اليمن في قبضة مؤتمرات المانحين

اختلال واسع بين دعم التنمية والإغاثة الإنسانية
د. مطهر العباسي
April 13, 2021

اليمن في قبضة مؤتمرات المانحين

اختلال واسع بين دعم التنمية والإغاثة الإنسانية
د. مطهر العباسي
April 13, 2021
Photo by: Hamza Mustafa - Khuyut

هناك اختلاف بين مؤتمرات المانحين الموجهة لدعم التنمية والإصلاحات الاقتصادية والبناء المؤسسي، وبين المؤتمرات المعنية بتقديم الدعم والمساندة للإغاثة الإنسانية بسبب الكوارث والحروب، هذا الاختلاف يشمل المضامين والأهداف والنتائج والمدى الزمني، إضافة إلى آليات التنفيذ والمتابعة والتقييم وتقسيم الأدوار بين الحكومات والجهات المانحة.

1. مؤتمرات دعم التنمية

عادة ما تتنادى الجهات المانحة لعقد مؤتمرات لدعم الحكومات في الدول النامية، وتوفير التمويلات المالية اللازمة لتتمكن تلك الحكومات من تنفيذ برامج الإصلاحات الهيكلية التي تقترحها مؤسسات بريتون وودز الدوليتين "البنك والصندوق"، بهدف المساعدة في تجاوز الأزمات الاقتصادية التي تمر بها أو لتمويل برامج ومشاريع استثمارية احتوتها الخطط التنموية الوطنية، والتي عادة ما تتطلب موارد إضافية غير متاحة محليًّا.

ومنذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، دأب البنك الدولي، بالشراكة مع الحكومات اليمنية المتعاقبة، ممثلة بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، على الدعوة لعقد مؤتمرات للمانحين لدعم جهود الحكومة في تنفيذ برامج الإصلاحات الاقتصادية والتكيف الهيكلي لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي مر بها اليمن خلال النصف الأول من التسعينيات، أو لتقديم التمويلات الممكنة لبرامج وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي أعدتها الحكومة كل خمس سنوات؛ ففي عام1996، عقد مؤتمر المانحين بلاهي، هولندا، لدعم الحكومة وتشجيعها على تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية الموقع مع البنك وصندوق النقد الدوليين، وفي عام 1997، عقد مؤتمر بروكسل لدعم جهود الحكومة في تنفيذ الخطة الخمسية للتنمية 1996-2000، باعتبارها أول خطة لليمن بعد تحقيق الوحدة المباركة، ثم عقد مؤتمر المانحين بباريس عام 2002، لحشد الموارد من المانحين لتمويل الخطة الخمسية الثانية 2001-2005، واستراتيجية التخفيف من الفقر 2003-2005.

عانت الحكومات المتعاقبة في اليمن من ضعف نسبي في قدرتها على استيعاب القروض والمساعدات المتعهد بها في مؤتمرات المانحين خلال مدة زمنية محددة، وكان ذلك مثار نقاش وانتقاد منالجهات المانحة، لأسباب تتعلق بعدم توفر الدراسات الفنية والجدوى للمشاريع المراد تمويلها

وفي عام 2006، وفي ضوء تشجيع الدول المانحة للتجربة الديمقراطية الوليدة، حيث عقدت الانتخابات المحلية في 2002 و 2006والانتخابات البرلمانية في 2003، ثم الانتخابات الرئاسية في 2006، تم الترتيب لعقد مؤتمر المانحين بلندن، لتوفير الموارد للفجوة التمويلية للخطة الخمسية الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتخفيف من الفقر 2006-2010.

وبعد الأزمة السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد في 2011، وترجمة للمبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية، دعت الحكومة السعودية والبنك الدولي لعقد مؤتمر المانحين بالرياض ونيويورك في عام2012، لتقديم الدعم اللازم لحكومة الوفاق الوطني، لتتمكن من تنفيذ البرنامج المرحلي للاستقرار والتنمية 2012-2014، وهذا النوع من مؤتمرات المانحين ونتائجها تتسم بعدد من الخصائص:

- أخذت زخمًا متزايدًا منذ المؤتمر الأولفي لاهي 1996، حيث حصلت الحكومة على دعم يساوي 500 مليون دولار، وفي كل مؤتمر كان حجم الدعم يتزايد، بل يتضاعف، ليصل إلى أكثر من 9 مليار دولار في مؤتمر الرياض2012، بسبب تزايد الاحتياجات التنموية، وكبر حجم الفجوة التمويلية لبرامج وخطط التنمية مع مرور الزمن، إضافة إلى تباعد فترات انعقادها، وحماس المانحين لتقديم الدعم والمساندة.

- تبني الحكومة برامج إصلاحات اقتصاديةوخططًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية واعتمادها في وثيقة وطنية تقرها سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية، وبهذا يتوفر شرط "التملك الوطني" لتلك البرامج والخطط، وتتكفل مؤسسات الحكومة بتنفيذ البرامج والمشاريع الممولة خارجيًّا بالشراكة مع الجهات المانحة.

- توجه التمويلات الخارجية، سواء كانت قروضًا أو مساعدات لتنفيذ مشاريع تنموية في قطاعات حيوية، مثل التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والكهرباء والطرقات والمطارات والموانئ وغيرها، عبر إدارات تنفيذ المشاريع المتفق بشأنها بين الجهة المانحة والمؤسسة الحكومية المعنية.

- تتطلب تنفيذ تلك المشاريع فترة زمنية متوسطة الأجل، تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، وهي تتناسب مع فترة البرنامج أوالخطة التنموية، كما أنها تخضع للمتابعة والتقييم الدوري والمستمر من الجانب الحكومي والجهة المانحة.

- ساهمت تلك المؤتمرات، وبالشراكة مع البنك الدولي والمانحين الآخرين، في إنشاء مؤسسات وطنية تتولى تنفيذ المشاريع والبرامج متوسطة وصغيرة الحجم، مثل: الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة، وبرنامج الطرق الريفية، وكلها حازت على إعجاب وثقة المانحين، كما لاقت كل الترحاب والدعم من الجهات الحكومية والسلطات المحلية في عموم المحافظات.

وبالمقابل، عانت الحكومات المتعاقبة في اليمن من ضعف نسبيّ في قدرتها على استيعاب القروض والمساعدات المتعهد بها في مؤتمرات المانحين خلال مدة زمنية محددة، وكان ذلك مثار نقاش وانتقاد من الجهات المانحة، لأسباب تتعلق بعدم توفر الدراسات الفنية والجدوى للمشاريع المراد تمويلها، أو لسوء اختيار الطاقم الإداري لتنفيذ المشاريع، إضافة إلى عدم الشفافية والمساءلة في الإجراءات المتعلقة بالمناقصات أو بسير عملية تنفيذ المشاريع، وتعثر بعض المشاريع المهمة، مثل مطار صنعاء وطريق ذمار- الحسينية، ولمعالجة ذلك، أقرت الحكومة عددًا من القوانين واللوائح المنظمة للمناقصات والمشتريات الحكومية، وإنشاء لجنة عليا مستقلة للمناقصات وهيئة وطنية للرقابة على المناقصات، بعيدًا عن الأجهزة التنفيذية للحكومة، ومن جانب آخر، فإن بعض الجهات المانحة لم تفِ بتعهداتها في مؤتمرات المانحين وتخصيصها في مشاريع تنموية، وظلت تماطل وتسوّف، ولم يُنفذ شيءٌ من تعهداتها؛ الإمارات وقطر مثالًا.

ومع الأحداث والحروب التي شهدتها البلادمنذ ست سنوات، توقفت معظم الجهات المانحة عن أنشطتها، وتم تجميد السحوبات من القروض والمساعدات لتمويل المشاريع التنموية، وبذلك خسرت البلاد مليارات الدولارات، وتعثر تنفيذ العديد من المشاريع في مختلف القطاعات، وهنا تقع المسؤوليةالتأريخية على أطراف الصراع وضرورة العمل على إنهاء الحرب، ومد جسور التعاونوالشراكة مع مجتمع المانحين، دولًا ومؤسسات، والتوجه نحو إعادة البناء وتعافي الاقتصاد وتحقيق السلام والاستقرار.

2. مؤتمرات الإغاثة الإنسانية

ومع اشتعال الحرب في 2015، برز نوع آخر من مؤتمرات المانحين، موجهًا نحو الإغاثة الإنسانية ومواجهة حالات الطوارئ الناجمة عن كوارث الحرب وتداعياتها على السكان، الذين فقدوا منازلهم أو مزارعهم أو مصادر دخلهم، واضطروا للنزوح باحثين عن الأمن والسلام.

وعقدت تلك المؤتمرات منذ عام 2015، بسبب تداعيات الحرب الكارثية على وضع الملايين من السكان، فهناك حوالي 20 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك ما يقرب من 10 ملايين شخص يعانون منانعدام الأمن الغذائي الحاد، ويحتاج حوالي مليوني طفل إلى العلاج من سوء التغذية الحاد، ربعهم تقريبًا مهدد بفقدان الحياة، ويبلغ عدد النازحين أكثر من 3مليون شخص، ولذلك أصبحت الأزمة الإنسانية باليمن، تصنف على أنها من أسوأ الأزمات في العالم.

تكتسب تلك المؤتمراتتعاطف مجتمع المانحين في السنوات الأولى لأزمة الحرب، وبسبب انعقادها سنويًّا يبرزما يسمى ظاهرة "إرهاق المانحين"، حيث يقل حماس المجتمع الدولي لتقديمالتمويل والمساعدة مع استمرار فترة الحرب، وهذا ما نلاحظه خلال السنوات الستالماضية

ومنذ عام 2015، تعقد تلك المؤتمرات فيجنيف بدعوة من الحكومة السويدية والسويسرية، باستثناء عام 2020، عُقد افتراضيًّامن الرياض، السعودية، ولهذه المؤتمرات صفات خاصة مختلفة عن مؤتمرات المانحين لدعمالإصلاحات والتنمية، ومن أهم تلك الصفات:

- يبرز دور الأمم المتحدة بالشراكة معدولتين أو أكثر لتنظيم تلك المؤتمرات سنويًّا، وفقًا لوثيقة "خطة الاستجابة الإنسانية لليمن"، وهي إطار عمل متعارف عليه دوليًّا، يعده مكتب المنسق المقيم للشؤون الإنسانية بالشراكة مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى وبالتنسيق مع المنظمات الدولية غير الحكومية وممثلي الجهات الحكومية المعنية.

- يهدف المؤتمر لحشد التمويلات اللازمةلمعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة، خلال عام واحد، والتي تشمل الأمن الغذائي والتغذية والصحة والمياه والصرف الصحي والمأوى والتعليم، ومواجهة النفقات اللوجستية والتشغيلية للمنظمات العاملة في مجال الغوث الإنساني، باعتبارهم يعملون في ظل ظروف طارئة وخطيرة.

- تتولى منظمات الأمم المتحدة مهمة تنفيذ البرامج والمشاريع والأنشطة التي تحتويها خطة الاستجابة الإنسانية، بالشراكةالجزئية مع الجهات الحكومية المعنية والمنظمات الدولية غير الحكومية والمنظمات المدنية المحلية، وفي ظروف الحرب تنفذ خطة الاستجابة الإنسانية بشكل محايد عنأطراف الصراع، ولا يمكن لأي طرف محاولة السيطرة على برامج ومشاريع الخطة؛ لأن ذلك يتعارض مع قواعد ومتطلبات المانحين، والذين يرون في منظمات الأمم المتحدة الجهة المحايدة لتنفيذ برامج الإغاثة الإنسانية.

- تكتسب تلك المؤتمرات تعاطف مجتمع المانحين في السنوات الأولى لأزمة الحرب، وبسبب انعقادها سنويًّا يبرز ما يسمى ظاهرة "إرهاق المانحين"، حيث يقل حماس المجتمع الدولي لتقديم التمويل والمساعدة مع استمرار فترة الحرب، وهذا ما نلاحظه خلال السنوات الست الماضية، ففي عام 2015 كان حجم الدعم قرابة 900 مليون دولار، وتزايد حتى بلغ حوالي 3.8 ملياردولار في عام 2019، بعدها تراجع إلى 1.7 مليون تقريبًا في مؤتمر المانحين الأخيرفي مارس 2021، كما أن جائحة كورونا أثرت فعلًا على أولويات الدول المانحة وعلىمستوى دعمها لمناطق الحروب والصراعات.

- تتسم تعهدات المانحين لدعم الإغاثة الإنسانية بالحساسية المفرطة تجاه ممارسة أطراف الصراع السيطرة على تلك المعونات،وسوء استغلال الدعم، وعدم توزيع المعونات، وَفقًا لمبادئ الشفافية والمساءلة،وصعوبة الوصول إلى المستفيدين والمحتاجين أو التأكد من حصولهم على الإغاثةالإنسانية، وابتداع أساليب المضايقة والتنمر على العاملين في المنظمات العاملة فيمجال الغوث الإنساني، وعدم تهيئة البيئة المناسبة للقيام بواجبهم بحيادية ومهنية،وهذه كلها عوامل تولّد عدم الثقة لدى الجهات المانحة وتجعلها تخفض الدعم أو تتوقف عن تقديمه وتوجيهه إلى مناطق الأزمات الأخرى في العالم، كما تدفع بالمنظمات العاملة بالبلد إلى الانسحاب التدريجي من ممارسة عملها والبحث عن بيئة آمنة وحاضنة لها في أماكن أخرى.

- وبحكم طبيعة الظروف الطارئة والمتغيرة للحرب والصراع، فإن معظم الدعم الإنساني يوجه للاحتياجات العاجلة التي تحافظ على حياة المتضررين من الحرب، مثل الغذاء والدواء والمأوى، ويخصص الجزء اليسير لتطوير و تنمية سبل العيش المستدام، وتوليد فرص العمل للحد من البطالة والفقر، وهنا يأتيدور الجهات الحكومية في التفاوض مع المنظمات الدولية والتوافق معها على حسن استغلال الدعم الإنساني بطريقة سليمة ومستدامة، وهذا لن يتأتى إلا بالاحترام المتبادل، وتيسير عمل المنظمات، والابتعاد عن توتير العلاقات معها، والتصرف كرجال دولة، وَفق الأطر المؤسسية والقانونية، واستيعاب أنماط ونظم الجهات المانحة والمنظمات العاملة في مجال العون الإنساني.

- تقدم بعض الجهات المانحة دعمها الطارئ للمساعدة في معالجة ما دمرته الحرب وتأثيراتها، وهنا يأتي ذكر المساعدات الطارئة التي قدمها البنك الدولي خلال سنوات الحرب، والتي بلغت حوالي 1.7 مليار دولار وتستهدف القطاعات ذات الأولوية، مثل المرافق التعليمية والصحية ومرافق المياه والصرف الصحي ومشاريع الطاقة وصيانة الطرق والمشاريع كثيفة العمل في المناطق الزراعية والريفية أو تقديم الإعانات النقدية للأسر الفقيرة والمحتاجة، والتي تنفذبإشراف مكاتب منظمات الأمم المتحدة وعبر الشراكة مع مؤسسات وطنية، مثل الصندوق الاجتماعي ومشروع الأشغال العامة والمؤسسة العامة للطرق وصندوق الرعاية الاجتماعية، وهذا النموذج من المساعدات يتطلب الدعم والإشادة وتهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ مشاريعها، لما لها من فوائد اقتصادية وتنموية لمعظم شرائح المجتمع.

ورغم أن الاحتياجات الإنسانية كبيرة، إلا أن مستوى الإنجاز لخطط الاستجابة الإنسانية خلال الفترة 2015-2019، تفاوت بشكل واسع، فالاحتياجات من التغذية والمياه والصرف الصحي تم تغطيتها بنسب عالية، وصلت إلى أكثر من 100%، بينما ظهر قصور واضح في توفير المأوى للنازحين والمواد غيرالغذائية، وفي برامج العمالة الطارئة والتأهيل المجتمعي، التي بلغت 50% تقريبًا؛ مما يدل على وجود معوقات تحول دون الاستفادة الكاملة من برامج المساعدات الإنسانية.

وإجمالًا، فإن هناك هوة واسعة بين مؤتمرات المانحين المخصصة لدعم خطط وبرامج التنمية والإصلاحات المؤسسية والاقتصادية في ظلال سلام والاستقرار وبين مؤتمرات المانحين لتقديم المعونات الإنسانية والإغاثية،وتعقد في ظل الحروب والصراعات، ولها أهداف وأغراض محددة، وفقًا للأعراف والمواثيق الدولية، ولذلك فإن مداها طارئ ومؤقت، والإدمان عليها والتكالب على المعونات التي تقدمها يعدّ خطرًا ماحقًا على الأجيال الحاضرة والمستقبلية؛ لأنها تجعل شريحة واسعة من السكان تعيش عند مستوى حد الكفاف، ولذلك يجب على جميع أطراف الحرب والصراع الإسراع إلى التوافقات الوطنية بهدف وضع حد للاقتتال والاحتراب، وتوفير البيئة الملائمة للسكان، حتى يتمكنوا من ممارسة أنشطتهم وأعمالهم في مختلف القطاعات ويعيشون حياة كريمة تليق بهم، والعمل على تحقيق السلام والاستقرار والحفاظ على المكتسبات الاستراتيجية والقومية المتمثلة بالوحدة والجمهورية والديمقراطية، وإطلاق عملية التنمية والبناء، فالإنسان اليمني أثبت خلال كل القرون والأزمات أنه قادر على الصمود والتكيف، وينشد دائمًا الأمن والأمان، ويفضل العيش من جهده وعرق جبينه.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English