اليمن بعيون زائريه

انطباعات عن شعب يتطلع للحياة
عبير اليوسفي
June 2, 2022

اليمن بعيون زائريه

انطباعات عن شعب يتطلع للحياة
عبير اليوسفي
June 2, 2022
Photo by: Mohammed Al-Mekhlafi - © Khuyut

"أحاط بنا الغلمان والأطفال شبه عرايا. حملقوا في وجوهنا بأعين داهشة ثمّ تبادلنا الابتسام. ومرح الأطفال حول السيارات وتحتها. رغم البؤس، أطلّ علينا من الأعين البريئة جمالٌ فطريٌّ ونظراتٌ ذكيّة. ترى مَن مِن هؤلاء تربطني به صلة قربى ترجع في تاريخها إلى ألف عام؟".

كان هذا الوصف عند وصول الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ لمدينة عمران أثناء زيارته لليمن، وقد سجلها في قصة تحمل عنوان "ثلاثة أيام في اليمن". 

لطالما كان في كتب الأدب نصيبٌ لليمن من الحكايات والقصص والانطباعات عنها، بعيدًا عن زيارات المؤرخين لها والرحالة، زارها الأدباء الكبار من الشرق والغرب، منهم محمود درويش، وسميح القاسم، وأدونيس، وأنيس منصور، ومحمود السعدني، والشاعر عبدالرحمن الأبنودي الذي أحب اللون الغنائي في صوت أبو بكر سالم، وسافر إلى حضرموت لاكتشافه، والألماني جونتر غراس الذي ارتبطت زيارته برواية الكاتب اليمني وجدي الأهدل "قوارب جبلية" بعد أن مُنعت من البيع وتعرض صاحبها لتهديد بالقتل حتى فر من اليمن للنجاة، وعاد بعد أن توسط له غراس عند الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأمين الريحاني صاحب ملوك العرب وغيرهم.

ذُكرت اليمن بشكل مختلف عند كل منهم، وأكثر المدن التي سجلت الزيارة لها كانتا عدن وصنعاء، فما أسعدنا حين نجد قصيدة تحمل اسم مدينة يمنية لتعبر عن الانطباع والمحبة التي يكنها الكاتب لهذا البلد، مثل قصيدة محمود درويش "ذهبنا إلى عدن"، وسميح القاسم الذي كتب ملحمته الشعرية "ليلى العدنية"، مخلدًا فيها النضال الجنوبي للثوار، وذُكرت اليمن كذلك في ملحمة الشاعر السوري أدونيس "المهد".

أثناء قراءتي لكتاب "غرفة مسافرين" لعزت القمحاوي حين جاء ذكر زيارته لصنعاء، لم يستطع تذكرها إلا بصورة ضبابية، لكنه أنهى حديثه عنها، بوصف عمارتها قائلًا: "في صنعاء العمارة مستريحة في زمنها، بكامل سلطتها على الفضاء المتناغم معها، ولديها السطوة والتي تشد بها الزائر إلى هناك؛ إلى زمنها الماضي المستمر".

وللكاتبة الكويتية ليلى عثمان كتاب عن رحلتها إلى اليمن أسمته "أيام في اليمن"، وصفت فيه مدى تعلقها بهذا البلد الذي أحبت بساطته وأهله، وقالت عنهم: "اليمنيون أذكياء يعرفون من هو الصادق ومن هو المُنافق. يحبّون من هو صادق. ومن يعتبرك صديقًا، يفتح لك قلبه وجوارحه وبيته. اليمن بعيدٌ لا أحد يفكر بالسياحة فيه. إنه يُعشَق فعلًا، لهذا لم أسلم من التأويلات. قال البعض إني تزوّجت هنا وأذهب إلى زوجي، والبعض الآخر قال إني أحبّ شخصًا. قلتُ لهم إني أحب وطني".

رغم مختلف الأدباء العرب الذين زاروا اليمن، بقيَ للتواجد المصري في اليمن أُلفته في كتب الأدباء والصحفيين والمؤرخين المصريين، هذه الأُلفة لم تكن حديثة التواجد، إنما هي قديمة وممتدة منذ الحضارات القديمة بين الشعبين.

يذكر التاريخ الدور الذي قامت فيه مصر تجاه ثورة سبتمبر ومساهمتها في تخليص اليمن من رداء الملكية الغابرة وتشكيل جمهورية يسودها العدل والمساواة، واحتضانها للثوار اليمنيين وحلمهم، وتخلده اليمن بالمدافن الموجودة للجنود المصريين الذي شاركوا في ثورة اليمن .

كتب جلال أمين يستذكر الزيارة اليتيمة لليمن عام 1982، بدعوة من الشاعر عبدالعزيز المقالح، أنه وقع في حب صنعاء من النظرة الأولى، وأنها جديرة بأن تكون الأقرب إلى قلب المصري من أي عاصمة عربية أخرى. وعن التشابه في المعاناة بين المواطن اليمني والمصري، المعاناة الدائمة كلما حاول النهوض والتطلع نحو الأفضل، يجد بلاده تتراجع نحو الخلف لتستمر معاناته.

في كتاب الصحفي يوسف الشريف "اليمن وأهل اليمن أربعون زيارة وألف حكاية" تفاخر المؤلف بزيارته لليمن خلال أربعين زيارة، واكب فيها التطورات السياسية منذ اندلاع ثورة سبتمبر. وشكّل كتابه سجِلًّا لأبرز الأحداث التاريخية التي شهدتها البلاد، مشيرًا فيه إلى أقدم تاريخ معروف لجذور العلاقات المصرية اليمنية، ويتواجد على نقوش بعض المعابد اليمنية في مأرب وغيرها، وحملت أسماء مصريات كن يقمن على خدمة الثالوث اليمني. 

في كتابه، تحدّث كذلك عن التواجد اليمني في مصر، وأن مدينة فسطاط المصرية قد بنيت على أيدي مقاتلين يمنيين في عهد عمرو بن العاص، والذين بنوا المدينة على طراز صنعاء القديمة. وتأسيس أيضًا مدينة الجيزة .

ذاكرة الصحفي الواسعة في اليمن والشاملة للأحداث السياسية، جعلته يسرد لنا تفاصيل عن انطباعه وملاحظاته أثناء زياراته للمدن اليمنية وعادات أهلها وآراء مثقفيها، وسلط الضوء على أبرز نساء تلك الفترة، ومدى قرب صنعاء لقلبه وأحيائها القديمة، وزيارات سياسيين مصريين ومثقفين وفنانين، وعن المحافل الثقافية التي أقيمت فيها .

أثناء قراءتي لكتاب "غرفة مسافرين" لعزت القمحاوي، حين جاء ذكر زيارته لصنعاء، لم يستطع تذكرها إلا بصورة ضبابية، لكنه أنهى حديثه عنها، بوصف عمارتها قائلًا: "في صنعاء العمارة مستريحة في زمنها، بكامل سلطتها على الفضاء المتناغم معها، ولديها السطوة التي تشد بها الزائر إلى هناك؛ إلى زمنها الماضي المستمر".

أستذكر أخيرًا كتابًا للكاتب وجيه أبو ذكرى "الزهور تدفن في اليمن" الذي كان يتناول قصة الجنود المصريين في اليمن على لسان واحد منهم حين كان يتبادل الرسائل مع زوجته ليحكي فيها عن حقيقة ما يحدث في اليمن بعيدًا عما تقوله الصحف، والتي رأى فيها الرئيس جمال عبدالناصر أنها رد اعتبار شخصي له من شماتة الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم، وكيف تم الزج بجنود يجهلون مصيرهم في بلد لا يعرفونه، وكيف تم إيهامهم أنهم في مهمة سهلة. وعن استغلال الحرب التي كانت تتغذى بها جميع الأطراف في بناء مستقبلها. أتذكر مدى وقوفي طويلًا لتأمل جملته حين قال: "الظلام في اليمن كثيف، يحتاج لسنوات حتى يبزغ فجرًا جديدًا حقيقيًّا "، فكم من السنوات نحتاج حتى نخلع عنا هذه الظلمة!

للمؤرخ المصري أحمد فخري محاضرة قيمة ألقاها في صنعاء حين زارها للمساهمة في نهضة التعليم في اليمن بعد حكم الإمامة ذكرها يوسف الشريف في كتابه المذكور سابقًا، قال فيها: "إن روح اليمن لم تمت في يوم من الأيام، وإن خبتت شعلتها يومًا، فقد كانت تعود ساطعة مضيئة يومًا آخر، وإنه مهما تقلبت على اليمن الأحداث أو تعرضت لحلو الأيام ومرها، فقد ظلت دائمًا سليمة العنصر، وبقي شعبها حيًّا لأنه جدير بالحياة"، وهكذا كنا دومًا، شعب يتطلع للحياة وإن غلبت مرارتها على حلو الأيام فيها".

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English