورفاقه من عبور الحدود والدخول إلى المغرب، إلا بعد أكثر من شهر.

 بعد نجاحهم في عبور الحدود المغربية، أقام المهاجرون الـ12 قرابة العام ونصف العام في مدينة "الناظور"، وتحديدًا بالقرب من بوابتها المشتركة مع مدينة "مليلة" الخاضعة للحكم الإسباني. قال (و.ع) أنها كانت فترة قضوها في ترصد أخبار فتح البوابة التي أغلقت بسبب جائحة كورونا، إضافة إلى مشكلات أخرى بين الجانبين المغربي والإسباني.

فترة السنة والنصف تلك لم تخلُ من محاولات تسلل، لكنها باءت بالفشل، ومنها محاولة العبور عبر البحر والتي كادت أن تودي بحياة عدد منهم.

وبحسب موقع "مهاجر نيوز"، فإن أكثر من 100 مهاجر حاولوا عبور السياج الحديدي بين "مليلة" و"ماريواري" المغربية في نهاية مايو/ أيار الماضي (2021)، وأنه تمت إعادتهم جميعًا إلى المغرب. وتبع ذلك زيارة رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، لمدينتي "مليلة" و"سبتة" وتأكيده للمسؤولين المحليين فيها على دعمه لهم. ونُقل عن سانشيز قوله حينها، إن حكومته ستدافع عن حدودها بأي وسيلة ممكنة، في تصريح معبّر عن تصعيد خطير ضد المهاجرين.

ومطلع سبتمبر/ أيلول 2021، فُتحت بوابة "الناظور" الشهيرة، وحاول (و.ع) مع عشرات الآلاف من المهاجرين العرب والأفارقة العبور، لكن الجنود الإسبان صدوهم بالقوة وأعادوا الكثيرين منهم.

 ولحق ذلك محاولة أخرى الخميس 16 سبتمبر/ أيلول 2021، تمكّن (و.ع) خلالها من الوصول إلى مدينة "مليلة" مع عدد لم يستطع إحصاءه من المهاجرين الذين توزعوا على مراكز الاستقبال الإنساني التي تقوم بتوزيعهم على المناطق الإسبانية، بعد اتخاذ الإجراءات الرسمية.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English